منذ 8 سنوات
الاحتلال عرض مئة مليون دولار على فلسطيني في الخليل لشراء محله الصغير
حجم الخط
شبكة وتر-"بقلم : فادي ابو سعدي "هو عبد الرؤوف المحتسب «أبو محمد» أو كما يناديه الجميع هناك «العم عبد» يملك متجراً صغيراً أمام بوابة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة جنوب الضفة الغربية.
وجل ما في المتجر هو أعمال يدوية فلسطينية أهمها خزف وزجاج الخليل المشهور والمطرزات والسجاد اليدوي وغيرها من الأشغال اليدوية التي يعتاش منها عبر زيارات السياح الأجانب إلى البلدة القديمة من الخليل.
كانت الحياة شبه طبيعية «كونها لم تكن طبيعية البتة في فلسطين بسبب الاحتلال» حتى العام 2000 وانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ولأن الانتفاضة الثانية كانت مسلحة إلى حد كبير ساءت أحوال العم عبد وعائلته بسبب انقطاع السياحة إلى البلدة القديمة من الخليل وإلى فلسطين عامة.
ويروي أبو محمد لـ«القدس العربي» وهو أمام محله الصغير كيف عاش قرابة الأربع سنوات بما تيسر، رغم حالة العُسر التي أصابته وعائلته.
لكن وجود مؤسسات «السياحة البديلة» في فلسطين والتي كانت تجلب الوفود الأجنبية لزيارة فلسطين بطريقة مغايرة عن السياحة العادية للوقوف على حقيقة ما يجري في البلاد، وفي أحد زيارات وفد أجنبي برفقة مرشد سياحي من بيت ساحور سأل المرشد السياحي أبو محمد عن وضعه الاقتصادي وإن كان في إمكان زوجته أن تطبخ وجبة فلسطينية للزوار.
لكن عزة النفس عجزت عند أبو محمد لطلب ذلك من زوجته. ويستذكر كيف أتت أم محمد راكضة من المطبخ وأجابت هي عن السؤال نعم أستطيع «كرمال ولادي وبيتي بعمل أي اشي».
ومنذ ثلاثة عشر عاماً وحتى الآن يزور بيت أبو محمد الكثير من الوفود السياحية وهو في هذا الشأن يقول مؤكداً أن السبب في استمرار الزيارات هو النخوة الفلسطينية.
حيث بات الأدلاء السياحيون يبلغون بعضهم بوضعنا الاقتصادي وقصتنا مع الإرهاب الصهيوني. وأصبح الجميع يمر من عندنا يأكل ويستمع لقصتنا ويشتري ما تيسر وهكذا نواصل الصمود.
لكن الأمور ساءت أكثر من الناحية السياسية بعد تحسنها اقتصادياً ولو بشكل بسيط على عائلة أبو محمد. وبسبب صموده في تلك المنطقة الحساسة الفاصلة بين الأحياء الفلسطينية ومنطقة الاستيطان الإسرائيلي وسط البلدة القديمة من الخليل حيث يعيش 500 متطرف يهودي في ظل حراسة ألفي جندي إسرائيلي، بدأت الاعتداءات من المتطرفين عليه شخصياً وعلى محله ووصلت إلى حد تهديد عائلته.
وكشف أبو محمد لـ«القدس العربي» أن الاحتلال ومستوطنيه عرضوا عليه «مئة مليون دولار» لبيع محله والخروج من المنطقة لكنه رفض ذلك وكانت إجابته «العرض والشرف والدين مش للبيع» وأضاف باللهجة العامية يقول «بدي لما أموت يقولوا الله يرحمه مش الله يلعنه».
وقد تعرض أبو محمد لاعتداء جسدي على يد المتطرف اليهودي باروخ مارزل وعدد من المتطرفين برفقته وأدى ذلك إلى إصابته في رأسه وإحداث ندبة واضحة فيه.
واستدعى ذلك حضور وفد إسرائيلي من مجموعة «نساء ضد الجدار» اليهودية وشهدت لصالحه في المحكمة العسكرية الإسرائيلية وضد المتطرفين اليهود. فهو لم يهدد أحداً ولا يملك سلاحاً أو سكيناً وإنما هو من تعرض للاعتداء.
ويعرف محل أبو محمد على أنه ملتقى للكثيرين أمامه سواء من مجموعات يهودية ناشطة مثل مجموعة «كسر الصمت» أو المجموعات الفلسطينية مثل «شباب ضد الاستيطان» والوفود الأجنبية ضمن السياحة البديلة.
كل هذه المجموعات تجلس أمام المحل وتقدم شروحات عن وضع الخليل القديمة والسكان ومعاناتهم من التطرف والإرهاب اليهودي في المنطقة وهو أكثر ما ينغص على المتطرفين اليهود الذين يعيشون في مستوطنات البلدة القديمة التي سرقوا أرضها من الفلسطينيين.
ويقول أبو محمد أن الحرم الإبراهيمي كان يمتلئ عن بكرة أبيه أيام الجمعة، أما الآن فبسبب حواجز الاحتلال وتقسيم الحرم واتفاق الخليل انخفض عدد المصلين إلى أقل من النصف خاصة أيام الجمعة حتى أنه يغلق أحياناً في وقت الأعياد اليهودية.
ولدى أبو محمد ثلاث بنات متزوجات وابن وحيد متزوج ويعمل معه في المحل هو الآخر.
ويروي أبو محمد لـ «القدس العربي» كيف أنه «ممنوع أمنياً» من الحصول على تصريح لدخول القدس المحتلة لزيارة ابنته وشقيقته اللتان تقيمان في راس العامود في القدس المحتلة.
ورغم محاولات الكثير من المؤسسات الحقوقية إلا أن زوجته «أم العبد» هي التي سمح لها بعد طول عناء بزيارة ابنتها هناك.
كما أنه وخلال شهر رمضان يسمح للرجال الفلسطينيين ممن هم فوق الخامسة والخمسين عاماً من دخول القدس دون تصاريح، إلا «العم عبد» لا يسمح له بذلك وكل مرة تتم إعادته عند الحاجز العسكري بحجة «المنع الأمني».
ويتذرع اليهود المتطرفون في تلك المنطقة بأنه وبحسب العهد القديم فإن سيدنا إبراهيم عندما أراد أن يدفن زوجته سارة جاءه عفرون بن سحر حاكم المدينة الكنعاني وأعطاه قطعة أرض كهدية لدفنها، لكن سيدنا إبراهيم رفض الهدية وأصر أن يدفع ثمن قطعة الأرض هذه.
ويعتبر اليهود أن قطعة الأرض هذه هي أول شيء ملكوه في الأرض الفلسطينية عن طريق جدهم إبراهيم. بالإضافة إلى معتقداتهم أن فلسطين هي أرض الميعاد.
ورغم الحالة الاقتصادية الصعبة للبلدة القديمة في الخليل بسبب إغلاق شارع الشهداء الذي يضم مئات المحال التجارية، إلا أنها تعرف بأنها «المدينة التي لا يجوع فيها أحد».
فبالقرب من محل أبو محمد والحرم الإبراهيمي هناك «تكبة سيدنا ابراهيم» وهي جمعية خيرية تقدم الطعام المجاني للفقراء والأسر المحتاجة على مدار العام وخصوصًا في شهر رمضان.
ما جعل مدينة الخليل تكتسب شهرة واسعة بأنها «المدينة التي لا تعرف الجوع أبدًا». يعود عمر هذه التكية إلى العام 1279 حين أنشأها السلطان قالون الصالحي في زمن صلاح الدين الأيوبي.
ويقول أهالي الخليل إن تاريخ التكية يعود إلى عهد النبي إبراهيم الذي وُصف أنه «أبو الضيفان» الذي كان لا يأكل إلا مع ضيف، كما كان يقدم الطعام لعابري السبيل من المكان ذاته الذي توزع فيه التكية الطعام هذه الأيام.
لكن ما صعب الحياة أكثر على الخليل القديمة وأهلها هي اتفاقية «بروتوكول الخليل» التي وقعت في الخامس عشر من كانون ثاني/يناير من العام 1997.
وهي الاتفاقية التي قسمت مدينة الخليل إلى منطقتين منفصلتين سميتا بحسب الاتفاق «H1 وH2. ويقع محل ومنزل أبو محمد المحتسب على الخط الفاصل بين المنطقتين وهو ما يصعب حياته أكثر وأكثر.
