منذ 8 سنوات
المعادلة التركيّة الجديدة في الشرق الأوسط
حجم الخط
شبكة وتر-ًابراهيم الصيادً -لا خلاف على أن التجربة التركية على المستوى الاقتصادي تستحق الدراسة من دول أخرى ما زالت تتابعها، وهي تحاول المضي قدماً على طريق التنمية. في الوقت نفسه، روَّجت تركيا لتجربتها الديموقراطية لعقود طويلة لإقناع البعض بأنها قنَّنت ما يمكن تسميته علاقة التماس بين المؤسسة العسكرية والمؤسسات المدنية، حيث ظلَّ الجيش حارساً للإنجازين الاقتصادي والسياسي، حتى وقعت محاولة الانقلاب في 15 تموز (يوليو) الماضي.
وعلى رغم فشل المحاولة، فإنها كشفت أموراً تقاطعت مع ما رسَخ في الذهن في شأن التجربة التركية. ومن بينها، أن ثمة احتقاناً في النسيج التركي دفع البعض إلى التقاطع الحاد مع نظام أردوغان. غير أن الرئيس التركي كان له أكثر من وجه، أحدُها يتمثل في مرونته في التعامل مع الفكر العلماني، وآخر يتعامل مع تيارات سياسية متخفية تحت عباءة الدين بما يجعله يحتضن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، بل يتعدى ذلك إلى استضافة رموزٍ تمثل اتجاهات مناهضة لنظم حكم في دول أخرى.
وهناك أيضاً ما يمكن تسميته ردة الفعل المرتبة والمغالية في القسوة من حكومة أردوغان ضد من اعتبرتهم مدبري الانقلاب أو داعميه، من القضاة والساسة والكتاب والإعلاميين والموظفين العامين. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع ما يحدث في تركيا، فإننا نرى أن رد الفعل هذا ترتَّب عليه اختلال المعادلة التركية، ومصادرة تاريخ الممارسة الديموقراطية، ما ترك أثراً سلبياً على السياسة الخارجية.
وهذا لا يعني أنه كان مطلوباً من أردوغان التساهل وعدم تأمين نظام حكمه، لكن، وفق المنطق، كان يجب أن تتم المحاسبة من خلال القانون ووفق أحكام الدستور، وفي ظل الحفاظ على المكتسبات الديموقراطية بلا أي تجاوزات في حقوق الإنسان، حتى لا يؤثر هذا السلوك في صورة الدولة التركية في الخارج. ومن الواضح، أن قوائم من اعتبرتهم الحكومة التركية من مدبري محاولة الانقلاب أو داعميها، أعدت سلفاً، فضلاً عن أن الاستهداف شمل أشخاصاً كثراً لمجرد الشك في ولائهم لحكم حزب العدالة والتنمية، فضلاً عن الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الدولية ومواقع التواصل الاجتماعي، وتوضح التعامل اللاإنساني مع جنود أتراك جُردوا من ملابسهم. وهذه أمور تبعث حتماً على القلق، سواء داخل المجتمع التركي بأقلياته العرقية، مثل العرب والأكراد، أو خارج تركيا من الدول الحليفة لأنقرة. ولا شك أن هذا كله ألقى بظلاله القاتمة على الاقتصاد التركي، فتراجعت السياحة، وهي أحد مصادر الدخل القومي الرئيسية، بنسبة 40 في المئة خلال تموز الماضي، بسبب إلغاء حجوزات عشرات الأفواج السياحية، علماً أن اسطنبول تعد واحدة من المدن العالمية التي تشهد رواجاً سياحياً كبيراً في هذا الوقت من العام.
وهذا يجعلنا نراجع سياسات تركيا تجاه منطقة الشرق الأوسط وأزماتها لأنها لاعب إقليمي رئيسي. وبما أن السياسة الخارجية والسياسة الداخلية وجهان لعملة واحدة، فإننا نرى أن على أنقرة اليوم أن تعيد النظر في دورها الإقليمي وإزالة اختلالات المعادلة التركية، ومنها ضبط العلاقات مع إسرائيل والتنسيق مع إيران في شأن دور كل منهما في الشرق الأوسط، خصوصاً في سورية والعراق. ومطلوب من أنقرة أيضاً أن توضح علاقتها مع «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، وتعيد النظر في تبنيها معارضين من دول تختلف مع حكومة أردوغان. ومن هنا، يمكن تأكيد ضرورة إعادة صياغة العلاقات العربية - التركية عموماً، وعلاقتها المحتقنة مع مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة في شكل خاص، من منطلق مبدأ أنه لا توجد صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، بل مصالح دائمة.