منذ 8 سنوات
سياسة أوباما تجاه سورية سلسلة من الأخطاء الفادحة
حجم الخط
شبكة وتر-ًبقلم : لينا الخطيب ً توشك الولايات المتحدة على انتخاب رئيس جديد بينما لا يزال الصراع في سورية مستمراً. يرتبط الوقت الذي قضاه الرئيس باراك أوباما في منصبه بعدد من المحاور المرتبطة بسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط: خطابه في القاهرة عام 2009، مقتل أسامة بن لادن، الصفقة النووية مع إيران، تنظيم حملة ضد «داعش» في العراق.
إلا أننا إذا عدنا إلى الوراء ونظرنا إلى هذه المحاور، سيتضح لنا أن أي محور لم يستطع أن يحدث تغييراً إيجابياً طويل الأمد في المنطقة.
تعاني مصر اليوم من وضع سياسي واقتصادي حرج، ويستمر تنظيم «القاعدة» بممارسة أنشطته، ولا تزال العلاقات مشحونة بين إيران والغرب، ويتحول «داعش» على الأرجح إلى نوع جديد من التنظيم بدلاً من أن يختفي.
ولكن إرث إدارة أوباما سيتحدد في شكل رئيسي بأسلوب معالجتها الصراع السوري، أكثر من أي شيء آخر.
إذا عدنا إلى نقاط التحول في عمر الصراع السوري والجهات الفاعلة الأساسية فيه، يتضح لنا أن الولايات المتحدة أساءت معالجة كل جانب من جوانب هذا الملف. من البداية، عندما شهدت سورية تظاهرات شعبية تطالب بالإصلاح والتي استقبلتها الحكومة بإجراءات قمعية، منحت الولايات المتحدة المتظاهرين أملاً زائفاً باستخدام نوع الخطاب ذاته تجاههم الذي استخدمته في التعامل مع حالات دول الربيع العربي الأخرى. أعلن أوباما في آب (أغسطس) 2011 أن «الأسد لا بد أن يرحل». وزار سفير الولايات المتحدة في سورية في ذلك الوقت، روبرت فورد، مواقع التظاهر في حماة. لكن هذا الخطاب لم يكن مقترناً بجهود ديبلوماسية لدفع عملية الإصلاح أو لإزاحة بشار الأسد.
وعندما تحولت الأزمة إلى صراع عسكري نتيجة عمليات القمع المستمرة من جانب النظام، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم «الجيش السوري الحر». إلا أن الدعم العسكري الأميركي لهذا الجيش اقتصر على توريد الأسلحة المنخفضة المستوى وتوفير بعض التدريب. وفي أكثر من مناسبة، قامت الولايات المتحدة بقطع تمويلها لـ «الجيش السوري الحر» مما أضعف من قدراته.
ودفع هذا بعض الفصائل داخل هذا الجيش للانضمام إلى تحالفات عسكرية أخرى ذات طابع جهادي إسلامي لكونها مموّلة ومجهزة في شكل جيد ولأنها فعالة أكثر في أرض المعركة. وبدورها، بررت الولايات المتحدة قلة دعمها لـ «الجيش السوري الحر» بالخوف من أن «تقع الأسلحة في أيدٍ خاطئة».
وفي الوقت نفسه، استمرت الولايات المتحدة في إصدار بيانات حول حاجة المعارضة السياسية السورية للاتحاد حتى تستطيع واشنطن منحها الدعم السياسي. وعندما تشكل «المجلس الوطني» السوري، حظي باعتراف المملكة المتحدة وفرنسا ودول الخليج باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري في عام 2012، إلا أن الولايات المتحدة تباطأت في الاقتداء بهذه الدول.
وإذا نظرنا إلى ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي، يتبين لنا أن الولايات المتحدة لا تنتظر دائماً توحد الثوار قبل أن تتخذ قرار التدخل أو منح الاعتراف الرسمي للكيانات السياسية. وتسبب الموقف الأميركي تجاه القضية الليبية في تشكك الكثيرين داخل المعارضة السورية من موقف الولايات المتحدة تجاه القضية السورية.
فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها ليس فقط أمام كثيرين داخل المعارضة ولكن أمام بشار الأسد أيضاً، فالدعوات المتكررة للأسد بالتنحي لم تتم متابعتها باتخاذ إجراءات ملموسة، كما لم تشارك الولايات المتحدة في شكل قيادي فعال في محادثات جنيف.
والأهم من ذلك كله، أن «الخط الأحمر» الذي صرح الرئيس أوباما أن الحكومة السورية ستتجاوزه في حالة اقتنائها واستخدامها أسلحة كيماوية تبين بأنه أكثر تهديد غير جاد. ففي حين أخذ نظام الأسد احتمال وقوع هجوم أميركي في آب (أغسطس) 2013 على محمل الجد، إلا أنه اقتنع عندما لم يتحقق ذلك، بأن الولايات المتحدة لم تعد خصماً جدياً.
