استقالة فياض تفتح معركة خلافة الرئيس عباس على مصراعيها
شبكة وتر - رام الله - فتحت استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض الباب على مصراعيه أمام معركة خلافة الرئيس محمود عباس البالغ من العمر 78 عاماً، والذي يؤكد أنه لن يرشح نفسه في أي انتخابات عامة مقبلة.
وتتركز المعركة بصورة لافتة في حركة "فتح" التي لم تنجح لجنتها المركزية في الاتفاق على نائب للرئيس ليكون خليفة له في الانتخابات المقبلة. وظهرت خلافات واضحة بين أعضاء اللجنة المركزية للحركة فور استقالة فياض على من يتولى المنصب من بعده. وبحسب مسؤولين في الحركة، فإن بعض أعضاء اللجنة المركزية يطالب بأن يكون رئيس الوزراء المقبل من اللجنة، فيما يرى البعض الآخر أن الافضل أن يكون من الحركة، لكن من خارج أعضاء اللجنة. ويعزى ذلك الى صعوبة الاتفاق بين اعضاء اللجنة على أحد أعضائها لتولي المنصب الذي سيمهد له الترشح لخلافة عباس. وبحسب المصادر نفسها، يرى البعض أن الأفضل للحركة أن يكون رئيس الوزراء مستقلاً، على حد وصف تحليل لصحيفة "الحياة" الصادرة في لندن اليوم السبت.
وقال عدد من قادة الحركة ان أعضاء اللجنة المركزية يختلفون على مواصفات رئيس الوزراء، حتى لو اتفقوا على موقعه من داخل اللجنة أو خارجها أو من المستقلين، فكثير من أعضاء اللجنة يرى في نفسه مؤهلاً لقيادة الحكومة، وثمة منهم من يرشح شخصية مستقلة لكنها مقربة منه، الأمر الذي يعتبره خصومه في الحركة محاولة منه لقيادة الحكومة من الموقع الخلفي. ويصل الخلاف في وجهات نظر أعضاء اللجنة المركزية على مواصفات رئيس الحكومة وموقعه الى درجة لا تقل عن درجة الخلاف مع فياض الذي رأى فيه غالبيتهم تحدياً كبيراً نظراً لما تمتع به من مكانة دولية رفيعة.
ويجعل الخلاف بين أعضاء اللجنة المركزية مهمة الرئيس عباس في اختيار رئيس وزرائه بالغة الصعوبة. ويرى كثير من المراقبين والمطلعين أن الخيار الأفضل للرئيس، في هذه الحالة، هو اختيار شخصية ضعيفة غير اشكالية قريبة منه شخصياً ولا تشكل أي تحد له ولقيادة الحركة. لكن خياراً من هذا النوع ربما يترك نتائج معاكسة لأن رئيس الوزراء الجديد سيأتي بديلاً لرئيس وزراء قوي "ملأ الدنيا وشغل الناس". فرئيس الوزراء المستقيل قدم مبادرات محلية ووطنية جعلته لفترة طويلة في صدارة المرشحين لخلافة الرئيس. أولى مبادراته كانت اصلاح النظام المالي للسلطة الفلسطينية على نحو جعله الافضل من بين دول المنطقة، وفق تقارير البنك الدولي. وفي هذا الصدد، أشار تقرير "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة" (أمان)، وهو مؤسسة فلسطينية غير حكومية تراقب الفساد، الاسبوع الماضي، الى أن مشكلات الفساد المالي أو الاداري في السلطة قائمة في المؤسسات غير الخاضعة لرقابة الحكومة، مطالباً بالاسراع في ضمها الى الرقابة الحكومية. وقال وزير العدل علي مهنا لـ "الحياة" تعقيباً على التقرير ان النظام المالي للسلطة لا يتيح لأي مسؤول، حتى لو كان وزيراً، الوصول الى المال العام.
