من الظالم والمظلوم في قرار المحكمة حول قضية باب الخليل؟
كتب الدكتور أغلب خوري رداً على مقالة المحامي قيس ناصر:
بداية أود أن أؤكد اننا كمجلس مركزي وكشباب عربي أرثوذكسي مع أي جهد وطني صادق سيبذل للدفاع عن العقارات الأرثوذكسية المشمولة في ما اصطلح على تسميته بصفقة باب الخليل، وكما كنا دائما رأس الحربة في مواجهة كافة صفقات التسريب المشبوهة والتصرف اللا مسؤول بالعقارات الوقفية الكنسية الأرثوذكسية من قبل البطريرك الحالي ثيوفيلوس وجميع أسلافه والذين بدأوا بتسريب الأراضي الوقفية ومنذ أيام الاحتلال البريطاني لفلسطين وقبل إنشاء اسرائيل.
وقد بلغت هذه التسريبات ذروتها في عهد ثيوفيلوس الذي تفنن ومستشاروه في ابتداع الوسائل والطرق واستخدام التبريرات المختلفة لتمرير صفقاته والتي لكثافتها في السنوات الأخيرة تثبت أن هذا الرجل ماض في مخطط مرسوم مسبقا ويتضمن تصفية الأملاك الوقفية لكنيستنا الأرثوذكسية.
الا أن حرصنا على هذا الجهد لا يتضمن ابدا اعطاء صك براءة لثيوفيلوس لأن لنا من الملاحظات الكثير على أداء البطريركية وطريقة دفاعها في المحكمة طوال السنوات السابقة مما أعطى انطباعا أن البطريركية قد خاضت هذه المعركة وبهذه الصورة الهزيلة لتخسرها وفاء لتعهدات ثيوفيلوس للجنة الوزارية الاسرائيلية بانجاز الصفقات العالقة وتنصله من التزاماته لحكومة المملكة الأردنية الهاشمية والسلطة الوطنية الفلسطينية بشهادة الوزير ايتان -البند 115 من قرار المحكمة-.
وهل يحق له التباكي وذرف الدموع على صفقة باب الخليل وأن يستجدي العالم للوقوف بجانبه ضد صفقة تأجير طويلة الأمد وهو من أبرم عشرات الصفقات والتي لم يخجل من الاعتراف بها وتضمنت بيعا كاملا وليس تأجيرا أو حكرا لأراضي الرملة وقيسارية وطبريا ومار الياس ويافا وما خفي أعظم.؟!
لن أتناول الحديث عن كل ما يتعلق بالصفقة بل سأكتفي بالرد على المحاور الرئيسية التي طرحتها بمقالتك
١-ذكرت أن دفاع البطريركية ارتكز على ركيزتين أساسيتين. الأولى وهي الأهم: عدم موافقة المجمع المقدس على هذه الاتفاقيات ولا على الوكالة التي أعطيت لباباذيماس وذلك خلافا للقوانين الكنسية والأعراف المعمول بها في البطريركية، ولكن بعد ما أسميته بابتزاز قضائي اضطرت البطريركية للتخلي عن هذه الركيزة. وهنا يهمني أن أوضح ما يلي:
أ- أتفق معك أنها الركيزة الأساسية للدفاع وأختلف في دوافع ثيوفيلوس لإسقاطها والتخلي عنها حيث تقول القاضية كنفي شتاينتس والتي أصدرت قرار الحكم انه لا يوجد خلاف حول حقيقة أنه في سنة 2004 تعاقد المدعون وثلاث شركات أجنبية بثلاثة اتفاقيات مع البطريركية لشراء حقوق الايجار في الأملاك الثلاثة (البند 3)
ب- مع اقراره بالصفقة رفض ثيوفيلوس تقديم أي دليل على عدم علم المجمع وموافقته على هذه الصفقة أو حتى الوكالة المعطاة لباباذيماس وبرر ذلك بسرية هذه القرارات وانها في صلب الايمان المسيحي الأرثوذكسي
