منذ 8 سنوات
هل سوريا جولانية؟
حجم الخط
نصري الصايغ
الجولان، بعد نصف قرن، قيد الاحتلال. الإحتلال يستوطن الهضبة، يعد بالمزيد، يهدد بأبدية الإقامة وينفّذ ما يتوعد به. بنيامين نتنياهو فعلها: «الجولان إسرائيلية» بتوقيع حكومي ومحاولات إقناع دولية... في المقابل، كلامٌ في الهواء، حائط مبكى في مجلس الأمن، وغيابٌ عربيّ متعمّد. الجولان سوريّ في الأصل، فهل سوريا جولانية؟ الإجابة سهلة جدًا.
التاريخ ليس عاقرًا. من فضائله أنه يتقدّم إلى الأمام. أن يحتفظ بالماضي ولا يعود إليه. وجهة مساره هي المستقبل. ولكل قاعدة شواذ. العرب خارج هذه القاعدة. ماضيهم هو حاضرهم وأمامهم. التقدم منحة يجيد استعمالها من يتأهل للسباق ليساهم في صناعة التاريخ والإقامة في المستقبل. الأنظمة العربية، القديمة
و«الحديثة» ليست في هذا السياق.
نصف قرنٍ من التاريخ، هو عمر الجولان المحتلّ. ثلثا قرنٍ تقريبًا هو الزمن الفلسطيني تحت الاحتلال. تاريخ يتوقف عند نهاية «حرب حزيران»، وآخر عند نهاية «حرب تشرين». وبين هذين الزمنين كان العرب يهندسون أنظمتهم على قياس الهزيمة الأولى في «حزيران» وقياس «الانتصار» الجهيض في «تشرين».
البندقية الفلسطينية، برغم بسالتها وتعرّضها للطعن في الظهر، انتهت إلى «سلطة» في الضفة، وإلى «استقلال» غزة عن فلسطين. وسط حصار مشترك، إسرائيلي ـ مصري... في حرب «النكبة»، خسارة لنصف فلسطين، في «حرب حزيران» نكسة أفدح من نكبة. خسارة لكل فلسطين وسيناء والجولان. «حرب تشرين» حرّكت ملفّ سيناء، فاستعيدت بالتفاوض، فيما ظلّ الجولان أسيرًا، ولا يزال. وقد يطول زمن الأسر.
لا يسأل العرب عما فعلوه. لا لزوم لمحاكمة ممالك وأنظمة وجمهوريات. لا ضرورة حتى لعتاب. التهمة فادحة تقترب من الخيانة. التاريخ يسجّل ذلك بوضوح. أنظمة آمنت بعقيدة العجز، فسلّمت المنطقة لمصير فلسطين والجولان. ولا مرة كانت فلسطين همًّا عربيًا جديًا. ولا مرّة كان الجولان في مسار التحرّر أو التحرّك. ترك لمصر أن تقلّع شوك سيناء بيديها. هي لا تستطيع وحدها. لجأت إلى الولايات المتحدة الأميركية،. وكان ما كان. الجولان ترك لسوريا. التفاوض مع أميركا أثمر «وديعة رابين». ماتت مع مقتله. ثم كان التفاوض بواسطة أردوغان. ما بين تركيا وسوريا، عواصف إسلاموية، ودم سوري شاهق، وعداء متمادٍ. استراحت البنادق بعد «حرب تشرين». ولا رصاصة. صمتت الأسلحة. واستحال التفاوض بلا ثمنٍ من طبريّا.
في نصف قرن تغيّر العالم. سقط الإتحاد السوفياتي. نهضت دول أوروبا الشرقية ومضت الى الكفاية الديمقراطيّة وتأهلت للإتحاد الأوروبي، أميركا اللاتينيّة تحررت من الاستبداد المدعوم أميركيًا. طبعًا لدى هذه الدول مشكلات وهي من طبيعة السياسة. مشكلاتها ليست في ماضيها بل في مستقبلها. آسيا عرفت نهوضًا مذهلاً. قد نتحدّث عن الصين، بل عن دول الآسيان. غزوها للعالم بصناعتها وتقنياتها بعد تخلف مزمن.. العالم مشغول بالمستقبل. باستثناء العرب. أعادوا عن الانشغال بالحرية والتحرير، واستطابوا الإقامة في التخلّف والتمزّق والتشرذم والتأسلم والتمذهب. فضّلوا العودة إلى الماضي وتأصيل العابر والإقامة في العجز.
اعتاد العرب الفرقة. الجامعة العربيّة لم تجمعهم. نكبة فلسطين بددتهم. تعايشوا مع الاحتلال، باتت إسرائيل ، شريكًا في مواجهة عربٍ قلّة مؤمنين بالحقوق القومية والانسانية والوطنية. لذا فلسطين ضحية السياسات العربية. والجولان ضحية التخلّي العربي. وقد يمتدّ زمن الاحتلال قرناً وربما أكثر. إسرائيل ليست «صليبية جديدة» إنها أفدح من ذلك. هي «الحق الإلهي اليهودي». من يقوى على صراع الآلهة؟ العرب منشغلون بصراع الفتاوى والأئمة. هذا هو الخراب الكبير يرسم ركامه في كلّ بقعة.
السوريّون اليوم قيد الإقامة في الدم. دمهم ودماء حلفائهم. الجولان ليس من همومهم الراهنة. فقد كان سقوطهم في العنف جريمة. عُشر هذا العنف كان يكفي لاستعادة الجولان. وربما فلسطين. لا يعقل أن يكون بمقدور إسرائيل القوية أن ترتكب ما ارتكبه السوريون ومن معهم ومن ضدهم من العرب والعجم والترك... الجولان آمن، يقول نتنياهو. يباهي أن السيادة الإسرائيلية عليه تؤمّن الاستقرار، إلى الأبد. لا جريمة تضاهي جريمة الحروب السوريّة. أطاحت بسوريا العروبة، أو سوريا العربيّة. الغد السوري سيكون برعاية أممية وإقليمية. الجولان ليس في الحسبان.
إنما...
إنما التاريخ العربي ليس كله كذلك. اللبنانيون لم يتركوا الاحتلال الإسرائيلي يرتاح يومًا. احتلّ ثلثي مساحته. لاحقته البنادق في كلّ مكان. أكثر من نصف قرن واللبنانيون يقاومون. (طبعًا ليسوا كلّهم مقاومة بعضهم استقدم إسرائيل). انتهى المطاف بأن سجّل هذا اللبناني الضعيف المقسّم والمنبوذ نهاية العصر الاسرائيلي في لبنان. مقاومة اللبنانيين، منذ أواخر الستينيات حتى اللحظة مع المقاومة الإسلامية، قالت لإسرائيل: «ولا حبّة تراب لبنانيّة إلاّ وتحرّرت»... لم يحدث ذلك في الجولان. حدث في غزّة. لكن التحرير هناك أدّى الى اقتسام فلسطين.
التاريخ العربي سيسجّل مخازي الحروب العربية وفضائل المقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة.
عن "السفير"