الاثنين 23، سبتمبر 2024
29º
منذ 9 سنوات

الجاسوس الكندي الذي يماثل جيمس بوند في عالم الواقع

حجم الخط
تشير التقديرات إلى أن عدد من شاهدوا فيلما واحدا على الأقل من سلسلة أفلام العميل السري جيمس بوند يتراوح ما بين ربع إلى نصف سكان العالم. ومن المرجح أن يزيد عدد هؤلاء أكثر اعتبارا من السادس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، عندما يبدأ عرض فيلم "سبكتر" (الطيف) - وهو أحدث أفلام بوند، والعمل الرابع والعشرين في هذه السلسلة - في مختلف أنحاء العالم. ولكن من بين 15 عميلا سريا حقيقيا يُقال إنهم قدموا للكاتب آيان فلمينغ الأسس التي استند إليها في رسم ملامح شخصية جيمس بوند؛ يبدو أن ذلك الجاسوس الأنيق صاحب القدرات الفائقة، السير ويليام صمويل ستيفنسون مجهولا إلى حد بعيد، وهو الرجل الذي يمكن القول إن مهاراته - في القتال اليدوي المتلاحم وبطولاته فيما يتعلق بإنقاذ العالم وشخصيته الساحرة وولعه بمشروب المارتيني – تعكس بشكل لافت تلك الخصال التي يتميز بها بوند، والمعروف برقمه (الكودي) 007. وفي واقع الأمر، فإن ستيفنسون غير معروف حتى في مسقط رأسه؛ مدينة وينيبغ الكندية. في هذه المدينة، قال لي دون فينكباينر صاحب شركة "هارت لاند تورز" للسياحة: "أنتَ الشخص الثاني فحسب الذي يسألني عن ستيفنسون طيلة سنوات عملي في هذه المهنة. حتى سكان وينيبغ فوجئوا بقصته، رغم أن الكثيرين منهم يمرون يوميا بسياراتهم بجوار تمثاله".

