منذ 8 سنوات
هل ينقلب أردوغان على نفسه؟
حجم الخط
راديو اورنيت-: بقلم : ًمحمد طاهر ً لا يبدو أن الانقلاب الفاشل في تركيا سيمر من دون تأثيرات كبيرة على النظام القائم، ليس فقط لأنه هز أركان الدولة وأصاب قيادتها بصدمة، بل لأنه أيضا كشف التناقض بين الواقع والطموحات.
وفي كل الأحوال لن تكون تركيا ما بعد الانقلاب الفاشل كما كانت عليه قبله وذلك لأن الحدث بمجرياته الدموية والعنيفة غير الكثير من المعطيات، وأظهر البون الشاسع بين أحلام أردوغان وحزب العدالة والتنمية وإمكانيات تركيا الحقيقية في أوضاعها الراهن.
هذه الحالة عكستها تصريحات المسؤولين الأتراك التي وضعت كل شيء تحت المراجعة وإعادة الحسابات وخاصة الصدام المجاني مع روسيا، والموقف من سوريا ودول الجوار، وقد يجد الحزب الحاكم نفسه مضطرا إلى اتخاذ مواقف جديدة تقلب الكثير من المعادلات الإقليمية والدولية لتفادي مصير حزب الرفاه الذي أزاح الجيش عام 1997 رئيسه ورئيس الوزراء نجم الدين أربكان في انقلاب هادئ.
وعلى الرغم من تأكيد البعض أن أردوغان سيستثمر الانقلاب في تطهير الجيش ومؤسسات الدولة من خصومه بنشاط أكبر، وهو الأمر الذي يجري الآن بشكل واسع، إلا أن ذلك لا ينفي أنه سيكون مجبرا على إعادة النظر في مواقفه السابقة وخاصة الخارجية للتكيف مع الوضع الراهن والاستعداد لمواجهة الأخطار المحدقة بالنظام والتي لا يمكن إزالة أسبابها بسهولة في وقت قياسي.
من المرجح أن أردوغان سيواصل ترسيخ بديله الإسلامي في أركان الدولة العلمانية، لكنه سيفعل ذلك الآن وهو على الأرض بعيدا عن الأجواء العالية التي كان يحلق في جنباتها بثقة زائدة فيما سبق، وكما تدل الوقائع هو وحزبه يفعلان ذلك باستعجال لوقف تصدع أركان الدولة وتفادي وقوع انقلاب ثان.
هذا التصدع ظهرت تجلياته قبل ليلة الانقلاب بفترة طويلة، منذ أن بدأ الإرهاب المزدوج يضرب المدن التركية تزامنا مع عودة الحرب مع حزب العمال الكردي. هذا الوضع المتوتر وصل ذروته بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي خلطت الأوراق من جديد، ووضعت البلاد على مفترق طرق، وأردوغان تحديدا أمام استحقاقات عاجلة.
من بين المضاعفات الخطيرة للانقلاب الفاشل التي ستزيد من عبء النظام في تركيا وستؤثر على مواقفه يمكن الإشارة إلى النقاط والاحتمالات التالية:
1- ستزداد لاحقا أقفال باب الاتحاد الأوروبي الموصد أمام تركيا بإحكام، بسبب أعمال العنف والإجراءات القاسية والممارسات التي ارتكبت أثناء وبعد إجهاض الانقلاب، بالإضافة إلى ان محاولة الانقلاب في حد ذاتها كانت حجة لازدياد تعنت الرافضين لانضمام تركيا لأوروبا.
2- انقسام المؤسسة العسكرية التركية، واهتزاز هيبتها ودورها التقليدي الحاسم، وتعرض قسم منها لممارسات مهينة، قد تكون لها مضاعفات خطيرة بغض النظر عن هوية القائمين على الانقلاب، والنقطة الأبرز هنا أن اردوغان اكتشف أن الجيش بوضعه الراهن أكبر خطر على نظامه.
3- سيكون على أردوغان وحزبه خفض سقف طموحاتهم الخارجية والتركيز على إعادة ترتيب البيت الداخلي، بما في ذلك ربما إعادة النظر في الموقف من النظام القائم في سوريا بدرجة ما، لوقف تداعيات الأزمة السورية الأمنية على الوضع الداخلي، بخاصة مع استعصاء إنهاء الأزمة المستفحلة بإسقاط الأسد.
4- كشفت الأزمة بشكل جلي عبثية إسقاط القاذفة الروسية فوق سوريا، وإفساد العلاقات مع موسكو مجانا والتضحية بتعاون اقتصادي وسياسي وأمني حيوي لأنقرة.
5- كانت المحاولة الفاشلة بمثابة مرآة ظهرت فيها تركيا على حقيقتها بكل نقاط ضعفها الخفية بما في ذلك هشاشة أوضاعها العسكرية والسياسية والأمنية وإمكانية تعرضها برمتها للعطب والاهتزاز بشدة، وهو ما يناقض الانطباع الذي ساد في السنوات الأخيرة عن تركيا القوية والمزدهرة واللاعب الإقليمي الهام الذي يناكف الولايات المتحدة ويتحدى إسرائيل ويتحرش بروسيا.
وبطبيعة الحال لن يغير أردوغان جلده، لكنه سيكيف طموحاته ومواقفه بطريقة جديدة، وفيما سيندفع في تطهير الداخل وتأمين نظامه، والتسريع بـ"إصلاحاته" الدستورية، إلا أنه من جهة أخرى سيكبح طموحاته السورية وسيكون مجبرا على فرض سيطرة أكبر على حدود بلاده مع سوريا للحد من عبور المسلحين، لمنع انتقال عدوى العنف واستشرائه في الأراضي التركية.
ومن المرجح أن يحتفظ أردوغان بعدائه الشديد للأسد، إلا انه سيتفرغ أكثر للعمل ضد الأكراد في مناطق شمال سوريا، وسيفعل كل ما بوسعه لتطبيع العلاقات مع موسكو، والتوصل معها إلى تفاهمات بشأن القضايا الخلافية بما فيها الأزمة السورية.
وستحاول القيادة التركية في الوقت ذاته استثمار الأوضاع الجديدة التي تمخض عنها ما يعرف بالربيع العربي وخاصة في الدول البعيدة مثل ليبيا.
وهي ستنشغل بشؤونها الداخلية وبمستجدات أوضاعها المحلية، وستكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أي استحقاقات أو ردود أفعال على إجراءاتها لتطهير البلاد من "الطابور الخامس" و"التمكين" لإيديولوجية الحزب وفرضها على أنقاض الدولة العلمانية، وهو هدف يحتاج تحقيقه إلى سنوات طويلة، وربما إلى تجاوز أكثر من انقلاب.