-ماذا عمل ثيوفيلوس ومجمعه لتقوية الايمان الأرثوذكسي طوال سنوات جلوسه على الكرسي البطريركي؟ هل قام هو أو أحد أفراد مجمعه باصدار كتاب جديد؟ هل جاء واجتمع مرة واحدة بجلسة روحية مع أبناء رعيته؟ هل أنشأ مدرسة اكليريكية؟ كم راهبا عربيا قد رسم؟ وكم طيرا مهاجرا قد انضم الى كنائس شقيقة؟
-بعد رفضه الكشف عن قرارات المجمع ذات الصلة طلبت القاضية منه اصدار بيان باسم البطريركية يبين فيه ما تم وما لم تتم الموافقة عليه من صفقات في مغلف سري ومغلق لاطلاع القاضية فقط على أن يحفظ في خزينة المحكمة ولا ينشر لدعم هذا الادعاء ولكن أيضا هذا الطلب جوبه بالرفض (البند 24 من قرار المحكمة)
-سبب آخر مهم لسقوط هذه الركيزة كان ثبوت دخول المبلغ المدفوع من «عطيرت كوهنيم» لخزينة البطريركية الأمر الذي نفته البطريركية في البداية ثم عادت واعترفت به. والسؤال هنا لماذا قبلت البطريركية ادخال هذا المبلغ لخزينتها ان كانت فعلا ترفض الصفقة؟ لماذا لم تعده الى مصدره؟
-اريد أن اوافق جدلا على عدم الكشف عن قرارات المجمع المقدس, فلماذا لم يتم احضار كافة أعضاء المجمع للشهادة بأن هذه الصفقة لم يتم اقرارها مع أن هذا حق مكفول للدفاع لاثبات صحة بينات الدفاع
-الشاهد الرئيسي لاثبات صحة هذا الادعاء هو البطريرك السابق ايرينيوس والذي كان مسجونا في البطريركية طيلة فترة التداول في هذه القضية على مدار سنوات ومنع من الحضور للمحكمة ورفع عنه الحجر فقط قبل فترة وجيزة واثر الانتهاء من المداولات في المحكمة
-وفي نفس السياق لماذا تم شطب القضية المرفوعة من قيل ايرينيوس ضد عطيرت كوهنيم والقضية المرفوعة من قبل المستأجرين الفلسطينيين والاكتفاء بالبينات الجديدة من قبل ثيوفيلوس بعد الاعتراف به من قبل اسرائيل؟
-لماذا لم يطلب ثيوفيلوس ومحاموه شهادة ايرينيوس وهذا حق مكفول لهم وتستغرب القاضية الاسرائيلية ذلك في أكثر من مكان في قرارها المكون من 45 صفحة؟!
-عند تنازلها عن ركيزتها الأساسية في الدفاع, هل استشار البطريرك ومستشاروه جلالة الملك عبد الله أو فخامة الرئيس محمود عباس أو حتى اللجنة الرئاسية لشؤون الكنائس أم اعتقد ومستشاروه ان القضية لا تخصهم؟
-لماذا لم يقم البطريرك ومجمعه المقدس ان كان حريصا فعلا على أملاك الكنيسة باصدار اعلان صحفي وارساله الى وسائل الاعلام والمؤسسات الرسمية الاسرائيلية وكافة الدول التي يوجد بها أملاك للكنيسة الأرثوذكسية بأنها اخذت قرارا شاملا بوقف كافة الصفقات من بيع وتأجير وحكر؟ ان ذلك يمكن ان يمثل حماية قانونية ضد اي عقد مزور.
- ان امتناع ثيوفيلوس ومحاموه عن دعوة شهود أساسيين مثل ايرينيوس ومستشاره القانوني حينها جلعاد شير والأرشمندريت ايرينيوس وباباذيماس، وغيرهم ممن كان لهم دور في الصفقة، يثير تساؤلات حول دوافع ثيوفيلوس الذي استعاض عنها بشهادات سماع لكل من اريستارخوس واسيخيوس ويرينموس والتي اتضح خلال المحكمة انها شهادات مخدوشة المصداقية وغير صحيحة وتتناقض مع الحقيقة.