هل يجب أن يتزوج المرء وريثة أمريكية لكي يكون أبرز أساتذة الجاسوسية؟

بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918؛ انتقل ستيفنسون، الذي كان طيارا مقاتلا خلال الحرب وبطلا للملاكمة في وزن الخفيف وهو في صفوف الجيش، للإقامة في المملكة المتحدة. هناك تزوج الرجل بوريثة أحد الأثرياء الأمريكيين العاملين في صناعة التبغ، وانتفع بصلاتها لكي يعيد اختراع نفسه ويتحول إلى أبرز أساتذة الجاسوسية خلال الحرب العالمية الثانية، ويصبح صديقا مقربا وموثوقا فيه من كل من رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل والرئيس الأمريكي في تلك الحقبة فرانكلين روزفلت.
كما اضطلع هذا الرجل بدور محوري في تأسيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) وكذلك "كامب إكس"، وهي قاعدة لتدريب القوات الخاصة تقع قرب مدينة تورنتو الكندية، حيث تلقى فلمينغ ومئات آخرون من العناصر المنضوية تحت لواء قوات الحلفاء خلال فترة الحرب تدريبا على كيفية القيام بمهامهم. يقول فينكباينر إنه لم يعلم بأمر ستيفنسون سوى منذ 10 سنوات فحسب. ويستطرد بالقول: "أُدْرِجُ الآن زيارة لتمثاله على برامج مختلف الجولات السياحية التي أنظمها". قال لي الرجل هذه الكلمات وهو يمر بي بجوار التمثال البرونزي الذي يُظهر ستيفنسون بزي الطيران، قبالة مقر المجلس التشريعي لمنطقة مانيتوبا.(وتوجد نسخة مطابقة من التمثال في مقر "سي آي أيه" بمنطقة لانغلي بولاية فرجينيا الأمريكية). واستطرد فينكباينر قائلا: "أقول للناس: أنتم على وشك الالتقاء بأهم أبناء وينيبغ على مر العصور، وربما ستلتقون كذلك بأهم حقبة في التاريخ الكندي. قصته لا تصدق. وتكاد توصف بأنها أروع من أن تكون حقيقية". نشأ ستيفنسون في حي بوينت دوغلاس ببيت متواضع، مؤلف من طابقين ومُشيد من الأخشاب. وقد ظل يعيش هناك والتحق بمدرسة "أرغيل أولترنِتيف هاي سكول" إلى أن انضم للجيش وهو في السادسة عشرة من عمره. وتتضمن لوحة جدارية مُثبتة على سور المدرسة صورة لذاك الجاسوس. لكن بخلاف ذلك لا يوجد أدلة تذكر تفيد بأن ستيفنسون تربى في هذا المكان. وهكذا؛ فإما ضاع هذا الرجل من ذاكرة الحي، أو أنه – مثل أي جاسوس جيد – كان يرغب في أن يُنسى. أما في حي ويست إند بالمدينة ذاتها، فتوجد جدارية أخرى ذات طابع وصفي بشكل أكبر، ترسم صورة أكثر وضوحا عن إنجازات ستيفنسون. ومن بين أبرز محتويات هذه اللوحة، صورة لجهاز كتابة الرسائل بالشفرة الذي كان يستخدمه الجيش الألماني في فترة الحكم النازي، وهو الجهاز المعروف باسم "إنغما"، والذي بدا كما لو كان يستخدم شفرة غير قابلة للكسر، ولكن ستيفنسون ساعد في كسر هذه الشفرة. وفي هذا السياق، يقول فينكباينر: " كان ستفنسون خبيرا ومُعلما في مجال التكنولوجيا وناجحا بشكل كبير للغاية في الأعمال التجارية. وقد حصل على براءة اختراع وسيلة لإرسال الصور عبر التلغراف اللاسلكي. كما انخرط في مجال صناعة الصلب، وصناعة السيارات، وعالم الطيران، كما ساعد في تطوير (المقاتلة البريطانية) سبيتفاير، كما كان ستيفنسون من الرعيل الأول من الذين عملوا في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ومن أوائل مديري (إدارة العلاقات العامة) فيها.
كما يُنسب لستيفنسون الفضل في توفير معلومات استخباراتية أدت عام 1943 إلى تنفيذ عملية تدمير محطة فمورك للطاقة الكهرومائية في النرويج خلال فترة الاحتلال النازي لهذا البلد. وقد حال تدمير هذه المحطة، في ما عُرف بعملية "غنر سايد"، دون أن يحصل علماء النازي على الماء الثقيل اللازم لتصنيع قنبلة هيدروجينية، ربما كان سيؤدي امتلاكها إلى تغيير ما آلت إليه الحرب العالمية الثانية تماما. ويُنظر إلى هذه العملية باعتبارها أكثر عمليات التخريب التي نفذها الحلفاء خلال تلك الحرب نجاحا. ويمكن هنا الاستعانة برأي غاري سولار، وهو سكرتير مجموعة "إنترابيد سوسيتي"، التي كرست جهودها للحفاظ على تاريخ ومآثر ستيفنسون وتعزيز مكانته وصورته كأكثر أبناء مدينة وينيبغ الكندية بسالة وجسارة. فبنظر سولار يمكن وضع هذا الرجل على قدم المساواة مع شخصيات مثل "تشرشل وروزفلت فيما يتعلق بالجهود الدؤوبة التي بُذلت لدحر الألمان. فهناك الكثير مما قام بها لإنهاء الحرب في زمن أقل وتقليص الخسائر في الأرواح". وللمساعدة على تخليد ذكرى ما أنجزه ستفنسون، عمل سولار ورئيس الجمعية كريستين ستيفانسون على تسمية جادة "ووتر" في مدينة وينيبغ باسم طريق ويليام ستيفنسون وذلك في عام 2009. وبرغم أن الرجليّن؛ سولار وستيفانسون ينحدران من سلالة هذا الرجل الذي كان يحمل اسما كوديا يُدعى "إنترابيد" (الباسل)، فإن أياً منهما – كما يقول سولار مازحا – لم يُذكر في وصيته.