ويعيش سكان البلدة القديمة من الخليل وتحديداً القاطنين في منطقة شارع الشهداء حياة غير طبيعية على الإطلاق. وحسب القانون العسكري الإسرائيلي فسكان شارع الشهداء يسمح لهم بالمشي فقط للوصول إلى منازلهم ولا يحق لهم استخدام
سياراتهم، ولأن المتطرفين اليهود يتربصون دائماً بهم فقد ابتكروا طريقة للوصول إلى المنزل من الجهة الأخرى المقابلة لشارع الشهداء عبر «سُلّم» وصل على جدار المنزل كي يتجنبوا اعتداءات المتطرفين اليهود.
المستوطنات الإسرائيلية المقامة على المنازل والآثار الفلسطينية
كان هدف الاحتلال الرئيسي وما زال في مشاريعه الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو تقطيع الأوصال الفلسطينية وتدمير الآثار وتاريخ المدن المحتلة وسرقتها، ومحو الدلائل التي تؤكد زيف إدعاءات الاحتلال.
ومن هنا حاولت إسرائيل تعزيز الاستيطان عبر تدمير وإخفاء الآثار الفلسطينية وطمس معالمها. ولعل أكثر المناطق التي تعرضت للنهب المنظم هي مدن القدس، الخليل، غزة، أريحا، باعتبارها مناطق غنية بآثارها وتاريخها.
في حين أكملت سلطات الاحتلال مخططها التوسعي على معظم المدن الفلسطينية الأخرى بالوتيرة المتسارعة نفسها، لفرض حقائق استيطانية جديدة على الأراضي الفلسطينية.
ومدينة الخليل من أبرز المعالم الحضارية الفلسطينية التي تم نهبها.
فقد أقامت سلطات الاحتلال في محافظة الخليل نحو 32 مستعمرة، سبع منها على أراضي المدينة، وأربع أٌقيمت على مناطق أثرية تاريخية بعد عام 1968، إضافة إلى تحويل «الحرم الإبراهيمي» وهو أحد أهم المعالم الدينية الإسلامية إلى معبد يهودي، ووضعت داخله خزانة للكتب الدينية ولافتات مكتوبة باللغة العبرية على أضرحة الأنبياء.
وأنشأت كنيساً يهودياً في فناء المدرج الذي يصعد للحرم الشريف. ويتبين من الدراسات التاريخية أن الخليل قد سميت بأسماء متعددة استطاع الإسرائيليون نسبتها إليهم ومنها:
قريات أربع:
سميت بهذا الاسم نسبة إلى الملك أربع بانيها، وهو كنعاني الأصل من قبيلة العناقيين وتعني الجبابرة، أو الجبارين، وقد أطلق اليهود على إحدى المستعمرات القائمة في قلب الخليل اسم «كريات أربع» يسكنها غلاة المتطرفين من اليهود.
أبراهام:
احتل الصليبيون المنطقة عام 1100 وأسموها بهذا الاسم بدلاً من خليل الرحمن، وذلك بعد أن أقطعها الأمير عوزفري دي بوايون إلى جير هاردي أمين، حتى مملكة القدس.
الحرم الإبراهيمي:
في أعقاب حرب حزيران 1967 حاولت سلطات الاحتلال تدريجياً تحويل الحرم الإبراهيمي إلى كنيس يهودي حين سمح الحكم العسكري رسمياً لليهود، بأداء الصلوات في الحرم في غير أوقات صلاة المسلمين. ثم اتخذت بعداً استفزازياً، حين اقتحم مئير كهانا زعيم حركة «كاخ» الحرم سنة 1972.
تل الرميدة:
اعتبر المستوطنون أن الخليل القديمة، كانت بالقرب من المدينة الحالية، على تلة الرميدة المغطاة بأشجار الزيتون، وكانت تضم بركتين هما بركة القزازين، وبركة السلطان، وذلك في جنوبها الغربي.
مسجد مشهد الأربعين:
استولى اليهود على 12 دونماً في محيط المسجد، ومنعوا لجنة الإعمار من ترميم المسجد؛ تمهيداً للاستيلاء عليه؛ بحكم قربه من مستعمرة (تل الرميدة).
المصدر:
القدس العربي