منذ 9 سنوات
كيف غيرت القنبلة الذرية كل شيء من حولنا؟
حجم الخط
شبكة وتر - ألقت هموم العصر النووي بظلالها على صناعة السينما، والتلفزيون، والموسيقى، والآداب. وقد توصل الفنانون إلى استجابات خلاقة تعكس رؤيتهم لشبح الدمار الناجم.
كان "إتش جي ويلز" أول من تصور القنبلة الذرية وأعطاها هذا الاسم في رواية نشرت عام 1914 بعنوان "إطلاق سراح العالم". وقد تصور ويلز قنبلة يدوية مصنوعة من اليورانيوم يمكنها الانفجار المستمر بلا نهاية.
وربما أخطأ ويلز في تصور حجم القنبلة وشكلها، لكنها أصبحت واقعاً خلال حياته، أي بعد 30 عاماً من نشره هذه الرواية، بعد أن بدأ الحديث عن قوة القنبلة الذرية يسري في الثقافة الشعبية.
في اليابان حيث أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على كل من هيروشيما وناجازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية، أيقظت الطاقة الذرية كثيراً من الأعمال التي تأثرت بالحقيقة المرعبة المتمثلة في وجود قنابل ذرية.
فيلم جودزيلا الأصلي الذي أنتج عام 1954، صور حادثة حقيقية عندما اشتكى طاقم سفينة صيد يابانية من إشعاع نتج عقب اختبار قنبلة في المحيط الهادي.
وبدت العاصفة النارية التي هبت على طوكيو في ذلك الفيلم وكأنها توثيق لحدث وقع فعلاً وليس مجرد خيال. في العام نفسه أطلقت هوليوود فيلم "Them" والذي أدى اختبار قنبلة فيه إلى انطلاق نمل مشع يجتاح مدينة لوس أنجليس.
الطفرة الثقافية في الفن والأدب التي سببها الإشعاع تسربت إلى الخيال الشعبي. ففي رواية "الرجل المنكمش" التي ألفها ريتشارد ماثيسون، جاء التحول نتيجة التعامل مع ضباب مشع غامض ظهر في البحر، وأصبح يمثل شرحاً معقداً للمخاوف التي سادت بعد الحرب حول الهوية الذكورية، حيث تحول البطل ليعيش في بيت للدمى والألعاب.
لكن في أميركا أثناء الحرب الباردة، على عكس اليابان، كثيرا ما أدى الإشعاع إلى وجود أبطال خارقين أكثر من إفرازه لوحوش، وقد جاء التعبير عن ذلك بوضوح في بعض الأفلام، مثل فيلم "الهيكل المدهش" حيث يتعرض أحد العلماء إلى أشعة جاما خلال اختبار قنبلة، وكذلك فيلم "سبايدر مان" الذي يتعرض فيه البطل للدغه عنكبوت مشع. وقد صدر كلا الفيلمين في عام 1962.
أما بالنسبة لفيلم "فانتاستك فور" لعام 1961 فقد كانت أشعة كونية قد انفجرت داخل الصاروخ الذي كان يسابق الشيوعيين في الفضاء، بينما فيلم "إكس- من" لعام 1963 فهو يبرز مفهوم الطفرة كنوع من حركات التحرر الشبابية.
بريطانيا والقنبلة
في أدب الخيال العلمي، خاصة في بريطانيا، حيث تم تصور القنبلة الذرية لأول مرة، كانت الرؤية سوداوية منذ البداية. ففي رواية "الشرنقة" لعام 1955، تخيل الكاتب جون ويدهام العودة إلى خرافات القرون الوسطى بعد حرب نووية وملاحقة يميزها جنون العظمة لاجتثاث الساحرات.
أما السينما البريطانية في فترة ما بعد الحرب، فقد عالجت المشاكل الأخلاقية لعصر الذرة. ففي فيلم "سبعة أيام باقية حتى الظهيرة"، يصاب عالم أسلحة ذرية بريطاني بالجنون بسبب الأهوال التي تسببت بها طاقة ساهم هو في إطلاقها، ويهدد بالتبرع بجهاز مسروق في وسط لندن إذا لم تغلق الحكومة برنامجها للأسلحة الذرية.
