الشرعية والاحتياجات الشعبية
شبكة وتر- ضاقت تلك التي رحبت، واتسعت دائرة فلسفة الموت في الوقت الذي اصطمت فيه رؤوس المواطنين ببعضها..
هل عجزت الأمة وفقهائها وقادتها عن إخفاء العيوب الفكرية والجسدية والتشوهات المعرفية حول مفهوم الحياة ومقوماتها؟
هل ضاقت المفاهيم حول الرباط والجهاد لتنحصر في الموت؟ لم لم تتلبسنا نزعة صناعة الحياة كوجه للجهاد والعبادة؟
تصارع الفكر في رأسي، وتكاثرت الأسئلة حول ما نحن فيه، وليس تشكيكاً في حقنا في تقرير مصيرنا كعرف قانوني والباطل البين في وجود الاحتلال على أرضنا، والذي لا يمكن أن يكون له دولة فقط بوضوح النصوص الشرعية، وإنما انطلاقاً من القانون الدولي الذي أبرز حالات تكوين الدول والتي تلخصت في: (الاستقلال، الانفصال، التفكك، التوحد)،
لكني أتساءل: هل نحن قدر قاداتنا أم أنهم قدرنا الذي جثم على أرواحنا يأبى الانفكاك حتى خلاصنا؟ وبتأمل بسيط أهدتني موجات التفكير المتذبذبة إلى زاوية الخلاف والتي تمثلت في عقلي بـــ(شرعية النظام) تلك التي تثير مشكلات نظرية ومنهجية وتاريخية متعددة، وتولد أخراباً وتنظيمات سياسية (نخبوية) قد تأخذ الأمة إلى طريق مسدود .
وبعيداً عن الواقع وهلامية تعريف الشرعية من حيث الازدواجية والقبول وممارسة السلطة، بحثت فوجدت علماء الاجتماع قد أجمعوا على أن مصادر الشرعية تتمثل في : (التقاليد، الزعامة الملهمة(الكاريزما)، والعقلانية القانونية)، وتتبعت التاريخ الحامل للنظام السياسي العربي منذ الخمسينات حتى اليوم، فوجدت أن الشرعية السياسية لأغلب الأنظمة العربية قد تآكلت لسبب واضح وجلي هو وهم العدالة الاجتماعية والفشل الذريع في حفظ كرامة الإنسان وتحقيق قيم الديمقراطية والمشاركة السياسية . وكرد فعل للحركة السياسية، وإنقاذ الشرعية المتهاونة لبعض الأنظمة والأيديولوجيات الحزبية الحاكمة، تم تطبيق ثلاث إستراتيجيات على المستوى الشعبي، أبقت الناس في صراع دائم، تمثلت في :- 1- النزوع إلى القبول الوهمي بالتعددية السياسية المقيدة لتخفيف الضغط عن النظام السياسي، وإتاحة الفرصة للمعارضة لأن تعبر عن نفسها في حدود الدائرة التي لا تقبل تداول السلطة . 2- ممارسة القمع المباشر ضد الحريات والحقوق، وعدم قبول الآخر . 3- تمثيل القيادة، وهو بيع الوهم الوطني والحفاظ على الثوابت والحقوق من خلال الخطابات والإرث السياسي، وتسوير المصالح بأن القيادة الحالية هي التي لا بديل عنها .
ولعل هذه الإستراتيجيات أدت إلى شيوع اللامبالاة السياسية بين الجماهير المقموعة، والتناقضات الفكرية، والانفصام الوطني إلى الحد الذي أصبحت فيه مقدرات الوطن للسلطة الحاكمة والوطنية للفقراء والضعفاء . وعدت بالتفكير إلى النقطة التي تحولت عندها للبحث، هل نحن قدر قاداتنا أم هم قدرنا؟ فعدت للنبش بين الورق لأرى ما إن تتحقق مقومات الحاكم فينا أم لا، ولم أبعد في النبش عما جاءت به تعاليم الدين الإسلامي، فوجدت أن :- - الحاكم مسؤول عن رعاية المحكومين وذلك بجلب المصالح لهم ودرء المفاسد عنهم، وحسن سياستهم، ويدخل في ذلك رعاية الحقوق. - الحاكم مسؤول عن العدل بين المحكومين، وهو واجب شرعي على كل مسلم، فما بالك لو كان المسلم حاكماً وذلك امتثالاً لقول الله تعال : (إن الله يأمركم بالعدل والإحسان) (النحل: 90) - الحاكم مسؤول عن الرفق بالرعية وتوصيل الحقوق إلى أصحابها دون أن يطالبوا بها، وعدم معاقبة أحد بالظن وترويعه أو الإساءة إلى سمعته. - الحاكم مسؤول عن فتح بابه أمام أصحاب الحاجات سواء كانت مطالبة بحق أم مرتبطة برفع ظلم .
ولم أكمل، لأني قد عرفت الإجابة، ناهيك عما زاد الفقه فيه من ضرورة استشارة الحاكم وزرائه وأعوانه الذين أوجب الشرع حسن اختيارهم وضرورة إلزامهم بإخلاص العمل والنية . وعليه، وبرؤية الكاتب المواطن أدعو إلى رفض وجود أي معايير ثابتة لمفاهيم الشرعية ووطنية الأحزاب والتنظيمات السياسة، فما يفرض ثبات هذه المصطلحات هو ما يقدمه أصحابها لحياة الناس وعدالتهم الاجتماعية، لا لموتهم أو ما بعد موتهم .