منذ 7 سنوات
الإرهاب الداعشي ... والقصور الغربي!!
حجم الخط
شبكة وتر- الدكتور حسن أبو طالب- يبدو أن على العالم خاصة الغرب أن يتكيف بشكل أو بآخر مع العمليات الإرهابية غير التقليدية التي يصعب كشفها قبل وقوعها، وتستهدف قتل المدنيين بشكل يبدو عشوائيا، لكنه لا يخلو من رسائل ودلالات مهمة. إرهاب الدهس والطعن لم يعد فكرة خيالية، لقد أصبح واقعا نراه في أكثر من موقع وبلد في آن واحد، ولم يعد هناك ما يفرق بين بلد شرق أوسطي أفريقي أو عربي، أو بلد أوروبي أو روسيا او الولايات المتحدة.
الكل بات مستهدفاً، والكل في قلب المعاناة. مقولات سابقة مثل أن غياب الديمقراطية يؤدي بالضرورة إلى انتشار الإرهاب، وتنظيماته بدت منطقية لدى الأوروبيين والأمريكيين وفسروا بها انتشار الإرهاب وتنظيماته في بلدان الشرق الأوسط لاسيما العربية لم تعد الآن مقنعة أو ذات قيمة، ولا تقدم أي تفسير منطقي لما شهدته كبريات المدن الأوروبية في الأشهر الأخيرة من عمليات إرهابية قام بها شباب يحملون الجنسيات الأوروبية، ويفترض أنهم تشربوا الثقافة الأوروبية ذات النكهة الديمقراطية، ولكنهم فضلوا الانقلاب على تلك الثقافة ومحاربتها.
الغرب يدفع الآن ثمن مكابرته وعناده ورفضه فهم الظاهرة الإرهابية طوال العقود الثلاثة الماضية. لقد عاش الغرب في وهم أن الجماعات الإرهابية التي تستخدم العنف الصريح والدموي ضد حكومات بلدانها هي جماعات سياسية ضاقت بها السبل في بلدانها، وانها تستحق عناية الغرب ورعايته لها، بل ومساعدتها لكي تصل إلى السلطة في بلدانها. ورغم أن تجربتي داعش والقاعدة، وهما التنظيمان الإرهابيان الأكبر في الوقت الراهن، تقومان أساسا على فكرة رئيسية وهي أن الغرب كافر وعدو تاريخي ولا يمكن التعايش معه، ومحاربته باسم الجهاد واجب ديني يستوجب من كل المؤمنين بفكر التنظيمين المشاركة في هذا الجهاد بأي طريقة وصولا الى إسقاطه، ومن ثم إقامة الدولة الاسلامية الجامعة بمسمى الخلافة.
لم يهتم الغرب كثيرا بالفهم الحقيقي للمنظومة الفكرية لمثل هذه التنظيمات الارهابية التي وظفت شعارات دينية ليسهل لها اختراق مجتمعاتها المحلية من جانب وجذب العناصر المسلمة المقيمة في الغرب من جانب آخر، بل تصور أنها موجهة فقط لدول العالمين العربي الاسلامي، ولا تخرج عن مسعى الدعاية السوداء غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع. ومادامت هناك تحذيرات ومناشدات من رؤساء وملوك دول عربية ومسلمة بأن يعيد الغرب النظر في هذا الموقف المتخاذل، وأن يتفهم أكثر وأكثر خطورة هذه التنظيمات والتهديدات الكبيرة المتضمنة في بنية تفكيرها. ومع ذلك لم يتخذ الغرب الخطوات المناسبة حتى لحماية نفسه.
وفي الوقت الذي تركز فيه دول عربية ومسلمة كثيرة، وفي مقدمتها مصر على محاربة التنظيمات الإرهابية بكل الوسائل الممكنة أمنيا وفكريا وتنمويا واستخباراتيا، من الصعب أن نجد يد العون الحقيقية والفعالة من الدول الغربية لدولنا العربية والمسلمة الأكثر اشتباكا ومواجهة مع الظاهرة الارهابية بتحولاتها الأكثر خطورة على مر التاريخ.
