منذ 8 سنوات
إيران الفلسطينية لا تخفي سياسة توتير الجوار
حجم الخط
شبكة وتر-"بقلم : أحمد جابر لم تعتمد السياسة الإيرانية سياسة حسن جوار مع البلاد العربية، ولم ينفع رابط الدين والتاريخ المشترك في دفع الساسة الإيرانيين إلى ابتكار صيغة لقاء راهنة، تستحضر ما كان زاهياً من اللقاء التفاعلي الذي جمع الحضارتين العربية والفارسية في بوتقة الحضارة الإسلامية. لهذا السبب التاريخي يجب التمييز دائماً بين سياسة الدولة الإيرانية وبين تراث الحضارة الفارسية.
والتمييز ضروري أيضاً لكي تبقى «النفحة» العروبية بعيدة من سهام الاتهام بالشوفينية والعنصرية، العروبة التي يجب الفصل أيضاً، بينها وبين ما قام باسمها من أنظمة قمعية وديكتاتورية تخلفت عن اللحاق بركب العصر، ولم تستطع أن تضيف إلى أهراءات الحضارة سنبلة فكرة ذات جدوى إنسانية.
حملت الثورية الإيرانية شعار فلسطين، ودخلت على خط القضية الصراعية العربية من مدخل القدس ورمزيتها فقط، فجعلت لها يوماً عالمياً سنوياً.
اختيار المدخل ليس موفقاً لأنه يختزل كل القضية الوطنية الفلسطينية ببعد ذا طابع ديني، وهذا لا يبدده كل الكلام حول رمزية ومكانة القدس في الذاكرة التاريخية العربية والإسلامية، لأن المسألة في فلسطين لا تختزلها فكرة وحيدة الجانب، وإذا كان الهدف المتوخى هو تحرير «عاصمة فلسطين»، فإن الممر إلى التحرير هو شعب فلسطين أولاً، وكل الشعوب والديار العربية في المقام الثاني.
عند الممر الجغرافي والسكاني العربي، ترتفع حواجز التناقض بين الشعارية الإيرانية ووقائعها. الحاجز الأول يمثله فهم العروبة ذاتها من جانب الآخرين، فالفكرة العربية حيال فلسطين وبقية الشعوب العربية، هي فكرة تقدم وتطور وتحرير إرادات، وامتلاك مقومات وقدرات، أي أن العروبة تغتني بفلسطينيتها التحريرية، والفلسطينية تغتني بعروبتها الحضارية التحررية الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.
في هذا السياق التواصلي بين العروبة وفلسطين، لا تفعل السياسة الإيرانية سوى تسميم الفكرة العربية وبلادهما بالتدخلات وسوى تفخيخ «الجمعنة» العربية بالمذهبيات، وشحنها بالتالي باستثارة النزعات الشوفينية، التي ترفعها بقايا قوى قومية توزع ولاؤها على أشتات العرب السياسيين الذين ورثوا اسم العروبة، ثم أعملوا فيه سيف التفكيك، ونثروا حروفه في برّية اللامعنى السياسي.
واقع الحال هذا، يطرح مسؤولية السياسية الإيرانية أولاً، عن إشاعة فوضى الكراهية في فضاء العلاقات مع الدول العربية، ويطرح أيضاً مساءلة صانع السياسة الإيرانية عن الأسباب التي دفعته وتدفعه، إلى سلوك جادة الخصام الدامي مع العرب الذين هم شركاء واقعيون في معركة القدس التي يرفع لواءها! لتقل إيران ما المشكو منه عربيا؟
ولتنطق بالمضبطة الاتهامية التي تعدِّد إساءات البلاد العربية إليها؟ ولتذكر ما هي المصالح الوطنية الإيرانية التي تضررت بسبب من سياسات هذه البلاد؟ هذا حديث وقائع ومصالح، وكل حديث واقعي يكون واضحاً ومفهوماً، فإذا ألقي كل ذلك على قارعة الشعارية، نجم عن الأمر تحليل التوجس والريبة والتشكيك، الذي هو السائد اليوم في متن الخطاب العربي، حيال حقيقة النوايا الإيرانية.
وما هو معلوم ومعروف من هذه النوايا يعزز الريبة ولا يوهنها، إذ يطرح السياسي العربي السؤال عن حقيقة الفلسطينية الإيرانية، عندما تتخذ هذه الشعارية أشكالاً من زعزعة استقرار أكثر من بلد عربي، من خلال دعم مجموعات مذهبية فيه، وعلى حاملة الحديث عن الحرية والديموقراطية وحق الشعوب «المظلومة» في التعبير عن مطالبها... إنما دائماً خارج النطاق الجغرافي الوطني الإيراني، وخارج الاعتراض على السياسات الإيرانية المعتمدة في الداخل وفي الخارج.
المعارضة الجدية في إيران ممنوعة، وإذا لم تستجب كانت معارضة مقموعة. يفتح هذا الواقع الداخلي الإيراني باب نقاش خطاب المستوى السياسي الموجه إلى الخارج، ومما يطالع المتابع على هذا الصعيد، أن الشعارات الثورية الإيرانية باتت فاقدة لمضمونها منذ زمن ليس بالقليل.
فكيف تكون ثورة في معزل عن تغيير أوضاع الشعب المستهدف بالثورة، ونقلها نحو عدالة أكثر، وهامش حرية أوسع، ورفاه اجتماعي أرقى، وإلى جنوح نحو إشاعة مفهوم السلام الداخلي المعزز بتسويات اجتماعية وسياسية، ونحو طلب السلام مع الجوار والخارج المدعوم هو الآخر، بتسويات إقليمية، وبلغة اندراج في سياق التوازنات العالمية، التي تحفظ الحق الوطني ولا تتنازل عما هو أساسي فيه.
طلب السلام يقوم على خلفية فكرية تعتقد بأن هذا السلام هو حصن التطور الحضاري، لأن الحروب كانت دائماً ممراً إلى الهيمنات الاستعمارية الخارجية. هو حديث مصالح.
لتُترك القدس وشأنها، هي تنتظر سياسات أخرى. لتكن الحسابات المصلحية سيدة كل الكلام.
المصدر:
الحياة مقالات