الثلاثاء 24، سبتمبر 2024
18º
منذ 8 سنوات

أن تعيش لتحكي

أن تعيش لتحكي
حجم الخط
BLfkWYTCIAE0xyp       راديو أورينت- "يقولون أنه يمكن لك، إذا ما صممت، أن تصير كاتباً جيداً. لم أكن قد سمعت مثل ذلك الكلام، من قبل، في الأسرة قط. فميولي منذ الطفولة، كانت تتيح الافتراض بأنني قد أصير رساماً، موسيقياً، مغنياً في الكنيسة، أو شاعراً جوالاً في أيام الآحاد. وكنت قد اكتشفت ميلاً معروفاً لدى الجميع، إلى أسلوب في الكتابة، أقرب إلى التلوي والرقة الأثيرية. ولكن ردّ فعلي في هذه المرة، كان أقرب إلى المفاجأة. فقد أجبت أمي: إذا كان علي أن أصير كاتباً، فلا بد لي من أن أكون أحد الكبار. وهؤلاء لا يصنعونهم، وهناك في نهاية المطاف مهن أفضل كثيراً إذا ما كانت أرغب في الموت جوعاً. في إحدى تلك الأمسيات، وبدلاً من أن تتبادل الحديث معي، بكت دون دموع. لو أن ذلك حدث اليوم لأثار هلعي، لأنني أقدر البكاء المكبوح كدواء ناجح ومؤكد تلجأ إليه النساء القويات لفرض نواياهن. ولكنني في الثامنة عشرة من عمري، لم أدر ما أقول لأمي، فأحبط صمتي دموعها، وقالت عندئذ: حسن جداً، عاهدني على الأقل أن تنهي الثانوية، على أفضل وجه ممكن، وأنا سأتولى ترتيب ما تبقى مع أبيك". غابرييل ماركيز ذلك الاستثناء في الأدب يمسك بتلك اللحظات التي مرت هاربة خلال عمره الطويل فيؤرخ لحياته الحافلة بالغرائب والإنجازات، فهو لم يكن يتوقع النجاح في تلك السن المبكرة عندما كان طالباً في السنة الأولى من كلية الحقوق، لكن عبقريته تفتحت في هذه السن المبكرة لتؤذن بنجاحات أخرى ستشكل علامات بارزة في مسيرته الأدبية والفكرية. وكما هي حياة الأديب مليئة بالمعاناة والصدفة لم تكن حياة ماركيز لتشذ عن هذا المنحى حتى أن قراءاته كانت تعتمد في أحيان كثيرة على الكتب التي يوفرها الحظ والمصادفات تعتمد على خطي أكثر من اعتمادها على مصادفاتي لقد شكلت المحادثات الأدبية التي كانت تجري في مقهى الطاحونة بين الشعراء الكبار زاداً وفيراً استفاد منه الأديب الناشئ وخصوصاً تلك الجلسات التي يتحدث فيها ليون دي غريف البوي اعتاد أن يبدأ مسامراته الأدبية عند الغروب مع الأسماء الكبيرة في عالم الفنون والآداب. وقد كان "المسخ" لفرانز كافكا عاملاً مهماً في توجيه مسار حياته الجديدة لتسفر قراءتها عن معاناة طويلة تؤدي في النهاية إلى ولادة قصة التي نشرت في جريدة الاسبيكتادور "الاستسلام الثالث"، ومن سخرية القدر أن الكاتب لم يكن يملك خمسة سنتات لشراء الصحيفة، كانت تلك القصة تجسد القدرة الساحقة للكلمة المطبوعة عكست قدرة الكاتب على الولوج في عوالم لا متناهية من السحر والإبداع. إن غارسيا الذي عرفه العالم العربي من خلال أعماله الأدبية ذات النكهة الخاصة ما زال يتوق إلى عوالمه السحرية الغريبة التي رسمها في "مئة عام من العزلة" التي نال الكاتب جائزة نوبل عنها، وها هو غابرييل مركيز وبأسلوب لا يقل روعة وسحر عن أسلوبه المعتاد يواصل إثارة الأعمال الساكنة في نفوس قراءة، فهو كما يقول عاش ليروي.
اقرأ أيضا
الشيطان يحكي
الشيطان يحكي
السراب
السراب
عاجل
مسؤول إعلامي في جماعة الحوثي: صاروخ يمني وصل إلى إسرائيل بعد فشل محاولات اعتراضه
القناة 12: الدفاعات الجوية أخفقت في اعتراض صاروخ مصدره اليمن سقط في منطقة غير مأهولة قرب المطار وسط إسرائيل