الأربعاء 27، نوفمبر 2024
15º
منذ 8 سنوات

99 عاماً على ميلاد فدوى طوقان

99 عاماً على ميلاد فدوى طوقان
حجم الخط
بقلم: المتوكل طه
كانت تقولُ لي : لا أذكرُ مَنْ قالَ هذا : يكفي أنني سأصير زهرة ! ولم أعد منشغلةً باعترافات "أوغسطين" .. * لماذا تكسَّرَ هذا الزّجاجُ على كَتِفِ امرأةٍ تُشْبِهُ العيد ، والقلبُ من عنكبوتْ ؟ وكيفَ سَنُوصلُ أحلامَنا ، والرّياحُ بأعضائِها من كلامِ السُّكوتْ ؟ وكيفَ لنا أن نرى الوردَ ، والقبرُ فاضَ بِماءِ التوابيتِ ، والناسُ – منذ ثَمانينَ – لم يبرحوا بيتَ مَنْ سقطوا في الأغاني .. وفي كلِّ يومٍ يفوتْ نرى لمعةَ النّارِ في جسدٍ لا يَموتْ ؟! * كُنّا في وداع العروس ؛ تحملُ في يدها إضمامةَ الورد ، وفي عينيها عبقه الرنّان ، ووصلت إلى فدوى ، فقبَّلتها ، وهمستْ في أُذن العروس ما جعل وجهها يزداد نضرةً ، وعضّت على شفتها السُّفلى ، بعد ضحكة ندّت عن التّوت المرسوم .. - ماذا قلتِ لها يا فدوى ؟ أشياء لا تفهمونَها أنتم .. - يبدو أنكِ لا تعرفين الرّجال ! لو أَنكَ .. لو أنّي .. آه . * هنا سيفُها، ماؤها الأرجواني ، ذَهبٌ بين أهدابِها ، مالحٌ نجمُ قارئها .. كيف لي ؟! مصحفٌ رائقٌ بيننا ، والصّلاةُ على خيرِ كلِّ الأنام وهذا التّمام . وخلخالُها من ينابيعِ ثلجِ الرُّخام . امرأةٌ من سوسنِ اللَّيلِ ، إنْ ضحكت يرتوي الصّخرُ ، والبحر يبعث أمواجَه للبعيد والعيدُ يوقظُ أطفالَه لليمام . شَعْرُها ظِلُّ دُفلى ، ناعسٌ بين قوسٍ من العسلِ الرّخوِ أو قُبَّةٍ من غمام . فَرْعُها شهقةُ الماء ، إنْ وَطَأَ الأرضَ .. ترتبكُ الأرضُ من عصافير خطوتِها ، .. يولدُ النَّهرُ من رملِ صلصاله ، .. الوردُ يحمرّ في كرزِ الحقلِ ، يعلو على البابِ لبلابُ أَيّامِهِ ثم تبقى البلادُ ربيعاً .. على فرحةٍ لا تنام . والعيون نحيبٌ على سُكَّرِ الصّدرِ، والنّحلُ يبكي على لهب التّاج ، .. وليس لأيقونةِ النّارِ إلاّ اندفاعتُها .. للأمام . ومَنْ – يا إلهي – يَموتُ على نحرِها ، ثم يصحو .. من اللّبنِ الحلوِ ؟ كيف له أن يَموتَ ويحيا .. وهذا الضّياءُ يُقطِّع أنفاسَهُ بالرِّهام ؟ خُلاسيّةٌ من لباءٍ وشهدٍ .. لها طلَّةُ الفَرَس البِكْرِ ، يصحبُها البَرْقُ أنّى تكونُ .. ويخلُبها الضّوءُ إنْ بَرَقت في الظّلام . مُحرَّمةٌ ، لا تحلُّ لآكلها ، لا تجوزُ لناظِرِها ، فلتُصلّوا على خير كل الأنامِ وبدرِ التّمام . * لم يعرفوا اليوم أو الشّهر الذي ولدت فيه ، غير أنَّ أمها كانت، قبل أن تمخضها بيومين، قد مكثت ثلاث ليالٍ ترقص على سقوط دم ابن عمها .. فكان أن عرفوا يوم مولد فدوى من رخام الشّاهد الشّهيد . * في مارس الشّهداء ، أو في ساحةِ الدّار ، تأخذُ الأُمُّ أمطارَها للصّغار . هنالكَ .. طارَ إلى رحمها زغبُ الأرضِ ، كان عكّوبِها قد رأى القلعةَ المُبْتلاةَ بعمّاتِها والبنين . لم يلتفت أحدٌ للّتي صرختْ .. كانتَ اللّحمةَ التي أثقلتْ أُمَّها ، غير أنَّ الظّلامَ به ساحةٌ للفراغِ ، وحشوٌ من الصّمتِ ، لا بأسَ ! ماذا تكون ؟ - وما طلبَ الشّيخُ رؤيةَ صُفْرَتِها - ثم قالَ : اسمها فدوةٌ ( ربَما للحَمام فداءٌ ) غير أنَّ عمَّتها صَرختْ : للذّكورِ فداءٌ .. ولم يَحضِنوها .. وما قبّلوها .. وما مسّدوا شَعرها .. وما اكترثوا .. غير أنَّ المدارسَ حرفٌ ويكفي ! فكيفَ إذا لحقَ البنتَ فُلٌّ بريءٌ ؟! إذاً فاحبِسُوها مع اللّيل والصّامتين .. وما فردتْ شَعْرَها .. وما فركتْ قُطفَها .. كانوا فنامتْ وخافتْ فجاعتْ وظلّوا .. فمرَّ بعيداً جنونُ الشّتاءِ وطيرُ السّماءِ ولم ترفع العينَ عن قَدَمِ الخارجين. * حملت العودَ وعلى كتفِها نجومُ النّدى ، واستحالت الغرفةُ مُسْدَلةُ الستائِر صحراءَ تضفضف بالأعراس ! وحرَّكت أصابعَها وهي تحضنه ، ورأسها منكبٌّ عليه .. فسمعت الخيولَ وهي تصهد، والعسل الرّانخُ على أعرافها يلمع على الأرض ، فأسرعت أناملها، وتوحّدت مع جرمه المنساب ، الذي دخل كاملاً إلى مغارةِ حِضْـنِها .. فأبرقت الدّنيا وأضاءت ، وفاضت الأصواتُ الحُسنى حتى غدا الكوكبُ ساحةَ فرحٍ لمنصّةٍ إلهيةٍ تعزفُ موسيقى تغرق الدّنيا ، وربَّما غفت على أوتاره ، أو ذهبت هناكَ معه بعد أن ألقى وردتَه ، إلى كوخ الشّجرة التي تُخبّئُ البُرودة والقُبَلَ الصّغيرةَ والتنّهدات البِكْر ، وربَّما مدَّ يده .. أو خلعت .. - فدوى ؟ أين أنتِ أيتها الصّفراء ؟! وانْهار العود من فزع النّداءِ .. وانكسر قليلاً . * كانت ، كُلّما تذكَّرت جسرَ نَهر التّايْمز ، يصعدُ الدّمُ إلى صدغيها ، وتشتعل ثيابُها . كانت تُحبّ الأغنيةَ التي تتبع النّمرَ المتوهّجَ، الذي يفترعُ ليلَ الأجساد .. وكانت ، في نابلس ، تبدّل لسانَها وثيابَها .. وجسدَها ، حتى غابت عنه الأسرار . * تخلقُ الأرضُ آلياتِها المتعددة ، لتُبقي على توازنِها الواثق العريق، فما إن يرحل شاعر ، حتى تُطلق الأرضُ طيورَ الخرافةِ وزهرَ الجنون في أرحام النّساء ، ليأتين لها بشواعر وشعراء يفيضون بالزّلازل والغمّازات والحبق الودود . * خَلَعتْ قطعةً .. قطعةً .. واستَوتْ ، كاملةً ، قُدّامَ مرآتِها ، واستدارت بِخيلائِها .. خَضَّتِ النّهدَ بالكفِّ ، فارتجَّ سطحُ زئبقها .. سالَ إصبعُها في عتمةِ النّهرِ ، حتى تعثّر في جوفِ سُرّتِها ، وانثالَ موجُ اللّيالي على شَمسِ أكتافها .. وابتلَّتِ الوردةُ المُشْتَهاةُ ! وأبطأتِ الكفّ في وَأدِ إبْهامِها .. وما إن مضتْ ، حتى رأت أنَّهُ انسلَّ من بين أثوابِها .. فتمطّتْ ، وغابت وظلّتْ ، زماناً ، على حالها .. *** - مَنْ هذه المطبوعةُ على تساؤل الطّين يا فدوى ؟ هذه رسّامة هيبيّة ، جاءت إلى لندن ، ولم يتسعها سريرٌ واحد، وكانت لا تخجل من خَلْق الرجال ، لأنّها كانت تكره وجوههم المعفّرة بالألوان .. كم أشتاق إليهم .. وهم يخرجون كالنّمل الأبيض من تحت الملاءات ! * كان إبراهيم يقظاً ، غير أن سِنَةً من النّوم قد تسرّبت إليه ، فرأى فيما يرى النّائمُ أنه يحمل كتاباً ويلوّح به أمام شقيقته الخضراء ، ولمّا استيقظ قصّ عليها رؤيته ، فقالت له : افعل ما تؤمَر يا إبراهيم ستجدني من القارئين .. وما هي إلاّ صفحات حتى انشقّ الباب ، وهبّ الهواءُ النشيد . أخيراً ، وصلتِ إلى ساخرِ العاشقين ! ربما، تَهدّجَ صوتُكِ ، وابيضَّ شَعْرُكِ ، لكنها ماسةُ البيتِ ، خلفَ التّجاعيدِ تُنبي له .. أنكِ الآن معه في غيمةِ الخالدين . * والنّهايةُ العلقم .. أن الواقع الفظّ الظّالم اقتحم على الفراشةِ عزلتها ، وأجبرها على التّعامل معه، فصعدت منبرَ السّياسة حيناً ! لكن السّقوف أبقتْها بين الإشارة والعبارة . والخلاصة أنّ ثَمّة شاعرةً لم تفلت من ثنايا فدوى المحكومة بِمشنقة المشهد الثّقيل ، وكل صلوات الزنّ الصّغيرة لم تحرّر تلك المعدومة لتَتّحد مع كائنها الأسمى ! لقد كانت الخسارة هائلة
 
عاجل
القناة 12: الدفاعات الجوية أخفقت في اعتراض صاروخ مصدره اليمن سقط في منطقة غير مأهولة قرب المطار وسط إسرائيل