الأربعاء 27، نوفمبر 2024
15º
منذ 7 سنوات

حل السلطة والدولة الواحدة... خيار جديد أم مجرد تهديد؟

حل السلطة والدولة الواحدة... خيار جديد أم مجرد تهديد؟
حجم الخط

شبكة وتر- هاني المصري- أثار خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة اهتمامًا ملحوظًا في أوساط الفلسطينيين والمهتمين بالقضية الفلسطينية. فهناك من اعتبره خطابًا تاريخيًا وإعلانًا بانتهاء أو قرب الانتهاء من مرحلة اتفاق أوسلو، وما تضمنه من اعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ومن التزامات سياسية وأمنية واقتصادية. وهناك من اعتبر الخطاب بأنه لا يحمل جديدًا، لأن جديده قديم، فقد سبق أن هدد الرئيس مرارًا وتكرارًا بتسليم مفاتيح السلطة، وإعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بها. كما صدرت قرارات المجلس المركزي في آذار 2015، بضمنها وقف التنسيق الأمني، إلى أن تم الإعلان عن وقفه على خلفية ملحمة القدس في تموز الماضي.

       

يظهر الخطاب أن الرئيس وصل إلى درجة عميقة من الإحباط من إمكانية نجاح المسار السياسي الذي سار فيه، وخصوصًا في ظل تكثيف الحكومة الإسرائيلية تطبيق مخططاتها الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية بتشجيع من إدارة دونالد ترامب، لدرجة تخليها عن تبني ما يسمى "حل الدولتين"، وعن الإدانة اللفظية للاستيطان التي دأبت عليها الإدارات السابقة، ما يجعل حديثها عن "صفقة القرن" إما محاولة للخداع وكسب الوقت، أو مسعى جديدًا لتصفية القضية الفلسطينية من خلال الحل الإقليمي الذي يهدف إلى دمج إسرائيل في المنطقة العربية، وتحويل الخطر منها إلى إيران.

     

الجديد في خطاب الرئيس هو التحذير للمرة الأولى بحل الدولة الواحدة، إذ قال: "لن يكون أمامنا إلا النضال والمطالبة بحقوق كاملة لجميع سكان فلسطين التاريخية".

       

السؤال: هل وصل الرئيس عباس إلى اللحظة التي سيطلق إشارة البدء للمراجعة الإستراتيجية الشاملة التي سيحل فيها السلطة، ويتبنى خيار الدولة الواحدة، وسيسحب الاعتراف بإسرائيل، وسيوقف تنفيذ الالتزامات الفلسطينية في اتفاق أوسلو من جانب واحد، وأن هذه المراجعة ستتوج في المجلس الوطني القادم؟

       

أم أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة جديدة، ولكنها تنطوي على اليأس أكثر ما تحمل من الأمل بالنجاح، وربما تكون أخيرة لاستفزاز المجتمع الدولي، والإدارة الأميركية تحديدًا، واستدراجها لتحركٍ من شأنه إنقاذ حل الدولتين الذي يواجه خطر التقويض. فالتهديد تكتيك وليس اعتماد مسار جديد.

     

والدليل على ما سبق أن جوهر خطاب الرئيس، والنقاط العشر التي انتهى بها خطابه، أظهر أنه لا يزال مؤمنًا بالخيار السلمي والمفاوضات وحل الدولتين، إذ قال إنه "سيعطي إدارة ترامب وأطراف اللجنة الرباعية الدولية والمجتمع الدولي كل فرصة ممكنة (دون تحديد زمن لها) لتحقيق الصفقة التاريخية المتمثّلة بحل الدولتين، ولكن إذا تم تدميره لن يكون أمامنا إلا النضال للمطالبة بحقوق كاملة لجميع سكان فلسطين التاريخية". وما يجري هو تآكل للوضع الفلسطيني بمختلف مكوناته، ما يستدعي محاولة الإنقاذ قبل فوات الأوان.

     

وما يعطي التقدير بأن خطاب الرئيس مجرد تكتيك لإنقاذ حل الدولتين، وليس تبنيًا لخيار جديد، تصريح الرئيس الذي أدلى به أثناء لقائه بترامب عشية خطابه في الأمم المتحدة بأن لقاءهما دليل على أن الصفقة التاريخية ستحدث خلال أيام، ثم استدرك وقال خلال هذا العام.

       

من أين استمد الرئيس كل هذا التفاؤل؟ وما هو تفسير تناقضه الصارخ مع اليأس والتشاؤم الذي طغى على خطابه؟ وكيف يمكن ولادة مسار جديد في ظل هذه المتناقضات؟ وهل يمكن ربط ما سبق مع الأنباء السابقة واللاحقة للخطاب، التي تضمنت أن الإدارة الأميركية تستعد لوضع خطة ستعلن عنها خلال أسابيع، وطلبت من الرئيس، ووافق على تجميد خطواته باتباع خيار آخر بديلًا عن خيار انتظار إحياء المسيرة السياسية؟.

     

ويمكن أن تتضمن الخطة الأميركية القادمة، كما أفادت مصادر إعلامية وسياسية قيام دولة فلسطينية على حدود تدريجية، وليس على أساس حدود 67، وهي إذا كانت كذلك فإنها تشكل إعادة بيع البضاعة القديمة التي اشتراها الفلسطينيون سابقًا في صورة جديدة، ما يشير إلى أن واشنطن أخذت تدرك أكثر وأكثر أن الوقت غير مناسب لتحقيق "صفقة القرن" بذريعة أن الطرفين غير جاهزين، وأن ما يمكن تحقيقه تسهيلات ومشاريع اقتصادية تمنع انهيار السلطة وانفجار الوضع في قطاع غزة، ليس من أجل التمهيد للسلام، وإنما حتى لا تتحمل إسرائيل المسؤولية عن الاحتلال والحصار. وصفقة القرن لا تعدو أن تكون غطاء لتمرير الحل الإقليمي على حساب القضية الفلسطينية.