أما ثاني مبادرات فياض المحلية فكانت القضاء على الانفلات الامني واعادة بناء اجهزة الامن التي تعرضت الى تدمير واسع خلال سنوات الانتفاضة. وعلى المستوى الوطني، قدم فياض مبادرته لبناء مؤسسات الدولة، وهو عامل حظي بإشادة دولية، ولعب دوراً في الحصول على اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة غير عضو، وفق ما جاء في نص القرار. وقدم أيضا مبادرة للمصالحة ظهرت فكرتها الرئيسة في جميع المبادرات والاتفاقات التالية، وهي التقاسم الأمني القائم على الاعتراف بدور أجهزة الامن التابعة لحكومة حركة "حماس" في ادارة أمن القطاع في المرحلة المقبلة، في مقابل ادارة اجهزة الامن التابعة للسلطة للامن في الضفة الغربية.
وبعد مضي أكثر من اسبوعين على استقالة فياض، لم تظهر أي اشارات الى قرب اختيار خليفة له. ويرى مراقبون أن السيناريو المفضل للرئيس عباس في هذه المرحلة هو ابقاء فياض رئيساً لحكومة تسيير الاعمال لفترة طويلة مقبلة تتضح خلالها امكان تشكيل حكومة مصالحة. واستبعد الدكتور غسان الخطيب الذي عمل ناطقاً لحكومة فياض لسنوات، أن يقبل فياض ذلك لسببين: "الاول هو أن ذلك سيلحق ضرراً فادحاً بصدقيته، والثاني هو أن أسباب استقالته ما زالت قائمة".
ومثلت استقالة فياض ذروة المعركة على خلافة الرئيس عباس. ويرى كثير من المراقبين أن فياض الذي تعرض الى حملة واسعة من عدد من قيادات "فتح" لقطع الطريق على خلافته للرئيس من موقعه رئيساً للوزراء، سيعود الى التنافس من موقع آخر هو الشارع والانتخابات. وتظهر الاشارات المقبلة من فياض أنه سيتجه الى البناء على تجربته في الحكومة التي كرسته لاعباً رئيساً في السلطة بعد الرئيس عباس.
ويعتمد فياض على شبكة من علاقات العمل السياسي التي أقامها مع ناشطي المقاومة الشعبية والمناطق المهمشة في انحاء الضفة. وكان وجّه قبل أيام شكره، عبر صفحته على موقع "فايسبوك"، الى جميع الناشطين الذين عملوا معه واستقبلوه في المناطق المهمشة التي تتعرض الى حملات الاستيطان وهدم المباني واقتلاع الاشجار، وفي ذلك اشارة الى القوى والافراد والهيئات التي سيخوض تجربته السياسية المقبلة معها. كما أشار فياض في حديثة الاسبوعي الأخير للجمهور الفلسطيني كرئيس للوزراء، الى انه سيعمل في المرحلة المقبلة من أجل اجراء انتخابات عامة تحقق هدفين: الاول هو إعادة الوحدة بين شطري الوطن المنقسم، والثاني إحياء دور البرلمان في المساءلة.
وتزايدت في السنة الأخيرة المطالب الشعبية لإجراء الانتخابات بعد تضاعف فترات بقاء كبار المسؤولين في السلطة في مواقعهم من دون تغيير. فالرئيس عباس مضى عليه في موقع الرئاسة ثماني سنوات، علماً أن فترة ولايته هي أربع سنوات بموجب النظام الأساسي للسلطة. ورئيس الوزراء في غزة اسماعيل هنية مضى عليه في الموقع سبع سنوات، وكذلك الامر بالنسبة الى أعضاء البرلمان، علماً أن فترتهم القانونية هي أربع سنوات. كما ان فياض المستقيل بقي رئيساً للحكومة نحو ست سنوات من دون تغيير.
وأشاعت الانتخابات التي شهدتها الجامعات في الضفة في الشهرين الأخيرين اجواء دافعة نحو إجراء الانتخابات، ما يجعل من الخلاف بين حركتي "فتح" و"حماس" على موعد الانتخابات وكيفية اجرائها، أمراً محرجاً للحركتين المتصارعتين على السلطة.