ترامب يهبط بمكانة بلاده ويقذف بها إلى القاع بقلم
شبكة وتر-
بقلم: حسن عبدالله
حينما فكر الرئيس الأمريكي ترامب أن يظهر نفسه بموقف قوي، وأنه قادر على اتخاذ قرارات تختلف عن رؤساء أمريكا السابقين، جهل بسبب محدودية إمكانياته ومعارفه السياسية، أن اللعب في ملعب القدس، يختلف عن اللعب في ملاعب الصفقات التجارية، ومكائد وتحالفات المال. وحينما ظن أن الوضع العربي مفكك ومنقسم لم يدرك أن للقدس مكانة دينية ومعنوية لدى العرب والمسلمين، يمكنها بعث الحياة .
فبدل أن يسدد ضربة للفلسطينيين والعرب، فإنه دون أن يدري قد وجه ضربة قاسية لسياسة بلاده ومكانتها ودورها بعد أن طرحت نفسها وسيطاً للسلام على مدى سنوات طوال، فوضع مكانة بلاده في جيب "نتنياهو"، لتبدو صغيرة وتابعة ومسلوبة الإرادة.
وللذي بات معصوب العينين لأهداف فيما سمي بـ "الربيع العربي" عليه أن يدرك الآن، أن إشعال نار الفتنة في الدول العربية، كان سببه الرئيس تهيئة الظروف للانقضاض على القضية الفلسطينية، باشغال العرب بقضاياهم والحرائق المشتعلة على أرضهم، لكن السحر انقلب على الساحر، بفعل قرار أهوج وغير محسوب العواقب، فإن هذه الخطوة قد شكلت جرس إنذار للفلسطينيين والعرب بل وللعالم الإسلامي، فقوبلت بالرفض، وبالتالي قد قوَّض ترامب كل ما قامت به الإدارات السابقة للتوصل إلى حل، بالرغم من إدراك الفلسطينيين والعرب المسبق بإجحافه، وقطع الطريق على العرب الرسميين الذين ذهبوا بعيداً في التطبيع العلني والسري، لأن أية خطوة في هذا الاتجاه سوف تحرجهم وتظهرهم في موقع المتناقض مع المصالح العربية.
ما فعله ترامب سلط الضوْء من جديد على القدس بل وطرح أسئلة لا يستطيع ترامب نفسه أن يجيب عنها حول مستقبل القدس، الذي لا يحسمه نقل سفارة أو إعلان مهرجاني متبجح أمام وسائل الإعلام.
ما الذي فعله ترامب سوى تأكيد ضعفه السياسي وعدم قدرته على قراءة أمزجة الشعوب، إضافة إلى المساس بهيبة بلاده التي أنزلها عن قمة قيادة العالم إلى درجات أقل من ذلك بكثير، بالتزامن مع الصعود الروسي والصيني، خاصة وأن بوتين سجل على الساحة السورية مجموعة من الأهداف مرة واحدة في الملعب الأمريكي، حيث تصول وتجول السياسة الروسية، دون أن تستطيع السياسة الأمريكية مجاراتها، متذبذبةً مرةً في الإعلان عن محاربة الإرهاب، ومرة أخرى في دعم وتقديم الغطاء للإرهابيين، وقصف مواقع الجيش السوري، الذي يقاتل الجماعات الإرهابية التكفيرية، وحتى السلطة الفلسطينية التي انتهجت طريق المفاوضات فقد أعادها إلى المربع الأول، وبدت مواقفها أكثر تشدداً ووضوحاً، لا سيما وأن القدس تشكل الركيزة الرئيسة لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة الذي تتبناه السلطة منذ بضعة عقود. فأية مغامرة سياسية هي التي أقدم عليها؟، والتي في اعتقادي قد أضرت بالأمريكيين ومصالحهم ومكانة دولتهم، الأمر الذي يتطلب من دوائرهم السياسية والبحثية التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه السياسة التدميرية، لأن ديموقراطيتهم التي جاءت بـ "ترامب" سترتد عليهم خراباً وتقزيماً وتهميشاً.
إن الموقف الأوروبي المناهض لموقف ترامب وإدارته، يؤكد أن العالم صار يقف في اتجاه وأن ترامب وإدارته في اتجاه آخر، حيث خطط لعزل الفلسطينيين والانقضاض على مشروع دولتهم، فإذا به يعزل نفسه ويعرض إدارته لانتقادات أممية لا سابق لها.
ولو سأل محلل سياسي مبتدئ نفسه سؤالاً واضحاً، ماذا حقق ترامب من إعلانه؟ سوف لا يجد إجابة سوى "صفر".
وإذا أراد "ترامب" أن يسوِّق الآن للفلسطينيين والعرب أنه جاء بصفقة القرن، فمن الذي سيستمع إليه، ومن الذي سيصدقه أصلاً؟ّ
والحقيقة لا يوجد للفلسطينيين ما يخسرونه فهم ومدنهم وقراهم ومخيماتهم تحت الاحتلال، وما أشبه اليوم بالبارحة، أما خسارة الولايات المتحدة، فتحتاج من الآن إلى مراكز أبحاث، لكي تعدد وتحصي حجمها، لأنها ستفوق كل الحسابات.
والخلاصة هل عزّل ترامب الفلسطينيين بإعلانه المتعلق بالقدس أم عزل بلاده؟
سؤال ستحمل الأيام القادمة إجابة أكثر وضوحاً عنه، لكن المقدمات بدأت في جلسة مجلس الأمن، عندما وقفت أربع عشرة دولة مجتمعة في جهة رافضة موقف ترامب، ووقفت بلاده وحيدة في جهة أخرى، تحاول الدفاع عن قرارها دون أن تقنع أحداً.