يستخدم الفيلم أسلوبا واقعيا يشبه السرد الوثائقي، ويعرض إخلاءً شاملاً لمدينة لندن من سكانها تحسباً لوقوع الانفجار. لقد تميزت السينما العالمية بعد أهوال الحرب العالمية الثانية برغبة في مواجهة احتمال وقوع إبادة جماعية.
يوثق فيلم "اليوم الذي اشتعلت فيه الأرض" لمخرجه فال غيست عام 1954 الانقسام الواقع في المجتمع والبيئة تجاه الاختبارات النووية التي تؤدي إلى انحراف الأرض عن محورها، واندفاع البشرية نحو الموت بسبب التغير المناخي المتسارع.
حتى الدراما المتعلقة بالفضاء الخارجي وليس القنابل، مثل فيلم "عندما تتصادم العوالم" لمخرجه جورج بال عام 1951، أو أفلام ومسلسلات "كوترماس" (نسبة لعالم الفضاء البريطاني الرائد برنارد كوترماس)، تتعرض في الحقيقة للنتائج الكارثية لهذه القوة الجديدة.
وقد أضاف بال القنبلة إلى فيلمه "آلة الزمن" لعام 1960، ليشهد فيلم "المسافر" حربا نووية عام 1966. أما فيلم "دكتور سترانجيلوف" لمخرجه ستانلي كوبريك فما زال مثيراً للقلق.
حتى برنامج "إد سوليفان شو" الذي عرض فيلماً للصور المتحركة عن دمار نووي في عام 1956 مرتين خلال أسبوعين، أدى إلى إصابة أجيال من الأطفال الذين شاهدوه بالألم والصدمة.
نظرة متفائلة
التفاؤل بوجود الطاقة الذرية يتعايش مع الخوف من تلك القنبلة. بعض كتب الأطفال أو الكارتون مثل "نسر في المملكة المتحدة" يمجد الإمكانات التقنية المستقبلية للقنبلة الذرية. فالطاقة الذرية ستستعمل لتشغيل سياراتنا وسفن الفضاء، تماما كما انبثقت فكرة إرسال سفن فضاء مأهولة من السباق التكنولوجي لبناء القنبلة الذرية.
في التصميمم الداخلي للبيوت والمباني، والملابس والأثاث، كنا نلاحظ في أواسط القرن الماضي رسومات تظهر كرات ذرية ملونة بألوان زاهية، حتى الأزياء غير الرسمية حملت رسوماً تظهر القنبلة الذرية. ملابس البحر "البكيني" نفسها تمت تسميتها بهذا الاسم على اسم الجزيرة المرجانية في المحيط الهادي التي استخدمت كمكان للاختبارات النووية.
وكانت شقراوات هيتشكوك يمثلن رموز الجنس الأنثوية خلال الخمسينيات، ناهيك عن جين مانسفيلد، ومارلين مونرو اللاتي ارتدين حمالات صدر على شكل صاروخ، وكأن الإغراء الجنسي المتبادل كان تجسيدا لسباق التسلح.
ولو أن صورة واحدة قدر لها أن تغير تخيلنا من أساسه بشأن القنبلة الذرية، فهي تلك الصورة التي تتخذ شكل الأكمة أو القمع المقلوب، التي ترتفع بفعل ذلك التفجير الأول، والتي ترسخت في أعماق ذاكرتنا الاجتماعية.
فهذه الصورة وجدت على غلاف الألبوم الغنائي The Atomic Count Basie عام 1958، وهي صورة تمثل كابوساً للأمريكيين، ورمزاً أصيلاً مثل مارلين مونرو، أو زجاجة الكوكاكولا.
وكانت القنبلة هي الملهم لحركات فنية بكاملها مثل فن التدمير التلقائي لغوستاف ميتزغار، الذي استخدم الغاز لكي يتآكل خلال عمليتي التكوين والبناء. كذلك نجد لوحات الأكشن لجاكسون بولوك، والتي كانت كما قال هو نفسه: "عرض مشهود للطاقة والحركة" في أحد الأمثلة، حيث يمكن للفنان المعاصر أن يعبر عن عصر القنبلة الذرية بالأشكال القديمة في أي ثقافة ماضية.