الإرهاب في تعريفه البسيط هو استخدام العنف لتحقيق مكاسب سياسية، وهو ما ينطبق على كل الأفعال الإرهابية دون استثناء، أيا كان مكانها أو البلد الذي وقعت فيه. وهنا يبدو السؤال المهم حول المكاسب السياسية التي تحققها أعمال إرهابية من قبيل الدهس للأبرياء الذين يمارسون حياتهم العادية، أو من قبيل الطعن لمارة تصادف أنهم كانوا الأقرب للعنصر الإرهابي لحظة قيامه بفعلته الشنيعة.
الملاحظ في هذه النوعية من العمليات أنها أولا تعد مزيجا مما يعرف بالذئاب المنفردة، وهم الأفراد الإرهابيين الذين يقومون بعمل إرهابي إيمانا بفكر التنظيم الإرهابي دون الارتباط العضوي بالتنظيم. وثانيا أنها تستخدم أدوات عادية للغاية تستخدم في حياتنا اليومية لجعلها أكثر يسرا وسهولة، كالطائرات والشاحنات وآلات القطع الحادة، ولكن الإرهابيون حولوها الى أدوات للقتل والخراب. وثالثا أنها عمليات لا تتطلب مهارات قتالية خاصة ولا تدريب مسبق، وكل ما تتطلبه هو اشخاص مغيبون وسيارة أو سكين أو تذكرة لركوب الطائرة، وإرادة لتنفيذ العمل الإرهابي دون تردد. ورابعا انها تستهدف التجمعات الانسانية في مكان مفتوح، أو تصيد أفرادا عاديين يمشون في الشارع لمهاجمتهم لغرض الإصابة أو القتل، وهو ما يعرف اصطلاحا بالأهداف السهلة. وخامسا أن نزعة الانتقام هي الأعلى، وبالتالي فهي لا تمثل إضافة بالنسبة للتنظيم الإرهابي إلا من زاوية بث الخوف في نفوس أكبر عدد ممكن من البشر. وسادسا أن منع هذه العمليات الإرهابية من الاستحالة بمكان، ومهما تكن التدابير الأمنية المشددة وتبادل المعلومات مع دول صديقة أو حليفة، ستظل هناك فرصة أمام أحد الإرهابيين المجهولين للقيام بعملية دهس أو طعن.
هذه الخصائص الست للظاهرة الإرهابية الراهنة من حيث ابتداع عمليات عنف يصعب كشفها ومنعها قبل حدوثها، سوف تشكل حركة التنظيمات الإرهابية في المرحلة المقبلة مدفوعة برغبة عارمة في الانتقام من كل من ساهم في إجهاض الدولة الإسلامية المسخ في كل من العراق وسوريا، والمرجح أن هذه النوعية من العمليات سوف تركز على المجتمعات الأوروبية وروسيا والولايات المتحدة بدرجة أكبر، وتذكير الجميع أن يد التنظيم الإرهابي رغم الهزائم الأخيرة ما زالت قادرة على توجيه الضربات المؤلمة، وأن التنظيم ما زال قائما وتأثيره على الاتباع لم ينته أبدا.
الانتشار الأفقي للعمليات الإرهابية بطول العالم وعرضه يتطلب فكرا جديدا وتعاونا دوليا على أعلى مستوى، وحتى الآن ورغم تعرض أكثر من مدينة أوروبية كبيرة مثل لندن وبرلين وباريس وبرشلونة وغيرهم، فإن الحديث الأوروبي يقتصر على محاولة كشف أوجه القصور الأمنية التي أدت إلى نجاح أفراد إرهابيين في توجيه ضربات مؤلمة للعديد من الأبرياء ولهيبة البلد ذاته، وهو موقف يكشف عجز الغرب عن استيعاب مغزى هذه العمليات، وبالتالي العجز عن صياغة استراتيجية دولية جديدة تستهدف التعاون الفعال مع أكبر عدد ممكن من الدول والمؤسسات، وبحيث تشمل مسارات فكرية وأمنية وسياسية في آن واحد. إن ظاهرة مثل القاعدة أو داعش تستمر رغم الضربات القاسية والموجعة التي وجهت اليها طوال عقدين، بل وتعمل في داخل أوروبا نفسها، فهذا يعني أن المواجهة ستأخذ وقتا طويلا، وسيقع ضحايا كثر، إلى أن يفيق الغرب من غفلته.