منذ 8 سنوات
محمد أبو الرب: السجن والذل لا يجتمعان!
حجم الخط
شبكة وتر-"بقلم:شذا حنايشة" صور معلقة على الحائط وأخرى في أحضان أم الأسير محمد أبو الرب وما إن تمر لحظات على جلوسك في تلك الغرفة حتى تشرع أمه على الرغم من ذاكرتها الضعيفة تحدثك عن هذه الصور صورة صورة، شارحة كل تفاصيلها، متى التقطت وكيف وماذا حدث أثناء التقاطها.
محمد أبو الرب (37 عاما) من بلدة قباطية قضاء جنين، الملقب بـ “التيّع”، محكوم بالسجن لـ (33 عاما)، عزلته إدارة سجون الاحتلال ثلاثة أشهر متتالية خرج منها قبل أيام فقط.
“لم أكن أنام وهو معزول، على الأقل عندما يكون مع الشباب أرتاح قليلا أنه ليس وحده، يتحدث مع أحد، يوم ما خرج من العزل ارتحنا، ولكن من جديد قالوا لنا أنه ممنوع عنه الزيارة، يعني 7 شهور لن أراه فيها ولن نفرح بتصاريحنا، ولكن عادي المهم يكون بخير”، تقول أم محمد.
يذكر نادي الأسير أن 16 أسيرا يقبعون في العزل الانفرادي، ومحمد واحد منهم، حيث حكم عليه بالعزل مدة ستة أشهر مع إمكانية التمديد بحجة تحريض الأسرى على الاحتلال، أمضى منها ثلاثة شهور ثم أخرج بعد اعتراضات الأسرى ورفع طلب من النادي للمحكمة، واليوم محمد ممنوع عنه زيارة أهله لمدة ثلاثة شهور دون أي سبب واضح، وفقا لما قالته لنا أخته عبير.
وعن ظروف العزل تقول عبير، إن محامية محمد أخبرتهم أنه يعيش في غرفة مريحة مع تلفاز ومروحة و “بلاطة” يطبخ عليها، ولكن فيما بعد اتضح للعائلة انه كان يعيش في غرفة صغيرة جدا وفارغة تشبه البئر، ويخرج مقيدا لمدة ساعة واحدة لـ”الفورة” كل 24 ساعة.
تذهب عيون أم محمد إلى الصورة التي بين يديها، تراقب ملامح وجهه، وتقول: “يقولون أنه يشكل خطر على إسرائيل، ويحرض الشباب عليهم، ماذا يعمل، خائفين منه وهو عندهم”، تمنع دمعة من السقوط من عينيها وتكمل قائلة، “الله على الظالم هذا ما أقوله فقط”.
تخبرنا عن تفاصيل التقاط هذه الصور، حيث يسمح الاحتلال لوالدة محمد ووالده (فوق الـ 60 عاما) بأخذ صورة معه كل 5 سنوات، تقول: “تصورنا معه 3 مرات، أنتظر الدقيقتين على أحر من الجمر، لاحتضنه وأبوسه على أمل أشبع منه، بس دقيقتين شو بدهن يعملن؟!”.
وعلى الرغم من نسيان أم محمد للكثير من الأحداث، إلا أنها لم تنسَ تفاصيل حياة ابنها قبل السجن، ما كان يحب وما يكره وكيف كان يمضي أيامه، وتقول: “كان مطلوب للاحتلال، لم نكن ننام الليل من قلقنا وخوفنا عليه، بأي منزل وأي شارع، كيف ينام تحت المطر وفي البرد، والحمدلله مسجون ولا مقتول، وحيد اخواته وسندهن، المهم أشوفه بعيوني”.
تسرح بخيالها قليلا وتضيف، “كان يحب الدوالي والكوسا واللبن، بعد سجنه قعدنا سنوات لا نطبخ ما يحب، واليوم في كل مرة أطبخ أكله يحبها أسأل حالي كيف سنأكل بدون محمد؟!.. الي مر علينا ما مر على حدا”.
أمضى محمد في سجون الاحتلال من محكوميته (13 عاما) متنقلا ما بين السجون المركزية للاحتلال، “محمد محبوب من الأسرى مكروه من الاحتلال، علاقته جيدة مع زملاؤه ومشكلجي مع سجانه، وما إن يذهب إلى سجن حتى يصبح قدوة لسجناء آخرين وصديق لهم جميعا، ما يدفعهم لنقله إلى سجن آخر وهكذا”، تقول عبير.
وتضيف أن أمه وأخواته يطلبن منه في كل مرة التصرف بهدوء وتجنب أي مشادات مع السجانين، فيرد قائلا: “سجن وذل معا لا يجتمعان، مسجون مسجون ولا يستطيعون أن يفعلوا لي أكثر من هذا”.
“أم محمد” التي تفخر بابنها وتعتبره الرمز الوطني الوحيد في حياتها، تقول إن جميع السجناء الذين يخرجون يحبونه ويأتون من كل مكان ليسلموا على أهله، ويخبرونها عنه وعن مواقفه الرجولية في السجن، “من يحبه الله المخلوق يحبه، المعظم يعرفه، الناس يتصلون بنا من كل مكان من الخليل والقدس وطولكرم، يقولون لنا عن التيّع ويوصلون سلاماته، الحمدلله رافعين روسنا به”.
تمشي بنا أم محمد في أرجاء حديقتها ومنزلها، لنلتقط لها صورا عل محمد يراها فيفرح، على الرغم من أننا قلنا لها مرات عديدة أنه لن يستطيع رؤيتها، ولكن ما إن وصلت إلى شجرة التفاح الصغيرة حتى نسيت ما قلنا لها فقالت: “ما تصوروني عند شجرة التفاح، حرام بلاش ييجي في باله”.
هكذا هي حياة الأسير وأهله ما بين ذكريات أليمة وواقع صعب، تكبر الأم وذاكرتها والعائلة والسجين أيضا، لتبقى ملامحه معلقة في آخر صورة التقطت له، وتبقى يديه ملتصقة بجسد أمه وأبيه على أمل قبلة أخرى وحضن آخر، لدقيقتين تجمعهم بعد خمس سنوات في صورة تعيش معهم إلى الأبد.
المصدر:
شبكة قدس الاخبارية