مايك بينس .. الراعي الأول للأصولية
شبكة وتر-
بقلم: الدكتور أحمد جميل عزم
من المؤمل استمرار الأطراف الفلسطينية والعربية في عمليّة مقاطعة نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، في زيارته المقررة للمنطقة، والمهم أيضاً أن توضع المقاطعة في إطارها الأوسع، الذي يتعدى قرار الاعتراف الأميركي الأخير بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلا أنّ بينس يلعب دوراً خطيراً في "تديين" الصراعات، وخلط الدين بالسياسة. وقدّم قبل أيام خطابا توراتيا واضحا في تبرير دعم الإسرائيليين، وهو يهيّئ لتولي الرئاسة الأميركية، بنشر أنصاره من العقائديين داخل مؤسسات القضاء والحكم الأميركية لتكون مهمته أسهل من مهمة ترامب في تمرير ما يريد.
في خطابه في احتفالٍ بالذكرى السبعين لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، رقم 181، قبل أيّام، احتفى بدور القرار بنشوء إسرائيل، ولكنه اعتبر الفضل الأساسي لقيام هذه الدولة هو وجود "المسدس بيد والمحراث بيد"، وأنّ نشوء إسرائيل تجسيد لنبوءة توراتية "هل لبلد أن تولد في يوم، ولأمة أن تولد في لحظة". وأنّ "المستحيل عدم ملاحظة أنّ يد السماء تقود ناسها، تكتب تاريخهم في اعادة بناء هذا الشعب القديم على الأرض التي ولدوا عليها". وأخبرهم "قضيتكم قضيتنا، وقيمكم قيمنا، وقتالكم (fight) قتالنا"، وقال إنّ زيارته القادمة للقدس هي لكي "يمشي على الأرض المقدسة للمدينة المقدسة التي بناها الملك داوود قبل أكثر من 3000 عام".
في عددها الذي سيصدر مطلع العام المقبل، تنشر مجلة "ذا أتلانتيك" تحقيقاً طويلاً يبدأ بصورة بينس في زيٍ ديني تعبيري، وتُقدّم تفاصيل حياته، وما يفعله الآن، تمهيداً لتولي الرئاسة. أثناء دراسته في الجامعة تحالف مع مجموعات فيها المتدين وحتى مدمن المخدرات، والهدف هو الانتخابات. انتقل من الكاثوليكية إلى الإنجيلية، في إطار عمليّة تسييس جزء من هذا التيار وزيادة دوره السياسي. وفي حملته الثانية الفاشلة لدخول الكونغرس، عام 1990، كانت أحدى دعاياته كاريكاتير صورة شيخ عربي يشكر منافسه الديمقراطي على دعمه مصالح النفط الأجنبية. وبعد فشله الانتخابي تحول إلى مذيع يهاجم ما يراه انحلالا أخلاقيا، والأغاني الحديثة، وغير ذلك، حتى عاد للانتخابات مجدداً لاحقاً. وتذكّر المجلة بتصريح صحافي لبينس عام 2002 يقول فيه "تأييدي لإسرائيل ينبع إلى حد كبير من إيماني الشخصي". واعتبر أنّ الإسرائيليين هم أتباع إبراهيم، وأنه سيحصل على البركة إذا باركهم، وعلى اللعنة إذا أساء لهم.
تتساءل المجلة كيف يوفق بين "خدمته" لدونالد ترامب الذي يفتخر بصورة قديمة له يعلقها في مكتبه، وهو غلاف مجلة "Playboy"، للتعري، ومع وجود فيديوهاته عن تحرشه بالنساء، وتوضح المجلة كيف يقدّم بينس إجابة دينية عن إطاعة القائد (ولي الأمر) وخدمته.
مقابل لعب دور مطفئ الحرائق، لزلات ترامب، ومقابل موازنة صورة الرئاسة، بظهوره بمظهر رجل السياسة المتزن العاقل، يحصل بينس على مكاسب. وأحد عناصر أجندته هي تعديل القوانين الضريبية وقوانين أخرى تقوي الشركات التي يمتلكها متدينون، ومن مكاسبه أنّ غالبية الوزراء الحاليين من جماعته الدينية، وجرى إدخال قاضٍ للمحكمة العليا، من ذات الجماعة. واحتفل يوم 3 آيار مع مجلس استشاري انجيلي خاص للرئيس الأميركي ترامب، في حفل عشاء، في البيت الأبيض، بعد أن وقّع ترامب قراراً زاد من الهامش المسموح به لرجال الدين لنشر وجهات نظرهم السياسية الخاصة في كنائسهم، وحرية الحديث بشأنها (أي توظيف الدين للسياسة).
بينس جزء أساسي من تحالف رجال الأعمال الصهاينة الأميركيين مع الصهيونية المسيحية، وهو يستند لتبريرات دينية في دعم إسرائيل ويتعهد علناً بمحاربة أي منظمة دولية تعترف بالفلسطينيين، وهو كذلك يعلن موقفا واضحا، في عدم احترامه العرب، بما في ذلك دول الخليج النفطية، ويعتبر النفط العربي خطرا. وهذا الخطاب سيستفز أصوليات وقوميّات مضادة، ستضرب في كل مكان وليس ضد الأميركيين حصراً أو بالضرورة. والأخطر لديه أجندة لتولي الحكم بنفسه، مع زيادة نفوذ مؤيديه أصحاب ذات المعتقدات في المؤسسات المختلفة، ليقضي على فكرة "حكم المؤسسات"، وبحسب المجلة فإنّ جمهوريين وبينس، يعتقدون أنّه قد يتولى الرئاسة، قريباً، إذا جرى إبعاد ترامب لأسباب قانونية، أو في انتخابات 2020.
التصدي لبينس وزيارته رفضٌ لمشروع كبير جداً.
... عن «الغد» الأردنية