منذ 11 سنة
آلام الظهر: أسبابها وسُبل علاجها
حجم الخط
شبكة وتر - تُعد آلام الظهر من أكثر المتاعب الشائعة في وقتنا الحالي بسبب أسلوب الحياة السائد في العصر الحديث، والذي تطول خلاله فترات الجلوس ويتراجع به معدل ممارسة الرياضة ويزداد فيه الضغط العصبي. وصحيح أن هناك العديد من السُبل العلاجية للتخفيف من هذه المتاعب كجلسات التدليك مثلاً أو الحقن المسكنة أو الوخز بالإبر الصينية، إلا أنه من الأفضل أن يتم الوقاية منها من الأساس من خلال ممارسة الرياضة والأنشطة الحركية المتنوعة.
وأوضح إنغو فروبوزه من المركز الصحي التابع للجامعة الرياضية الألمانية بمدينة كولونيا، أن العمود الفقري يندرج ضمن أكثر مناطق الجسم التي يتم إجهادها والتحميل عليها بشكل خاطئ بفعل أسلوب الحياة المتبع في عصرنا الحالي، ما أدى إلى زيادة أعداد الإصابة بالانزلاق الغضروفي واللومباغو (آلام أسفل الظهر) ونوبات الألم المفاجئة في الظهر. وأضاف فروبوزه :"تتشابه أسباب الإصابة بآلام الظهر لدى جميع الأشخاص تقريباً؛ حيث غالباً ما تنتج عن قلة ممارسة الأنشطة الحركية وعدم تدريب العضلات بشكل كاف والمعاناة من الضغط العصبي وغيره من المتاعب النفسية المقترنة بسمات عصرنا الحديث". أسلوب الحياة : وأكدّ الطبيب الألماني أن هذه المتاعب أصبحت لا تقتصر على كبار السن فقط، إنما تُصيب الشباب والموظفين في بداية حياتهم، بل وتطول الأطفال الصغار أيضاً. وأوضح فروبوزه أن إصابة الأطفال الصغار بآلام الظهر تنتج أيضاً عن أسلوب الحياة في عصرنا الحالي؛ فإذا لم يتجاوز معدل مشي الطفل 900 متر في اليوم وقضى أربع ساعات يومياً أمام الكمبيوتر والتلفاز، ستكون إصابته بآلام الظهر نتيجة حتمية لذلك. وأردف فروبوزه أن ظهر الإنسان بما يحتويه من عضلات وأوتار وأربطة و24 فقرة متحركة بالعمود الفقري عبارة عن جهاز ثابت ومصد مرن لامتصاص الصدمات في الوقت نفسه. لذا يحتاج دائماً لأشكال متنوعة من الحركة والتحميل، وإلا تُصاب بعض الأجزاء الأساسية منه بالضمور والضعف، ما يؤدي إلى الشعور بالألم. ويلتقط هنا البروفيسور الألماني ديتريش غرونيماير، أخصائي أمراض الظهر بجامعة فيتن هيردكه طرف الحديث، موضحاً أن الإصابة بآلام الظهر هذه تُعد مؤشراً تحذيرياً من الجسم، مع العلم بأنها قد تُعزى إلى أسباب عضوية بحتة، كأن تُشير مثلاً إلى تردي حالة الغضاريف أو إلى ضعف العظام أو العضلات. وأردف غرونيماير أن آلام الظهر يُمكن أن تُمثل أيضاً أحد الأعراض النفسجسدية، التي تُشير إلى تعرض الإنسان لبعض المتاعب النفسية؛ حيث تنعكس الإصابة بالضغط العصبي في صورة إصابة بتشنجات في عضلات الجسم تتسبب في اضطراب الحركات الطبيعية بين العمود الفقري والعضلات الداعمة له، ما يؤدي إلى الشعور بالألم في الظهر. وأوضح البروفيسور الألماني هارتموت غوبل من عيادة علاج الآلام بمدينة كييل، أن آلام الظهر تُمثل مشكلة مجهولة الأسباب في كثير من الأحيان بالنسبة للأطباء؛ حيث غالباً لا تُساعد صور أشعة إكس في استيضاح سببها، لاسيما إذا ما كانت ترجع إلى مشاكل نفسية، مع العلم بأنه لا يتم التحقق من أن الإصابة بآلام الظهر تُعزى إلى أسباب جسمانية إلا لدى 10 إلى 20 % فقط من المرضى. لذا أوصى غوبل الأطباء بفحص جميع العوامل الممكنة للإصابة بآلام الظهر، والتي يندرج من بينها الجوانب العاطفية والاجتماعية والسلوكية كالوقوع تحت ضغط عصبي أو الإصابة باكتئاب أو التعرض لإجهاد زائد في العمل أو مواجهة مشاكل مع الأسرة أو الأصدقاء. أنشطة حركية : وللوقاية من آلام الظهر، أكدّ البروفيسور الألماني غرونيماير أن ممارسة الأنشطة الحركية تُعد الوسيلة الأنسب لتجنب ذلك؛ حيث يعمل المشي والجري والانحناء واللف وممارسة تمارين التمدد والإطالة على تحريك العمود الفقري بشكل جيد وإفادة الجسم عموماً، لافتاً إلى أن هذه الأنشطة الحركية تتناسب مع جميع الفئات العمرية. كما أوصى غرونيماير بضرورة استغلال كل فرصة سانحة للتحرك؛ حيث يُفضل مثلاً صعود الدرج بدلاً من استخدام المصعد الكهربائي وكذلك ترك السيارة من آن لآخر واستخدام الدراجة وكذلك ممارسة بعض الأنشطة الحركية في أوقات الفراغ لتدريب العظام المجهدة. وبذلك يُمكن تجنب الكثير من نوبات آلام الظهر المفاجئة. ولعلاج آلام الظهر، أوصت الرابطة الألمانية لعلاج الأمراض الروماتيزمية باستخدام بعض الوسائل المنزلية البسيطة كاستخدام زجاجة مياه دافئة مع تناول أحد مسكنات الألم؛ حيث يُساعد ذلك على التخفيف من حدة الألم بشكل سريع. وأردفت الرابطة أنه عادةً ما يختفي الشعور بآلام الظهر بعد مرور بضعة أيام في الحالات المرضية البسيطة، لافتةً إلى أن ما يقرب من 90% من حالات الإصابة بآلام الظهر تتلاشى في غضون 6 أسابيع بغض النظر عن نوعية العلاج، الذي يتم تلقيه. وعلى عكس النصائح القديمة، التي كانت تحث المرضى على الراحة وعدم التحرك عند الإصابة بآلام الظهر، ينصح الأطباء في وقتنا الحالي بممارسة الحركة؛ لأنهم أدركوا أن العمود الفقري بما يحتويه من عضلات وأربطة ومفاصل في حاجة دائمة لذلك. ويلتقط أخصائي علاج أمراض الظهر غرونيماير طرف الحديث من جديد، موضحاً أنه غالباً ما يُوصي الأطباء مرضاهم في وقتنا الحالي بالخضوع لجلسات تدليك وأخذ حقن أو أدوية مسكنة للألم، لافتاً إلى أنهم أصبحوا يميلون أيضاً لاستخدام العلاج الطبيعي بشكل كبير. وأردف غرونيماير أن الخضوع لتقنية العلاج الصيني التقليدي بالوخز بالإبر تُثمر عن نتائج فعّالة في علاج آلام الظهر أيضاً، مستنداً في ذلك إلى نتائج الدراسات التي أثبتت أن إتباع هذه التقنية العلاجية يُحقق نجاحاً أكبر من إتباع كل الوسائل العلاجية الأخرى. تنوع العلاج : ويشددّ غرونيماير على ضرورة استخدام مجموعة متنوعة من التقنيات العلاجية، قائلاً :"يجب أن يشتمل العلاج على جلسات التدليك والعلاج بالوخز بالإبر وممارسة اليوغا والتاي تشي والتشي كونغ وكذلك الخضوع لتدريبات تحفيز الشعور بالذات وإتباع تقنية فيلدنكرايز، إلى جانب الذهاب أيضاً إلى صالة لياقة بدنية موثوق فيها". وأضاف الطبيب الألماني :"ينبغي على المرضى الاعتماد على أنفسهم واستغلال جميع الإمكانات المتاحة أمامهم لعلاج التشنجات العضلية التي يشعرون بها في ظهرهم، أي أنه يتوجب عليهم ألا يستسلموا للرغبة في الراحة نتيجة شعورهم بالألم، إنما ينبغي عليهم التحرك وممارسة بعض تمارين الإطالة لمواجهة ذلك". ويحذّر أخصائي علاج آلام الظهر الألماني مارتن ماريانوفيتس من التسرع في الخضوع لجراحة في الظهر؛ حيث غالباً ما تعود المتاعب والآلام من جديد لدى الكثير من المرضى بعد إجراء جراحة الانزلاق الغضروفي مثلاً، مؤكداً أن التحلي بالصبر وترك الأمور على طبيعتها دون تدخل جراحي يُعدان أهم مقومات لعلاج الانزلاق الغضروفي؛ حيث ثبت أن 90% من حالات الإصابة بالانزلاق الغضروفي تشفى من تلقاء نفسها مع مرور الوقت. وحتى إذا أمر الطبيب المريض بالخضوع للجراحة، ينصح ماريانوفيتس حينئذٍ، قائلاً :"عادةً ما نوصي المرضى في مثل هذه الحالات باستشارة طبيب آخر لمعرفة رأيه في الحالة بشكل عام، ذلك كي يتسنى للمرضى تجنب الخضوع لجراحة دون داع".