في أواخر الستينيات، بدأ توني برايس في جمع مواد ألقتها معامل "لوس الاموس" ليستخدمها في تكوين أعماله الفنية قائلاً: "خردة لوس ألاموس تعتبر فناً خالصاً في حد ذاتها طالما كنت تتعامل مع مبدأ الفيزياء النووية".
الإقبال على الخوف
كثير من الأفلام والكتب تخيلت العالم في مرحلة ما بعد الحروب النووية، أحياناً بنظام عالمي جديد نظيف يرتدي حلة بيضاء. ربما يقع اللوم في ذلك على إتش جي ويلز الذي وضع أساس هذه النظرة المستقبلية من خلال كتابه وفيلمه "أشياء قادمة".
أعمال أخرى ركزت على العيش النكد مثل فيلم "ماد ماكس". باستطاعتنا القول إن أكثر فيلم لم يأخذ حقه في التقدير والشهرة من الأفلام التي تحدثت عن القنبلة الذرية هو فيلم "أسفل كوكب القردة" لعام 1970، والذي يعثر فيه رجال فضاء من وكالة ناسا على قبيلة من الناجين في أجزاء من مانهاتن لم يصبها الإشعاع، ويعبد أفرادها القنبلة الذرية نفسها.
في السبعينيات والثمانينيات، تلاشى التفاؤل الذي ساد خلال عقد الخمسينيات. وساد الخوف من وقوع حادث نووي، كما انعكس ذلك في مرحلة ما بعد فضيحة "ووترغيت" من خلال فيلم "ذا تشاينا سايندروم" (متلازمة الصين) لعام 1979 والذي سبق باثني عشر يوماً اإطلاق فيلم "كارثة جزيرة على بعد ثلاثة أميال"، وكذلك فيلم "سيلك وود" عام 1983.
وبينما تنامى صراع القوى بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، تسلل كابوس القنابل الذرية إلى أفلام وقصص الأطفال. فقد تناول فيلم "عندما تهب الرياح" قصة زوجين عجوزين يتساقط شعرهما، وكذلك أسنانهما نتيجة انفجار قنبلة ذرية.
أما فيما يتعلق بالموسيقى الشعبية، فإنه من العسير على الفتية المعاصرين تفهم مدى قوة تأثير فيديوهات الموسيقى الشعبية مثل Blondie’s Atomic لعام 1979 الذي أظهر عالما من الكائنات غير المشعة ترقص في أعقاب وقوع حرب نووية.
كما كان هناك صعود للدراما الواقعية عن كيفية احتمال وقوع الحرب. من أمثلة ذلك فيلم "خيوط" في بريطانيا عام 1984، وفيلم "يوم القيامة" لعام 1983 في الولايات المتحدة. حتى فيلم المراهقين "ألعاب الحرب" عام 1985 لماثيو بروديريك، والذي كان جذاباً حقا، يعتمد على الخوف من هجوم نووي يقع في أي لحظة.
وبحلول عام 1994، بدأنا نشهد تراجعا في الخوف من القنبلة الذرية. فبعد أربع سنوات من سقوط الاتحاد السوفيتي، فجر جيمز كاميرون قنبلة نووية في خلفية فيلم "أكاذيب حقيقية"، بينما كان أرنولد شوارزنيجر وجايمي لي كارتيس يغرقان في القبلات.
بدا ذلك المشهد وكأنه يرمز متعمداً للملصق الذي كان يحمل عنوان فيلم "ذهب مع الريح"، والذي يحاكي بطريقة ساخرة شخصيات مثل مارغريت تاتشر، ورونالد ريغان، وهو الملصق الذي أصبح شعاراً للحركة المناهضة للأسلحة النووية. إنها لحظة صادمة في تلقائيتها وعدم تكلفها.
وبينما كان الأشرار الذين يحملون قنابل ذرية لوقت طويل مجرد خيال، (كما في فيلم ميكي سبيلان بعنوان "قبلني بشدة"، إلى فيلم ميليسا مكارثي "الجاسوسة"، الذي يعرض حالياً)، ربما يتمثل الرعب الأكبر حاليا في حقيقة أننا نسينا أن نخاف.
المصدر: "BBC"