منذ 7 سنوات
جريمة يندى لها الجبين في باصات عبد الحي شاهين
حجم الخط
شبكة وتر-"بقلم : عماد الأصفر " وحده شعور المسافر على الجسر، وحده دون غيره ، هو ما تعجز عن وصفه اللغة بكل ما حوت ، واما ما عدا ذلك من مشاعر واحاسييس فمقدور عليها لغويا مهما بلغت من الدقة والرقة او الوحشية والتعقيد.
وهناك حقيقة علمية عالمية تقول : “عندما تعبر الجسر سريعا، لا بد وأن تتأخر حقائبك”، حقيقة علمية عالمية أخرى تقول: “كلما تبرعت لإرشاد احد المسافرين حول إجراء من الاجراءات الكثيرة على الجسر، تجد انهم قد استغنوا عنه او استبدلوه”، ببساطة دون ان يستشيروك.
ما زال الباص الاول على الجسر حلما، لم يحققه سوى الابطال الحقيقون، هنيئا لهم، هؤلاء ابطال المدافشة والمزاحمة، وهم فخورون بذلك وليس في نيتهم الاعتزال ابدا، اللهم نولنا ركوب اول باص ولو لمرة واحدة في العمر، إذا حصل وسافرت يوما ما في الباص الاول على الجسر، فانني قد افكر في الإعتزال.
لن تعدم في الازمات رؤية من يتصل بصديق ليتصل له بصديق آخر ليأتي لاخذه من الاستراحة وادخاله الى شباك الجوازات ، الجميل ان هذه الاتصالات تتم بالصوت العالي وعلى مرأى ومسمع من الجميع ودون اي اكتراث لا لحالهم ولا لسمعة المنقذ المزعوم، يا اخي شعب شفاف حتى في طلب الواسطة، الاجمل ان هؤلاء نادرا ما يلقون منقذا، ولكنهم لا يتوقفون عن التباهي بمعارفهم.
يرتبط السفر على الجسر دائما بالسفر من الفجر، وحتى لو سافرت متأخرا فانه مصيبك ما أصاب القوم المبكرين، انتظار حتى يمتلأ الباص يليه انتظار الحقائب واشياء أُخرى أَخْرى من ذلك، واللي بيقهرك انو في اشي اسمه VIP ومدته كيلو متر واحد فقط لا غير، وبخمسين دولار فقط لا غير، هذا الكيلو متر الواحد الواصل بين آخر نقطة اردنية واول نقطة اسرائيلية هو اغلى واربح كيلومتر في العالم تخيل ان اجتيازه بسيارة فيها اربع ركاب يكلف ٢٠٠ دولار ، يا بلاش !!!
الكثير من اصحاب الحقائب المنتفخة على الجسر لا يتوقفون عن ترديد الآية الكريمة “وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون”، وبعضهم يكتبها بعدة نسخ ويوزعها على حقائبه، ولو استجاب سبحانه وتعالى لادعيتهم لكان كل من على المعبر ضريرا ولكن ربك غفور رحيم. لو كنت مسؤولا على جسر الملك حسين لسلمت كروزي سجائر لكل مسافر مع البطاقة البيضاء وأضفت ثمنهما على تذكرة الباص.
أيهما أريح السفر ذهابا أم إيابا ، صيفا ام شتاءا ، صبحا أم مساءا؟ على الجسر لا فرق ، الجسر يوحد الاوقات والفصول، السفر والكرامة خطان متوازيان لا يلتقيان ابدا على الجسر، ووحدها أزمة قلنديا او حاجز طيار او خطورة طريق المعرجات هي ما يكمل بهجة المسافر عبر الجسر، وكما يوحد المعبر الاوقات فانه في نهاية المطاف يوحد الوان البطاقات، فسواء كانت خضراء او زرقاء او صفراء فأنها تستحيل الى بيضاء عند خط النهاية، وتكون نتيجة اي استفتاء لآراء المسافرين عبر الجسر مؤيدة لـ كونفدرالية او فيدرالية مع الاردن.
وحدها موسيقى واغاني الاعراس هي ما يناسب الخارجين من الجسر الى عمان، لا مكان للموسيقى الكلاسيكية ولا لأم كلثوم على جانبي الجسر، ومن بين كل الموسيقى والاغاني لا يناسب الطريق الى الجسر الا اغنية ” يا عنيد يا يابا ” للراحل عبده موسى طيب الله ثراه، ويدور في ذهنك ان كلمات اغاني : (يا باي يا بي يا بييييييييييييييه ،،،، حمولي الكف شوية)،،،، واغنية (ع العود اليابس ،،، علق جاكيته على العود اليابس ،،، ما حدا لابس،،،، مثل جاكيته ما حدا لابس)، لم تكتب الا على جانبي هذا الجسر العظيم.