-ان أهمية شهادة ايرينيوس تكمن في انكاره كبطريرك عقدت الصفقة في عهده أي علم بها حيث أن الجميع يعلم بأنها لم تكن مذيلة بتوقيعه
-تجاهل ثيوفيلوس لتوصيات اللجنة الفلسطينية التي شكلت لتقصي الحقائق حول الصفقة في حينه يؤكد ايضا عدم جدية دفاعه
- القاضية تطرقت بقرارها بشكل واضح وفي عدة فقرات الى تخلي البطريركية عن دفاعها وعدم تقديمها لبيناتها ولشهودها وتخليها عن استجواب شهود «عطيريت كوهانيم» مجددا بعد تقديم بينات جديدة للمحكمة.
- لقد كتبت القاضية بقرارها انها تشك اذا كان قد قدم الطرفان جميع بيناتهم ومعلوماتهم للمحكمة
- لقد عقدت المحكمة ما يزيد عن 30 جلسة طوال فترة 8 سنوات والبطريركية لم تطلع اياً كان على مجرياتها حتى عند تخليها عن خط دفاعها الاساسي الا بيان " الانتصار" عندما اتفقت هي والمستوطنين على شطب اسماء المستأجرين كمدعى عليهم بالقضية كي "يخلو المراح لرباح " ( البطريركية والمستوطنين) والاتفاق بأن أي قرار يصدر عن المحكمة يكون ملزما لهم؟!
٢- حول الركيزة الثانية التي قدمتها البطريركية للدفاع والتي ارتكزت على أن هذه الصفقة فاسدة فقد ذكرت في مقالتك أن المحكمة لم تؤد دورها بالشكل الصحيح ولم تستدع الشهود الرئيسيين وهما ايرينيوس وباباذيماس وذكرت أيضا أنها فعلا صفقة فاسدة لأنه من غير المعقول أن تتم صفقة من هذا الحجم لفترة ايجار مدتها 99 عاما (مع امكانية تجديدها) بمبلغ مليون وثمانماية ألف دولار فقط. وهنا اسمح لي أن أشير الى الأمور التالية:
- أتفق معك تماما بأنها صفقة فاسدة وأزيدك من الشعر بيتا بأنها فاسدة ومشبوهة مثلها مثل جميع الصفقات الأخرى التي تخلى بها المتنفذون بالسدة البطريركية عن أوقافنا وأملاك كنيستنا الأرثوذكسية عن الكثير الكثير من العقارات -والتي تجاهلتها كغيرك من الداعمين لثيوفيلوس- من أمثال البطريرك تيمثاوس ومرورا ببيذكتوس وذيوذوروس وايرينيوس ووصولا الى ثيوفيلوس الذي نقل هذه السياسة نقلة نوعية تتضمن البيع الكامل والتخلي الشامل والمدروس عن هذه الأوقاف وتهويد ملكيتها
- تقول القاضية (في البند 23 ) أن باباذيماس تقدم في العام 2010 بطلب للانضمام لهذه المحكمة وأن طرفي القضية طلب منهما الرد على على هذا الطلب ولكنهما تركا قضية الحسم في هذا الطلب للمحكمة التي رفضت لاحقا هذا الطلب وتقول أيضا أنها رفضت طلبه بالرغم من دوره المركزي في هذه القضية لان أحد الطرفين لم يطلب دعوته للشهادة. فلماذا يا أستاذ قيس لم تطلب البطريركية استدعائه؟ وانت تعلم علم اليقين كأستاذ ومحامي أن من حقها ذلك.
