منذ 7 سنوات
عن كذبة إعادة إعمار سورية
حجم الخط
شبكة وتر- خيرالله خيرالله- لا يوجد شيء اسمه إعادة اعمار سورية كي يحصل تهافت لبناني بشكل خاص، أو عربي بشكل عام على هذا البلد. الصين نفسها التي كانت تعتقد أن ثمّة ما يمكن المراهنة عليه بالنسبة الى إعادة إعمار سورية، أعادت النظر في موقفها استناداً إلى مصدر مطّلع تابع اجتماعاً انعقد في بيروت وخصّص للبحث في مستقبل سورية وتطور الاوضاع فيها.
كان هناك من يروّج لاهتمام صيني بميناء طرابلس في شمال لبنان المطلوب تطويره وإقامة بنية تحتية فيه كي يصبح في استطاعته استيعاب بضائع ومواد ستستخدم في عملية إعادة بناء سورية.
تبيّن مع الوقت أن مثل هذا التفكير الصيني لم يعد وارداً. كذلك لم يعد وارداً البحث في كيفية جعل الطرقات اللبنانية، التي تربط بين طرابلس وغير طرابلس والأراضي السورية، صالحة للشاحنات الكبيرة التي تنقل حمولات ثقيلة. ليست كلّ الطرقات مؤهّلة لسير مثل هذه الشحنات التي تنقل كلّ منها مواد بناء تزن أطناناً عدّة.
فوق ذلك كلّه، لا تريد الإدارة الاميركية سماع شيء عن إعادة إعمار سورية. وهي وجهت البنك الدولي نحو الابتعاد عن مثل هذا النوع من التفكير وذلك تفادياً لاضاعة الوقت.
أوروبا نفسها لا تعرف ماذا تريد. تريد الاستفادة من إعادة إعمار سورية وتتردّد في الاقدام على أيّ خطوة في هذا المجال ما دام ليس ما يضمن توقف الحروب الدائرة على أرض هذا البلد، وهي حروب لا تزال في بدايتها. كان موقف المفوضية الأوروبية واضحاً في الفترة الماضية لجهة غياب أي اهتمام حقيقي في المساهمة في إعادة اعمار سورية. في النهاية، هل يوجد مصرف عالمي يقبل تمويل أيّ مشروع في بلد واقع تحت خمس وصايات في أقلّ تقدير؟ أكثر من ذلك، لم يعرف بعد حدود أي وصاية من هذه الوصايات وكيف ستتوزع الأراضي السورية كمناطق نفوذ لروسيا وإيران وإسرائيل وتركيا... والولايات المتحدة طبعاً.
المضحك في كلّ ما له علاقة بإعادة بناء سورية أن النظام وحده، هو من يسوّق لوجود ذلك بمساعدة إيرانية واضحة. فإيران ترفض الاعتراف بأنّها لا يمكن ان تبقى في سورية في المدى الطويل على الرغم من كلّ الاتّفاقات التي وقعتها مع حكومة الأسد وكلّ الاستثمارات بالمال والرجال والميليشيات المذهبية التي لعبت دوراً رئيسياً في استمرار الحرب على الشعب السوري وعلى البلد نفسه.
أمّا روسيا فتكتفي بتوقيع اتفاقات واستقبال وفود تضمّ مؤيدين للنظام كي تؤكّد أنّ مستقبل سورية مرتبط بها إلى حدّ كبير. تصرّ روسيا عبر كبار المسؤولين فيها، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين، على لا وجود لمنتصر آخر غيرها في ذلك البلد، خصوصاً أن تدخّلها العسكري في مثل هذه الأيّام قبل سنتين حال دون سقوط دمشق والساحل السوري. لا شكّ أن روسيا تعترف بوجود شريك لها على الأرض السورية. هذا الشريك هو إيران الذي لا يريد الكرملين الدخول في مواجهة مباشرة معه، على الرغم من وجود توترات بين الجانبين تطل برأسها بين حين وآخر.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يومياً بإلحاح هو ما العمل بهذا الشريك الثقيل الذي يريد فرض نفسه على شعب لا يستطيع أن يتحمّل من يريد تغيير نمط عيشه وفرض وصاية عليه من منطلق مذهبي ليس إلّا. إنّه شريك يظنّ أن لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة مسألة سهلة وأن لعبة إثارة الغرائز الدينية والاستثمار في الميليشيات المذهبية وتغيير طبيعة المدن العربية مغامرة مأمونة النتائج لا يوجد من يريد الردّ عليها... أو أنّها لا يمكن إلّا أن ترتد على من يلجأ إليها.
