منذ 9 سنوات
سيخسر خضر عدنان.!
حجم الخط
خضر عدنان، أو بطل معركة الأمعاء الخاوية، والإضراب عن الطعام في محاولة فلسطينية فريدة وشجاعة لإسقاط الاعتقال الإداري الذي أضحى هاجسا نفسيا وألما ماديا يتجرعه المئات من المناضلين الأفذاذ في الضفة الغربية؛ كونه أشبه باعتقال مفتوح يجدد مرة إثر الأخرى، ويبقى الأسير أو المعتقل الإداري تحت رحمة تقرير الشاباك الصهيوني أو القاضي العسكري وفي كلا الحالتين لا بقية من ضمير أو وازع إنساني أو حتى نظرة قانونية مهنية حقيقية لإنهاء ملف المعتقل الإداري والإفراج عنه.
خضر عدنان ليس بطل ثوري ومجاهد عنيد فحسب، ولكنه إنسان فهو زوج وأب لأطفال لم يكد الواحد منهم حفظ ملامح والده لكثرة غيابه عن البيت الذي سببه الاعقتال الإداري، وهو أيضا طالب دراسات عليا "ماجستير"، كما أنه رجل "كسيب" يأكل من عمل يده من خلال مشروع مخبزه الصغير الذي يديره ويشرف عليه ويعمل من خلاله بيده، ولديه في ذلك قاعدته الخاصة التي تقول: المستقل ماديا، مستقل سياسيا.!
الإضراب المفتوح عن الطعام الذي بدأه خضر عدنان منذ قرابة الشهر ليس الأول، فهو قد خاض إضرابا مماثلا قبل عامين استمر لمدة 66 يوما استطاع بعدها انتزاع قرارا تاريخيا بالإفراج عنه وعدم تجديد الاعتقال الإداري له، ويبدو أن الجلبة التي أحدثتها الأنشطة الجماهيرية والتحركات الشعبية والتفاعلات الإعلامية في الداخل والخارج أجبرت الاحتلال على الرضوخ لمطالب خضر عدنان، وكان في حينه أن أوساطا دولية بدأت باستشعار خطورة صمتها ولامت "إسرائيل" على سلوكها في ذلك.
أجزم أن قرار العودة للإضراب مجددا كان صعبا جدا على الأسير خضر عدنان، ولكن ليس من ثمة خيارات، وأجزم أيضا أن الشيخ عدنان حين قرر العودة للإضراب ثانية كان يضع في مخيلته الجهود الشعبية والفصائلية والرسمية والدولية للوقوف بجانبه مجددا، كون ملفه ناضج إعلاميا وشعبيا والناس التي تضامنت معه في الأولى لن تخذله في الثانية، وأخشى أن يكون الرهان على الثانية خاسرا؛ إذ أن شهرا من الإضراب كان يكفي لأن تستيقظ الضمائر من عميق نومها وتهب لنجدة رجل الكرامة خضرعدنان.
سيخسر خضر عدنان إن بقي يراهن على تحرك بعض الساسة لإنقاذه، وسيخسر أيضا إن ظن أن عدد أيام إضرابه كلما زادت من الممكن أن تؤثر في صانع القرار الفلسطيني أو من الذين تربطهم تفاهمات أمنية مع الاحتلال لإنقاذ حياته، ولا أظنه يراهن على ذلك.
الأمل في الشارع الفلسطيني ومقاومته يجب ألا يغادرنا، ولكن أليس من المعيب أن يدير الشارع ظهره -بكل مكوناته- وأيام الإضراب تمر بطيئة ثقيلة مؤلمة على جسد نحيل ضعيف أعياه الاعتقال والمرض والجوع والعطش، وها نحن نتحدث وقد مرت قرابة الثلاثين يوما على معركة الجوع والعطش، مرت ثقيلة عليه وبطيئة، وفي المقابل سريعة ونحن نعدها ولم نعي بعد كم هو حجم ألمها ومرارتها.
الاحتلال هو أسعد السعداء بضعف الحراك، والشيخ خضر عدنان هو أكثر الناس ألما لذلك، لكنه يمتلك كثيرا من إيمان وقوة وعزيمة لأن يواصل المعركة للنهاية حتى لو بقي لوحده، لأنه بات يدرك في قرارة نفسه أن الركون لحسابات البشر هو ضرب من ضروب الفشل، ربما يخسر خضر عدنان الرهان على نصرة القريب، لكنه وبكل تأكيد لن يخسر المعركة مهما كانت النتائج، فلقد عرّى مجددا وجه الاحتلال القبيح، وأضاف لفلسطين وتاريخها ما يمكن أن يكتب في صفحات العز والمجد بأحرف من نور.
يخسر الرهان علينا وأتمنى ألا يكون كذلك، لكنه لن يخسر شيئا من كرامته ولا انتمائه ولا حبه لعرابة وجنين والأقصى وفلسطين التي يمهرها الروح والدم دون أدنى تفكير في النكوص أو الرجوع أو التنازل الذي لم يعد له أي وجود في قاموس البطل الأسير خضر عدنان.