- باباذيماس وقبل أن يتوجه للمحكمة كان قد طلب ومن خلال محاميه طلبا للبطريركية للانضمام للشهادة في هذه المحكمة وادعى أنه يمتلك في جعبته من تسجيلات ووثائق ما يساعد البطريركية في دفاعها مقابل توقف البطريركية عن أية ملاحقة قضائية ضده, الأمر الذي رفضته البطريركية. وعندما لم يجد آذانا صاغية هناك تقدم بطلبه الى المحكمة.
- نعم هي صفقة فاسدة وأتفق معك أن الثمن المدفوع هو بمثابة الرائحة الكريهة التي تدل على فسادها, ولكن لماذا لم تنظر الى الصورة الكاملة: فهذه الرائحة الكريهة كانت في صفقة بيع أراضي قيساريا (700 دونم بمبلغ مليون دولار), صفقة تأجير أراضي رحابيا والطالبية في العام 2011 (570 دونم وما عليها لمدة 110 سنوات بمبلغ 20 مليون دولار), بيع كامل لأراضي رحابيا والطالبية في العام 2016 (570 دونم بمبلغ 10 مليون دولار) وماذا أيضا بالنسبة لدوار الساعة في يافا وأرض الثوري وأراضي الرملة وطبريا وغيرها؟ انها يا عزيزي نفس الرائحة وأنت كأستاذ ومحامي وعلى وشك أن تنال درجة الدكتوراة أتمنى عليك أن ترى الصورة واضحة وأن تدافع عن الحق.
- ان أهمية شهادة باباذيماس تكمن في علمه عن كامل تفاصيل الصفقه!! بداية علاقته مع عطيرت كوهنيم ، ومأتي دان ومع آيتان جيبع، ظروف حصوله على الوكاله او الوكالات من البطريرك التي قام بموجبها بتوقيع الصفقات. فتح الحساب البنكي، الحوالات والتحويلات التي استلمها او سحبها، تعاونه مع عطيرت كوهنيم والمساعده التي قدمتها له للهرب من البلاد والإقامة في بنما او غيرها. استمرار علاقته مع جيبع. وعود مأتي دان وايتان جيبع له الى غير ذلك.
- امتناع ثيوفيلوس عن مناقشة جيبع وغيره من شهود الدعاء عن وقائع عديده تتعلق بالصفقة ، ظروفها وتطوراتها. وامتناعه عن اعادة المبالغ التي دخلت حساب البطريركية قد وضعه في موقف ضعيف لاثبات فساد هذه الصفقة.
- أكدت المحكمه ان ثيوفيلوس لم يقدم ولم يبرز اي دليل او ادعاء محدد عن فساد أي كان ضد ايرينيوس أو باباذيماس! وبالتالي بالنسبة للمحكمة بقي ادعاء ثيوفيلوس افتراء عار عن الصحه. أنا ومن قرائتي لقرار المحكمة أعتقد جازما أن ثيوفيلوس ومحاموه لم يقوموا بواجبهم بتقديم ما يثبت صحة ادعائهم.
- في شهادة الوزير ايتان (رئيس اللجنة الوزارية الاسرائيلية التي شكلت للاعتراف بثيوفيلوس) من قبل الحكومة الاسرائيلية قال أن الانطباع الذي تركه ثيوفيلوس لديه يؤكد انه لم يكن جادا في تنفيذ التزاماته تجاه اي من الجانب الأردني او الفلسطيني وهذا ما تم فعلا بعد انتخابه حيث تجاهل جميع التزاماته تجاه الجانب العربي ونفذ رغبات الجانب الاسرائيلي دون أدنى تحفظ راميا بعرض الحائط جميع التزاماته ووعوده لهم!
نحن لن نكون سحيجة ولن ننضوي تحت موالاة ثيوفيلوس او زمرته, نحن ابناء هذا الشعب وحراس املاكه وعقاراته وكنيسته الام أم الكنائس.
البطريرك ثيوفيلوس وزمرته ظلموا ويظلمون شعبنا وفلسطيننا ويبعثرون كنيستنا وتراثنا بعد ان ضاقوا ذرعا بالروحانيات وتحولوا الى تجار عقارات.