منذ 8 سنوات
المستفيدون من «داعش»
حجم الخط
شبكة وتر-ًبقلم : الياس حرفوش ً بحجة محاربة تنظيم «داعش»، وجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الفرصة سانحة لاقتحام الحدود السورية. هكذا صارت المنطقة الآمنة على الحدود التركية - السورية، التي طالب بها أردوغان منذ بدايات الحرب السورية، والتي يقال أنها ستكون بعمق 40 كلم، مطلباً قابلاً للتحقيق.
اقتحام الحدود السورية والهجوم على جرابلس كانا طبعاً بحجة الرد على التفجير الانتحاري الذي وقع في حفلة العرس في غازي عنتاب وأدى الى مقتل خمسين على الأقل، أكثرهم من الأطفال، وأعلن «داعش» المسؤولية عنه.
لكن اقتحام الحدود وإبعاد «داعش» من جرابلس هما، في رأي كثر من المراقبين، رد تركي مباشر على سيطرة «قوات سورية الديموقراطية» بأكثريتها الكردية، على مدينة منبج، قبل أسبوعين، وتقدّمها في الشمال السوري، ما أصبح يعني على الأرض احتمال منطقة حكم ذاتي كردية كاملة الأوصاف.
ذلك أن «داعش» موجود في المناطق الحدودية منذ زمن، وعناوينه معروفة، مثلما هي معروفة طريقة وصول عناصره الى تلك المناطق.
لم يكن ممكناً أن يحقق أردوغان حلم اقتحام الأراضي السورية لولا أنه استخدم ذريعة القضاء على إرهاب «داعش» كحجة للقيام بذلك. فهو ما كان ممكناً أن يتصرف في الأراضي السورية المحاذية لحدوده، مثلما يفعل في المناطق الكردية في الجنوب الشرقي من تركيا.
يمكن أردوغان أن يعتبر «داعش» في هذه الحالة «هدية من السماء»، تماماً مثلما وجد في الانقلاب التركي الفاشل «هدية» سمحت له بالانقضاض على خصومه في مختلف مؤسسات الدولة. وهو ما يدفع الى التساؤل عن «الصدف» التي توفر هذه «الهدايا» لأردوغان في الأوقات المناسبة.
كما يدفع الى التساؤل أكثر عن طريقة خروج «داعش» من جرابلس من دون مقاومة تذكر، وهو التنظيم الذي لم تعرف عنه سلميته في المعارك ورغبته في الاستسلام بسهولة أمام أعدائه.
للإنصاف، ليس «داعش» مفيداً لأردوغان وحده. في سياق الحرب السورية، استفاد الجميع من الرغبة الدولية في محاربة هذا التنظيم الإرهابي. بشار الأسد وضع الحرب على معارضيه جميعاً تحت خانة الحرب على الإرهاب. هل تذكرون نظرية «تنظيف المستنقعات من الجراثيم»، التي أطلقها رأس النظام السوري، حتى من قبل ولادة «داعش»، وصار ضرورياً لتحويلها الى واقع أن يتم جلب الجراثيم الى المستنقع، وهو ما نفذته أجهزة النظام الاستخبارية والأمنية بجدارة تسجّل لها؟!
أما معارضو بشار الأسد في «الجيش السوري الحر» وسواه من التنظيمات، فقد استفادوا هم أيضاً من التدخل التركي في شمال سورية للتقدم على حساب القوات الكردية في المناطق الواقعة غرب نهر الفرات، والتي تطالب تركيا، وتدعمها واشنطن، بإبعاد مقاتلي «وحدات حماية الشعب الكردية» عنها. وبهذا، تصبح مناطق الشمال السوري المحاذية للحدود التركية مقسمة بين القوات التركية وحلفائها في المعارضة السورية، وبين القوات الكردية شرق الفرات.
وهذا يعني إخراج القوات الكردية من منبج، وسيطرة الأتراك وحلفائهم على الجيب الممتد بين مارع وجرابلس، الذي يمكن أن تحوله تركيا مستقبلاً الى مخيم كبير يؤوي اللاجئين السوريين على أراضيها، والذين تجاوزت أعدادهم ثلاثة ملايين.
في سياق المستفيدين من «داعش»، لا يمكن أن ننسى إيران وحلفاءها، هؤلاء الذين أصبح تدخلهم في الحرب السورية مسكوتاً عنه أميركياً وغربياً، بل مرضياً عنه، بحجة أن هذه القوى هي الوحيدة القادرة على الوقوف في وجه التنظيم الإرهابي. هذه هي المعادلة نفسها التي قلبت مطلب إبعاد بشار الأسد وتحديد المواعيد لرحيله، الى دعوة خجولة لإبقائه في السلطة لفترة «انتقالية» لا يعلم أحد مدتها، ولا الى أين سيتم «الانتقال»، إذا حصل!
مصائب قوم عند قوم فوائد... «داعش» هو بالتأكيد مصيبة عربية مثلما هو مصيبة لصورة الإسلام حول العالم، لكن كثراً يعتاشون من هذه المصيبة، بل يستغلونها الى أبعد الحدود. ولائحة المستفيدين هي أطول من الأطراف التي اتسع لها هذا المقال.