السفر على الجسر يجعلك تتفقد مرة بعد أخرى مقدار استدارة كرشك ، ويجعلك تشعر باهمية الحزام ونوعه، بعض المسافرين المتمرسين يرتدي حزاما من نوع خاص يمكن نزع ابزيمه الحديدي بسهولة، هؤلاء هم الاكثر تكيفا مع كل مستجدات الحياة، هؤلاء لن ينقرضوا ابدا.
ما لن تشاهده على الجسر اطلاقا ؛ مسافرٌ يحمل كتابا ويقرأ فيه ، No Way ، هو اما واقف في طابور او يبدل باصا بباص او يشتري تذاكر او يلملم اطفاله، او ينزع او يلبس حزامه وساعته او يبحث بين تذاكره وبطاقاته الكثيرة عن بطاقة بعينها يطلبها المفتش اللعين.
الحكمة من وراء كل اجراء من الاجراءات المقدسة على الجسر سر لا يمكن ادراك كنهه، فلذلك لا تجتهد ولا تحاول ان تفهم هذه الحكمة، عدد هذه الاجراءات كبير جدا، وحتى لو زاد عدد الاجراءات وأُضيف اليها شباك يجبر المسافر على شراء طاقية، وآخر يجبره على شراء نظارة شمسية، فأن احدا من المسافرين لن يعترض، سيكتفون بالشتم سرا ،،، البعض سيبحث عن الحكمة من وراء ذلك، ثم سينسى وهو يراقب دوره ويحاول تجاوز الآخرين ، المهم ان يكون الدور سالكا.
اسوأ المسافرين الذي يصيح في وجه جماعتنا لأوهى الاسباب، ويخرمد تماما امام الاسرائليين، ثم يبدأ بتملق الجنود الاردنيين …. يليه مباشرة اللي بيحاول يحملك كروز سجاير او تنكة زيت … الاخير يستحق اطلاق الرصاص على اجريه، واهم شي ان كل معتمر من المعتمرين الافاضل لازم يوخذ جلن المي اللي مكتوب عليه اسمه ، مثلا محمود ابراهيم ويا للهول ان تشابهت الاسماء.
دايما في اطفال كثير على الجسر ، ودايما في مسافرين كبار في العمر مش عارفين هما رايحيين ولا جايين ، مشرقين ولا مغربين ، طالعين ولا نازلين، بديش احكي على اللي بيطلب ولاعة وبينسى يرجعها، ولا بدي احكي على اللي معهوش قلم ، ولا على اللي بيظل يسأل وينتقد ويزاحم حتى يوخذ دور غيره، وبديش احكي على جلنات الزيت اللي بتحول ساحة الشنطات لحلبة تزلج.
ويبدأ مسافر محترف بتوجيه النصح والارشاد:
– ديروا بالكم بتزمر على القشاط ، ديروا بالكم ، شيلوا القشاطات ، ضبوا القشطة، اشلحوا الساعات
– طيب بتزمر على النظارات؟
– لأ
وفي الآخر شال النظارة ونسي الحزام ، وزمرت عليه وعلينا، وعلى امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وامة سيدنا المسيح عليه السلام.
شركات صناعة الحقائب تتقدم من عمال الجسر على الجانبين او الثلاثة جوانب بأحر آيات الشكر لقيامهم بالتدمير المتواصل لحقائب المسافرين الكرام ، وهو ما يفتح آفاقا واسعا امام هذه الصناعة.
الشعب الفلسطيني عظيم في كل محفل،باستثناء الجسر، وما يتصل به كالسوق الحرة وشباك التذاكر ومداخل الباصات، سائقو الباصات، “في اللنبي يقودون بأمان”، وخارجه، كما يريدون وكيفما كان.
زي ما انا شايفك، راح يطلع واحد عالباص ، ويسأل عن حسنة الفاعوري او الفاهوني او الداموني، ومش راح تكون موجودة ، اصلا عمرها ما كانت موجودة هاي الاسماء اللي بينادوا عليها، المرة الوحيدة اللي كانت فيها حسنة موجودة، ما رضيت تنزل لانه معها سبعة من الاصدقاء، حكولها: جيبيهم وتعالي، حاولت تقنعهم، بعضهم ما رضيوا، وكان لسان حال الركاب: انزلي يا حسنة، انزلي يا حبيبتي انتي ورفقاتك، انزلوا وخلصونا في ليلة ابوكم اللي زي زفت.
