منذ 8 سنوات
بقلم: المحامي إبراهيم شعبان
تعريب الكنيسة اليونانية في فلسطين واجب وطني وديني!!
حجم الخط
بقلم: المحامي إبراهيم شعبان
على مرّ السنين تسربت أراض كثيرة فلسطينية مسجلة باسم الكنيسة اليونانية في فلسطين والتي تعود لمنفعة الفلسطينيين المسيحيين الأرثوذكس، لشركات إسرائيلية حكومية أو غير حكومية وقبل ذلك يهودية. وقد شمل ذلك كل الأرض الفلسطينية من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها. والأخطر أن هذه التسريبات تم بعضها في زهرة المدائن قبل عام 1948 وبعد عام 1948، وفي مواقع حساسة بل غاية في الأهمية، ولم تتوقف ليومنا هذا، وآخرها في أرض الثوري، ويرافق كل هذه الصفقات والتسريبات تصريحات ناعمة، براقة، مهادنة هنا وهناك، من أجل الإستهلاك المحلي، وذر الرماد في العيون. ويعاد طيّ الملف ويدخل النسيان، ويعاد فتحه بعد اكتشاف جديد وقضية جديدة بل فضيحة جديدة.
وفي كل مرة تطفو على السطح، مثل هذه الصفقات المشبوهة للكنيسة اليونانية في فلسطين، تخرج التبريرات والحجج والذرائع من ان الكنيسة والبطريرك ينفيان الصفقة، أو أنهما أنقذا ما أمكن إنقاذه، أو أن السكرتير تصرف دون الرجوع إليهما، أو أن الدين تراكم على القضية ولم يكن بالإمكان أبدع مما كان، وهكذا دواليك.
ويحاط الموضوع بجدار عال من السرية والكتمان ولا يفتح الملف للفلسطيني المسيحي الأرثوذكسي، وهو أكثر المتضررين منها. ولا يعلم الفلسطيني المسيحي الأرثوذكسي خطورة الملف بعد أن يصبح واقعا أليما يقترب من الخيانة.
أس البلاء لضياع وتسريب العقارات الفلسطينية المسيحية الأرثوذكسية، يكمن في عدم تعريب الكنيسة اليونانية في فلسطين ليومنا هذا، بينما عربت مثيلاتها في العالم العربي بل في فلسطين ذاتها. فوجود مجموعة من الرهبان اليونان على وجه الحصر تتصرف دونما حسيب أو رقيب بمقدرات المسيحيين الفلسطينيين الأرثوذكس وبخاصة ملكيتهم العقارية. فلا أحد يسمع مثلا عن تسريبات عقارية في الكنيسة الكاثوليكية أو البروتستانتية، بل نعلم علم اليقين، أن عربا فلسطينيين يقفون على رأس مناصب عليا في هاتين الكنيستين.
التسلط اليوناني على الكنيسة الأرثوذكسية الفلسطينية، وعلى عقارات الفلسطينيين المسيحيين الأرثوذكس الذين وقفوا عقاراتهم على الكنيسة، يجري نتيجة للتفرد اليوناني في مقدرات الكنيسة الذي أسماه البعض «احتلالا يونانيا». بل كان هذا التسلط اليوناني، سببا مباشرا لهجرة الكثير من المسيحيين الأرثوذكس خارج فلسطين حيث كانوا يعانوا على صعيد المسكن والعمل والحياة. فكثير من الأراضي التي تم تسريبها للإسرائيليين وللشركات الإسرائيلية كان يمكن أن تكون محلا لإسكانات للطائفة الأرثوذكسية ولبقاء أفرادها في فلسطين.
لم يستكن الفلسطينيون المسيحيون الأرثوذكس على تفرد وتسلط الكنيسة اليونانية ورهبانها في الشأن الفلسطيني وعقاراته والتفريط بها، بل قاوموه منذ زمن بعيد. لكن يبدو أن الظروف والأحداث التي مرت على فلسطين منذ بداية القرن العشرين وليومنا هذا، أعاقت أو أخرت هذا التحرر من رقبة الكنيسة اليونانية وتسلطها. وامتد هذا النضال شرق النهر وغربه، وبقيت الكنيسة متصلبة في مواقفها وفي الزعم بأن أملاكها أملاكا تتبع الكنيسة اليونانية ولها الحرية الكاملة في التصرف فيها دونما رقيب أو حسيب. ولم تشرك الفلسطينيين المسيحيين الأرثوذكس أصحاب المال في قرارات عقاراتها بيعا وتصرفا وتأجيرا، بل انفردت بها رغم فضائحها المتواصلة حتى يومنا هذا.