وكلما استمر الصراع، تشكل المزيد من الجماعات الجهادية. وأصبحت سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية تتسم في شكل متزايد بكونها مجرد مناقشات حول الأمن. وقد ساهم إعلان «جبهة النصرة» انضمامها لتنظيم «القاعدة» ونشأة تنظيم «داعش» لاحقاً في تحويل الانتباه بعيداً عن العملية السياسية في سورية ودفعه نحو محاربة التطرف.
بدأ البعض في المجتمع الدولي في وصف الأسد باعتباره البديل الوحيد للتطرف الجهادي في سورية.
وبدت الولايات المتحدة مقتنعة بأنه إذا سقط نظام الأسد، فسيقوم المتطرفون بالاستيلاء على سورية. ونتج من هذا هوس الدول الغربية بتقسيم الجهات الفاعلة العسكرية داخل سورية إلى «معتدلة» و»متطرفة»، وكانت فكرتها من وراء هذا التقسيم هي التعاون مع الجهات «المعتدلة» ومحاربة الجهات «المتطرفة».
لكن الواقع في سورية أكثر تعقيداً: كما أظهرت أبحاثي وأبحاث الآخرين المختصين في هذا الأمر
. في شكل متكرر لا يلتحق الجميع بالجماعات الجهادية بسبب القناعة الأيديولوجية. الحوافز الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية والقرب الجغرافي وتصور الكفاءة العسكرية جميعها أسباب رئيسية لتوافد الأشخاص على جماعات معينة من دون غيرها.
لذا يعدّ تصنيف الجماعات إلى «معتدلة» و «متطرفة»، والذي فضلته الولايات المتحدة وحلفاؤها، مبسطاً للغاية. كما أن هذا التصنيف مسيّس، حيث يتم استخدامه لتبرير تقاعس الولايات المتحدة أكثر من استخدامه لوضع سياسة فعالة.
حتى معالجة الولايات المتحدة لموضوع تنظيم «داعش»، أول جماعة يتفق المجتمع الدولي بالإجماع على أنها منظمة إرهابية، فلم تخلُ من الأخطاء. تبنت الولايات المتحدة نهج «العراق أولاً» لمحاربة هذه الجماعة، والذي تجاهل البعد السوري في شكل كبير. عندما يتعلق الأمر بسورية نفسها، فإن تكوين تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم «داعش» أوضح أن الولايات المتحدة مستعدة للتدخل لمحاربة تلك الجماعة، ولكن ليس لحماية المدنيين الذين يقصفهم النظام بالبراميل المتفجرة.
كما أن تبني نهج قائم على العمل العسكري فقط لإضعاف هذه الجماعة من شأنه أن يغفل الدوافع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهامة وراء تشكيل هذه الجماعة، بما في ذلك استمرار نظام الأسد نفسه.
ومع مرور الأعوام ومقتل أو تشريد مئات الآلاف من المدنيين، لم تشعر ال
ولايات المتحدة بوطأة الكارثة الإنسانية بالقدر الذي شعرت به البلدان المجاورة لسورية وأوروبا. وشكل استمرار الصراع ضغطاً كبيراً على هذه الدول، لا سيما بعد تزايد أفواج اللاجئين. ومن الممكن إرجاع نتيجة الاستفتاء البريطاني الذي أجري في حزيران (يونيو) الماضي، وتمخض عن تصويت شعبي بمغادرة الاتحاد الأوروبي، جزئياً إلى الخوف العام من المهاجرين القادمين باتجاه الأراضي الأوروبية، مما جر الدول الأوروبية إلى مواجهة أزمة سياسية.
كما أظهر انتشار أنشطة «داعش» الإرهابية في جميع أنحاء العالم فشل سياسة الاحتواء التي تبناها أوباما.
وأفسح التخاذل الأميركي تجاه سورية وضعف الموقف الأوروبي المجال في شكل كبير لروسيا لكي تستخدم الصراع السوري كمنصة لفرض نفسها باعتبارها قوة عظمى من جديد، وكان تدخلها العسكري في سورية بمثابة أداة رئيسية في كسب النفوذ السياسي.
وتواجه الولايات المتحدة اليوم احتمال ظهور رئيس جديد يرغب في ملاءمة روسيا في شكل أكبر. ولكن حتى لو لم يحدث هذا السيناريو، فقد فازت روسيا بالفعل بالمقعد الرئيسي على طاولة الصراع السوري، ولا يمكن صياغة أي حل لهذه الأزمة من دون موافقتها.
إن إعادة التفكير في معالجة إدارة أوباما للصراع السوري تؤكد وجود سلسلة من الأخطاء الفادحة. وهذه الأخطاء لا تؤثر في سورية وحدها ولكنها تؤثر أيضاً في الدول المجاورة لها في الشرق الأوسط وأوروبا، وقد زعزعت النظام العالمي بالفعل. وسيكون من المستحيل على أي رئيس جديد يتولى المنصب بعد أوباما أن يقضي تماماً على هذا الضرر.
المصدر:
الحياة