غالبا ما يتلقى المسافر على الجسر اتصالات محفوظة غيبا، وين صرت ؟ انت وين؟ قديش ظايلك؟ والرد يتراوح بين واحد الى اثنين كيلو متر؛ الاستراحة، الشنطات، جسر اليهود، جسر العرب، جهنم، جهنم الحمرا .
الباص الذي يسبقنا ليس مكندشا مثل باصنا، ويا لحسن حظنا الاضافي، فقد دخلنا قبلهم الى صالة الجوازات، ينطبق تماما على حال ركاب ذلك الباص المثل القائل “أحشفا وسوء كيلة”، ابحثوا عن معناه مش فاضي افسر، ولا وضعي النفسي بيسمحلي افسر، وحتى لو بيسمحلي ما بديش، مش لازم اتغلب وادور وانا قاعد في الباص على الجسر، وحضراتكم قاعدين بتدخنوا، على سيرة التدخين حان الآن موعد السيجارة حسب التوقيت العالمي للروثمان والمارلبورو، ولكن عبد الحي شاهين ومن خلفه عبده المش عارف مين راح يمنع ذلك اكيد ، فش داعي للمحاولة، واصلا انا مش قد هيك محاولات، والطبيب مانعني ادخن، وعشان هيك بدخن بالسر. لو كان عبد الحي شاهين حيا سأنتخبه، ولكن لا يوجد انتخابات.
التذاكر وما اكثرها، وضريبة المغادرة العزيزة والغالية والكروت بمختلف الوانها واحجامها اضافة للهوية والتصريح وجواز السفر وكلها في كيس نايلون شفاف ورغم ذلك ما اسهل ضياع الوثيقة الهامة المقدسة التي يطلبها منك السيد الكمسري حفظه الله.
وكله كوم، والربع دينار الاخير اللي بتدفعه بعد الضريبة واستلام الحقائب كوم ثاني، يا إلهي في كل مرة انسى هذه المحطة الاخيرة، والتي تسبق تحولي الى مجرد شوال يباع ويشترى بين مجموعة من السائقين لا تعرف ايهم عمومي وايهم خاص؟
ما اكذبني !!!!!! كلما سافرت وعدت اقسمت ان تكون هذه آخر مرة، ولكنني سرعان ما اسافر مجددا، عدد الكفارات التي يجب ان اؤديها عن كل يمين كاذب يعادل تقريبا عدد اختام المغادرة على جواز سفري الممهورة صفحته الاخيرة بعبارة: “هذا الجواز ذو شأن عظيم” يا الله !!!، كم ان هذه العبارة عصية على الوصف. وكل ما بتذكر المعابر الاسوأ من معبرنا مثل معبر رفح على سبيل المثال، بتأكد انه الوضع Hopeless Case , وممكن يكون أسوأ كمان،،،،، أنا متفائل بطبعي.
ومن وحي هذا التفاؤل ساكتب كتابا بعنوان: “السرور والحبور في السفر عبر الثغور والجسور”، وكتابا آخر بعنوان: “زاد المسافر على المعابر”، وثالثا بعنوان: “اشواق قلبي على جسر اللنبي”، ورابعا بعنوان: “بصراحة على الاستراحة”، وخامسا بعنوان: “جريمة يندى لها الجبين في باصات عبد الحي شاهين”، وسادسا بعنوان: “العودة بخفي حنين من جسر الملك حسين”، وسابعا بعنوان: “سر من سرى وعبر الجسر مبكرا”، وثامنا بعنوان: “البطل المغوار يخترق المعابر والاغوار”، وتاسعا بعنوان: “شيم الألى في الجد والصرامة على معبر الكرامة”، وعاشرا بعنوان: “القواعد الاربعون للتهريب المضمون”، وحادي عشر بعنوان: “وصايا المخاتير لضمان اجتياز الطوابير “، وثاني عشر بعنوان: “كيفية عبور الجسور دون آثام وشرور”، وثالث عشر بعنوان: ” كيف تعبر سلطة ودولة وكيان في مجرد ساعات ثمان”، قد يفوز احد هذه الكتب الثلاثة عشر بجائزة البوكر، وعندها ساسافر لاستلام الجائزة، اللهم لا تكتبنا في سجل الممنوعين من السفر.