يبدو أن جميع محاولات الحل والتوفيق بين الكنيسة اليونانية والمسيحيين الفلسطينيين الأرثوذكس المناضلين ضد تسلط اليونان، انتهت إلى فشل ذريع وكانت عبارة عن حبوب مخدرة أو تهدئة. فمثلا لم تقم قائمة للمجلس الكنسي المختلط بعد حرب 1967، والذي أسسه القانون الأردني رقم 27 لسنة 1958 كمحاولة إصلاح بين الرهبنة اليونانية والمسيحيين الفلسطينيين الأرثوذكس كرد فعل تجاه تفرد الكنيسة اليونانية في مقدرات المسيحيين الفلسطينيين الأرثوذكس، بل مات القانون وقبر المجلس في ممارسات الكنيسة اليونانية بعد حرب 1967، وأوغلت الكنيسة اليونانية في الإستفراد.
كما أن الكنيسة اليونانية قائمة ومستمرة على قصر الرتب الرفيعة في سلك الكهنوت على القساوسة اليونانيين أي من أصل يوناني منذ أن استولوا على الكنيسة أيام العثمانيين عام 1534عندما مات آخر بطريك عربي، وحرمان القساوسة العرب من الترقي وإبقائهم للأنشطة المتواضعة وبالتالي حرمانهم من صلاحية القرار وإبقائها حكرا على اليوناني في زمن تصدح فيه اعلانات ومواثيق حقوق الإنسان بمبدأ المساواة وعدم التمييز لأي اعتبار ولأي سبب.
أمر غريب هذه الكنيسة اليونانية في تسلطها على أملاك وعقارات الفلسطينيين، وكأن هذه العقارات موجودة في أثينا أو سالونيك، أو أن الشعب اليوناني الذي نقدره ونحترمه، هو من قدم هذه الأموال المنقولة وغير المنقولة للكنيسة اليونانية، وليس هم الفلسطينيون. ونحن نرى الآن تحولا جذريا في السياسة اليونانية الحكومية تجاه الأراضي المقدسة نرفض هذه الوصاية اليونانية على الأموال الفلسطينية المنقولة وغير المنقولة.
الأرقام والإحصائيات تتحدث عن أراض كثيرة ومساحات كبيرة ومواقع بالغة الأهمية بل استراتيجية في فلسطين، تعود للكنيسة اليونانية شكلا، وللمسيحيين الفلسطينيين الأرثوذكس موضوعا. وهي تفتح باب الشهية للإسرائيليين والمستوطنين على حد سواء، يقابل ذلك فردية وتسلط لرهبان يونان بدون ضوابط أو قواعد. فإذا كان الفرد الفلسطيني الذي يقوم بتسريب هذه الأموال للإسرائيليين يحاكم ويعاقب، أفلا يطبق ذات الشيء على كنيسة أو جمعية أو حركة أو راهب أو بطريرك. بل تبدو الحالات الأخيرة أخطر وأكثر فداحة.
إذا كانت العقارات الفلسطينية سيفرّط بها ويتم بيعها أو تأجيرها لتسعة وتسعين عاما من قبل أي شخص أو هيئة أو كنيسة، فأين ستقوم الدولة الفلسطينية العتيدة. أليست الدولة تحتاج إلى أراض لتقوم سيادتها عليها، فإذا انعدمت هذه الأراضي فأين ستقوم هذه السيادة الفلسطينية؟ وإذا كانت الكنيست الإسرائيلية أرض المصلبة، وحديقة الجرس، والطالبية، والمتحف، والقطار، وأرض جبل أبو غنيم، وفندق إمبريال والبتراء، ودير مار يوحنا في القدس، وأرض الشماعة في الثوري، ودير مار سابا في بيت لحم، كلها أملاك فلسطينية تصرفت بها الكنيسة اليونانية، بل إن 18% من أراضي غربي القدس و 17% من أراضي شرقيها تعود للكنيسة اليونانية، فمتى تتوقف هذه الكنيسة عن هذه التصرفات الضارة بالمسيحيين الفلسطينيين الأرثوذكس وبالقضية الفلسطينية عقارا ومالا منقولا؟
النضال ضد الكنيسة اليونانية في تسلطها على أملاك الفلسطينيين المسيحيين الأرثوذكس وتصرفها فيها، ليس نضالا موسميا بل واجب وطني وديني فقد بلغوا من النضج والحكمة درجة عالية تجعلهم قادرين على تدبير أمورهم دون مساعدة يونانية . آن الأوان لرفع يد الكنيسة اليونانية عن مقدرات الفلسطينيين المسيحيين الأرثوذكس، آن الأوان لتعريب الكنيسة اليونانية بمقتضى السيادة الوطنية الفلسطينية فليس في مقدور المرء أن يخدم سيدين اثنين والمرء أعجز أن يفعل ما لا يطيق!!