بوند جاسوس خيالي، بينما يعد وستيفنسون نظيرا له من عالم الواقع

اصطحبني ستيفانسون وسولار بالسيارة إلى مغريغور أرموري، مقر الكتيبة 101 التابعة لقوة المشاة الخفيفة لمدينة وينيبغ والتي التحق بها ستيفنسون عام 1914. ولكن ماذا كان يا ترى رقمه العسكري في فوجه؟ كان يحمل الرقم 700758. وما من دليل يبرهن على أن فلمينغ أقام صلة ما بين الرقم العسكري لستيفنسون وشخصيته المتخيلة جيمس بوند، عندما صاغ الرقم الكودي ذي الطبيعة الأيقونية لبوند وهو 007. ولكن أوجه الشبه بين الأمرين تبدو مثيرة للاهتمام. ويمكن أن يقال ذلك أيضا بالنسبة للحبكة التي اختارها الكاتب لرواية "غولد فينغر"، سابع روايات سلسلة جيمس بوند والتي نُشرت عام 1959. فالمؤامرة المتخيلة التي تحيكها العقول الشريرة في الرواية لاقتحام قلعة "فورت نوكس" التي تحتفظ فيها الولايات المتحدة بالاحتياطي الخاص بها من الذهب، مماثلة للخطة التي وضعها ستيفنسون – ولم تتحقق – لسرقة ما قيمته ثلاثة مليارات دولار أمريكي من احتياطي حكومة فيشي - التي حكمت فرنسا خلال خضوعها للاحتلال النازي – من الذهب، والذي كان مُخزنا في جزيرة مارتينيك، وهي إحدى المستعمرات الفرنسية. وتضمنت جولتنا في وينيبغ، زيارة إلى مبنى "بيلي بيشوب" بقاعدة جناح الجو السابع عشر في المدينة، وذلك لتفقد معرض دائم يضم أكثر من 300 من المقتنيات الخاصة بستيفنسون وذلك برعاية جمعية "إنترابيد سوسيتي".
ومن بين هذه المقتنيات، خطابات من جى إدغار هوفر، أول رئيس لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، ومن الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان، فضلا عن لوحة زيتية لستيفنسون نفسه حاملة اسمه الكودي "رجل يدعى إنترابيد"، بجانب ميداليات منحتها له حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا. وقد رفض الحراس دخولي للقاعدة بعدما عرّفت نفسي بأنني صحفي. ولكن بوسع المدنيين زيارة هذا المعرض ما بين يوميّ الاثنين والجمعة من الساعة التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساءً. أما مكتبة السير ويليام ستيفنسون الواقعة في منطقة نورث وينيبغ، فتضم عددا أقل من مقتنياته، وهي محفوظة في خزانة عرض زجاجية. وهناك أيضا نموذج للمقاتلة البريطانية "سوبويذ كاميل" ذات السطحيّن والمقعد الواحد، والتي قادها ستيفنسون ليُسقط بها 12 من طائرات الأعداء في الحرب (وكان من بينها طائرة لوثر فون ريشتهوفٍن الأخ الأصغر لمانفريد فون ريشتهوفٍن المعروف باسم البارون الأحمر). كما يوجد في هذا المكان نصف دزينة من المؤلفات التي تسرد السيرة الذاتية لستيفنسون. ومن جهته، رفع سولار أحد هذه الكتب ويحمل عنوان "الغرفة 6303" وهو من تأليف إتش مونتغمري هايد. وأشار سولار إلى التمهيد الذي كتبه فلمينغ نفسه للكتاب، والذي تضمن إشارتين شديدتيّ الدلالة. أولى هاتين الإشارتين: وصف فلمينغ لكيفية اعتياد ستيفنسون "إعداد أكثر أخلاط مشروب المارتيني الكحولي قوة وتأثيرا في أمريكا على الإطلاق، وتقديم هذا المشروب في كؤوس يسع كل منها ربع غالون من السائل"، وهو ما يقدم فكرة واضحة بشأن الكيفية التي توصل بها الكاتب إلى تلك الفكرة الخاصة بأن يكون بوند عاشقا للخمر إلى درجة شديدة، وهو ما أصبح من بين الصفات المميزة لهذه الشخصية. أما الإشارة الثانية، والتي جاءت في ختام ذلك التمهيد، فقد شكلت الدليل الحاسم على أن ستيفنسون - الذي توفي في برمودا عام 1989 - كان يشكل جزءا لا يتجزأ من عملية بلورة شخصية العميل السري "جيمس بوند"، التي تشكل محور أكثر سلسلة أفلام استمرارا في التاريخ. وقد اختتم الكاتب تمهيده ذلك بالقول: "جيمس بوند هو نسخة رومانسية للغاية من جاسوس حقيقي. أما الأمر الحقيقي، فهو ويليام ستيفنسون".
عاجل
مسؤول إعلامي في جماعة الحوثي: صاروخ يمني وصل إلى إسرائيل بعد فشل محاولات اعتراضه
القناة 12: الدفاعات الجوية أخفقت في اعتراض صاروخ مصدره اليمن سقط في منطقة غير مأهولة قرب المطار وسط إسرائيل