كلّ ما في الأمر، بالنسبة إلى روسيا أن «الساحة السورية» باتت مهيّأة لصفقة قد تعقدها موسكو مع واشنطن يوماً. هناك تنسيق عسكري أميركي – روسي واضح ولكن لا تعاون سياسياً ولا اتفاقات في هذا المجال بين الجانبين بعد. الشيء الوحيد الأكيد ان وضع روسيا في سورية أفضل بكثير من وضع إيران بدليل الزيارة التي قام بها لموسكو الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي الأولى من نوعها لعاهل سعودي لهذا البلد.
تثبت هذه الزيارة أن هناك لغة منطقية بدأت روسيا تعتمدها في التعاطي مع المهتمين عن قرب بالشأن السوري والمعنيين به على نحو مباشر.
كلّ كلام آخر عن زيارة الملك سلمان لروسيا لا معنى له، خصوصاً أنّ هناك من توهّم أن بوتين يمكن أن يقنع العاهل السعودي بالمساهمة في تمويل إعادة إعمار سورية. هل هناك عاقل يمكن أن يقتنع بأن السعودية يمكن أن تموّل مشروعاً إيرانياً، أو لأدوات ايران، في سورية؟
تبقى قصة إعادة الاعمار كذبة لا يصدّقها إلّا النظام السوري نفسه. هناك نظام لا يزال يعتقد أن «البنك الدولي» مثله مثل أي مصرف في العالم. لا يعرف حتّى وظيفة هذا المصرف الذي مقرّه في واشنطن ولا الإطار الذي يتحرّك فيه.
لن تنطلي لعبة إعادة إعمار سورية، وهي لعبة غير موجودة في الوقت الحاضر، على أحد. من أين ستأتي الاموال لإعادة الإعمار؟ هل هناك من يريد الإجابة عن هذا السؤال؟ لا تمتلك إيران أيّ أموال. لا تمتلك روسيا أيّ أموال. الصين ليست راغبة في دخول اللعبة بعدما درست الموضوع من زوايا عدّة، من بينها الدور الذي يمكن أن يلعبه ميناء طرابلس اللبناني.
إلى إشعار آخر، لا استعداد سعودياً أو خليجياً للمساهمة في إعادة الاعمار ما دام الأفق السياسي غائباً. يمكن بدء الكلام عن أفق سياسي في اليوم الذي يظهر ما يشير إلى أنّ ثمّة تسوية سياسية تختلف عن تلك التي تطرح الآن. بكلام أوضح، ليس هناك من هو مستعد لدخول عملية إعادة الاعمار في غياب المرحلة الانتقالية التي تعني بين ما تعني إعداد بشّار الأسد للرحيل عن دمشق مع عدد لا بأس به من المحيطين به...
هناك محاولة لفرض لعبة وهمية اسمها إعادة إعمار سورية. بعض اللبنانيين يصدّق أن هناك مثل هذه اللعبة ويتحدّث عن ضرورة التعاطي مع النظام السوري وإعطائه شرعية كي تكون هناك حصّة للبنان من «الكعكة السورية». من يدفع في اتجاه إرسال وزراء لبنانيين إلى دمشق أو عقد لقاءات مع وزراء سوريين كما حصل بين وزير خارجية النظام وليد المعلّم ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في نيويورك، يقع في فخّ السقوط في كذبة. يوجد بكلّ بساطة نظام، ما زال مقيماً في دمشق، يبيع الأوهام بترويجه للعبة إعادة الاعمار، وهناك «حزب الله» الذي يسوّق هذه الاوهام في لبنان. كلّ ما تبقّى تفاصيل لا تنطلي إلّا على أولئك الذين يعتقدون أن شيئاً لم يتغيّر في سورية، لا منذ انسحابها من لبنان عسكرياً في نيسان/ ابريل 2005 ولا منذ بدء الثورة الشعبية في آذار/ مارس من العام 2011.