       

إن استمرار الرهان على تجسيد الدولة الفلسطينية على حدود 67، من خلال العمل الديبلوماسي، ووضع كل البيض أو غالبيته في السلة الأميركية، ليس مجرد خطأ، وإنما نوع من الانتحار السياسي.

     

لا نطالب ونعرف أنه ليس من السهل، ولا المطلوب حاليًا، التخلي عن خيار الدولة الفلسطينية المعتمد منذ حوالي ثلاثين عامًا والمتوافق عليه دوليًا، ولكن الخلل يكمن في التعامل معه وكأنه مطروح للتفاوض، وليس حقًا طبيعيًا أُقِرَّ دوليًا وغير قابل للتفاوض. والمطلوب عمل كل ما يلزم، سياسيًا وكفاحيًا واقتصاديًا وقانونيًا، لتجسيد الدولة على الأرض.

     

إن التهديد اللفظي بحل السلطة من دون توفير الرغبة والقدرة على تنفيذه شأنه شأن التهديد بدولة الحقوق المتساوية، سيؤدي إلى إضعاف الثقة بالقيادة الفلسطينية، محليًا وعربيًا ودوليًا، وإذا تحول إلى خيار معتمد، كردة فعل، من دون توفير متطلباته فسيعطي إسرائيل فرصة ذهبية لاستكمال تطبيق مخططاتها الرامية إلى تمرير الحل الإسرائيلي بإحدى صيغه، التي تلتقي كلها على عدم الاعتراف بأي حق من الحقوق الفلسطينية.

       

إن ما منع إقامة الدولة الفلسطينية الاختلال الفادح في ميزان القوى، وهو سيمنع إقامة الدولة الواحدة، وخصوصًا أن أغلبية إسرائيلية ترفضها بشكل أقوى من رفض خيار الدولتين. ويكمن الحل في العمل من أجل تغيير ميزان القوى، ومدخل ذلك وضع خطة عمل قادرة على استنفار جهود وطاقات وإمكانيات الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده من أجل حماية القضية الفلسطينية ونصرتها، وليس إطلاق التهديدات والشعارات.

       

من يعتقد أن الدولة الواحدة ستقوم فور انهيار حل الدولتين والسلطة فهو مخطئ تمامًا، لأن العالم بحاجة إلى سنوات طويلة لكي يتبنى خطة جديدة، هذا إذا كان لديه استعداد لذلك، ولأن اليمين الإسرائيلي تَعَلَّم من تجاربه، لدرجة أنه أصبح بغالبية عناصره واتجاهاته لا يريد ضم الأرض مع السكان، وإنما ضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من السكان، ومن يبقى خارج دولة إسرائيل سيعيش في الإمارات الفلسطينية غير المتحدة وفق خطة مردخاي كيدار، أو وفق خطة بتسلئيل سموتريتش، نائب رئيس الكنيست، التي تضع الفلسطينيين أمام احتمالات الهجرة الطوعية، أو العيش ضمن درجة ثانية في دولة إسرائيل "اليهودية"، أو مقاومة إسرائيل وعندها سيتكفل بهم الجيش (أي يبيدهم)، أو ضمن خطة حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن والفلسطينيين ضمن خطة "الوطن البديل"، أو جعل الأردن يتقاسم السيطرة على الحكم الذاتي مع السلطة الفلسطينية، مع بقاء السيادة لإسرائيل من النهر إلى البحر كما يكرر دائمًا نتنياهو، أو عبر توسيع "بانتوستان" غزة وإطلاق زورًا اسم "دولة" عليه على حساب سيناء وفق خطة غيورا أيلاند، أو انتظار الحكومة للوقت المناسب لطرد الفلسطينيين كما جاء في حديث للمؤرخ العسكري مارتين فان كارفيلد.

     

لقد قتلت إسرائيل ما سمي "عملية السلام"، ويجب عدم تمكينها من الإفلات من العقاب على جريمتها، عبر التخلي عن ممارسة حق الشعب الفلسطيني بتجسيد دولته على حدود 67، أي وفق ما تتيحه الشرعية الدولية.

       

الخيار المطلوب والممكن تحقيقه يتطلب التمسك ببرنامج حق تقرير المصير والعودة وتجسيد الدولة على حدود 67 وتحقيق المساواة الفردية والقومية لشعبنا في أراضي 48، وما يتطلبه ذلك من إعطاء الأولوية لإنجاز الوحدة الوطنية، على أساس رؤية شاملة وشراكة حقيقية وديمقراطية توافقية وإستراتيجية متفق عليها.

       

وهذا يتحقق من خلال عملية تاريخية نضالية تهدف إلى تغيير موازين القوى وجعل الاحتلال مكلفًا لإسرائيل ومن يدعمها، من خلال المقاومة والمقاطعة ومختلف أشكال العمل السياسي، على أساس أن المقاومة تزرع والمفاوضات تحصد، وعدم قبول الولايات المتحدة كوسيط أو راعٍ لعملية السلام، ورفض استئناف المفاوضات من دون الالتزام بمرجعية القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وتفعيل القرارات الدولية والعضوية الفلسطينية في المؤسسات الدولية، خصوصًا الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي، وفِي محكمة الجنايات الدولية.

     
عاجل
القناة 12: الدفاعات الجوية أخفقت في اعتراض صاروخ مصدره اليمن سقط في منطقة غير مأهولة قرب المطار وسط إسرائيل