تاريخ النشر: 2016-07-14 17:41:27

بنيامين نتانياهو ومبادرة السلام العربية

بنيامين نتانياهو ومبادرة السلام العربية
شبكة وتر-- (بقلم :هنري سغمان )في 31 أيار (مايو) الماضي حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على تنويه من المجتمع الدولي، وأغضب الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل عندما أعلن أن مبادرة السلام العربية الصادرة في العام 2002 هي أساس لاستئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين.     وخلال اجتماع مغلق مع وزراء حكومته في 11 حزيران (يونيو)، عاد ليطمئنهم بأن «إسرائيل لن تقبل مطلقاً بمبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات. ولا بد (للدول العربية) أن تفهم بأن عليها أن تراجع اقتراح جامعة الدول العربية بالاستناد إلى التغييرات التي تطالب بها إسرائيل».     هذه الأحداث المؤسفة هي خير مثال على المراوغة والخداع في قلب «ديبلوماسية السلام»، التي بقي نتانياهو يعتمدها خلال أربعة عهود له كرئيس للوزراء في إسرائيل، حيث نجح في تعزيز مكانة القوميين المتشددين دينياً واليمينيين الكارهين للأجانب   وأظهر دعمه في العلن والخفاء لتوسيع المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية، وحظي حتى بدعم الكونغرس الأميركي وإحدى المنظمات اليهودية الأميركية الضيقة الأفق عبر زعمه بأن الرفض الذي لاقاه من الفلسطينيين والعرب هو الذي أحبط التزامه بحل الدولتين.     بالتالي، ما التغييرات المحددة التي يطالب بها نتانياهو الآن على مبادرة السلام؟ إن جل ما يريده هو أن يعتقد العالم أن مبادرة السلام المذكورة تتطلب انسحاباً كاملاً من الأراضي التي احتلتها إسرائيل شرق القدس، ومن كامل الضفة الغربية، إلى جانب الانسحاب من جميع المستوطنات الإسرائيلية الواقعة شرق خط الهدنة السابق للعام 1967.       ولطالما أصر نتانياهو على أن هذا المطلب يتعارض مع المبادرة التي طرحها الرئيس جورج بوش الابن على أرييل شارون (في 14 نيسان - أبريل) 2004)، وتفيد بأن الولايات المتحدة ستدعم إبقاء إسرائيل على عدد من المستوطنات خلف خط 1967.     بيد أن هذه المزاعم كلها لا تمت إلى الواقع بأي صلة على الإطلاق. وأعرف ذلك لأنني شاركت شخصياً على امتداد سنوات في المفاوضات التي جرت بين واضِع ما بات يُعرف باسم مبادرة السلام العربية، المغفور له ولي العهد (ولاحقاً الملك) عبدالله بن عبدالعزيز من جهة، وبين وزارة الخارجية الأميركية من جهة أخرى. وخلال المفاوضات المذكورة، التي انطلقت في الرياض قبل سنتين على الأقل من إطلاق الملك عبدالله مبادرته علناً في العام 2002، في سياق حوار أجراه مع توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز»، أخبرني، أنا ووفداً من مشروع الولايات المتحدة - الشرق الأوسط، بأن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني هو خلاف سياسي. بالتالي، تبدي المملكة العربية السعودية     وغيرها من الدول العربية استعدادها لإرساء وتطبيع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل، ما أن يتم التوصل إلى اتفاقية سلام تشمل حل دولتين مع الفلسطينيين. ولكن في حال بقي النزاع من دون حل، فقد يتطور إلى صراع ديني يبقى من دون حل إلى ما لا نهاية.       أخبرتُه بأن إفصاحه العلني عن هذا الموضوع قد يؤدي إلى تحوير جذري لمسار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. ورد بالقول إنه ليس مستعداً للقيام بإعلان من هذا القبيل، لكنه لن يمانع أن أنقل كلامه.       في 17 شباط (فبراير) 2002، كتب توماس فريدمان تقريراً حول مبادرة الملك عبدالله، وأعلن عن استعداد السعودية ودول عربية أخرى لإرساء علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل بعد أن تتوصل هذه الأخيرة إلى اتفاقية سلام مع الفلسطينيين، تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على امتداد حدود ما قبل العام 1967، على أن تكون القدس الشرقية عاصمتها. لكن تقرير فريدمان افتقر إلى عنصر هام، وهو أنه تم التوافق على إمكان مقايضة أراضٍ بطريقة متساوية على جانبي خط 1967، لتتمكن إسرائيل بالتالي من ضم عدد من المستوطنات، ويتسنى أيضاً لإسرائيل مصادرة أحياء يهودية شرق القدس وفرض سيادتها على الجدار الغربي. وبعد أربعة أيام - في 21 شباط - كتبتُ مقالة افتتاحية توضيحية نشرتها «نيويورك تايمز».     ولفتت الصحيفة إلى أن «مسؤولين أميركيين وسعوديين أكدوا أن رواية سيغمان تعكس بدقة آراء ولي العهد».     وورد أيضاً في افتتاحية «نيويورك تايمز» أن «آراء ولي العهد المطروحة... في مقابلة مع زميلنا توماس فريدمان، والتي تم تطويرها في مقالة افتتاحية كتبها اليوم هنري سيغمان، وهو محلل مخضرم لقضايا الشرق الأوسط، تستحق التفاتة جدية من إسرائيل والفلسطينيين والولايات المتحدة».       وورد في الافتتاحية أيضاً أن أي مفاوضات في شأن اتفاقية إسرائيلية - فلسطينية لا تضاهي بجدية تداعياتها الاقتراح الصادر عن ولي العهد السعودي، الذي أفاد بأن بلاده أصبحت مستعدةً لتوجيه العالم العربي نحو علاقات طبيعية مع إسرائيل، في حل توصلت مفاوضات منصفة إلى اتفاقية سلام مع الفلسطينيين.       من الواضح أن نتانياهو حسن الاطلاع على رواية «مبادرة السلام العربية»، وأنه على علم أيضاً بتحذير الرئيس جورج بوش الابن إلى حكومة إسرائيل، بأنه على رغم قوله إنه سيدعم مطلب إسرائيل بالاحتفاظ بعدد من المستوطنات المحاذية لخط هدنة 1967، لا يمكن لإسرائيل أن تصادر أي أراضٍ بقرار من جانب واحد، بل يجب أن تحظى بموافقة فلسطينية، في سياق مفاوضات يجب أن تتناول أيضاً مطالب الفلسطينيين.     وفي مؤتمر صحافي عقده الرئيس بوش في البيت الأبيض خلال العام 2005، أعلن بوضوح أنه «لا يجب أن تُقدِم إسرائيل على أي نشاط يتعارض مع موجبات خريطة الطريق، أو يقوض المفاوضات التي تتناول الوضع النهائي في غزة والضفة الغربية والقدس... ولا بد أن يعمل الطرفان معاً للتوصل إلى أي اتفاقية حول الوضع النهائي، ولا بد أن تتم أي تغييرات قد تطرأ على خطوط هدنة 1949 بالتوافق والتراضي بين الطرفين».     بعد سنة من الزمن - في 8 شباط 2006 – صدر عن كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية في عهد الرئيس بوش، تصريح واضح آخر: إن موقف الولايات المتحدة واضح جداً في هذا الشأن ويبقى على حاله. ولا يُفترض بأي كان محاولة تحديد نتائج اتفاقية الوضع النهائي مسبقاً. ويجب أن يتم ذلك في موعد تحديد الوضع النهائي.     وسبق أن قال الرئيس إنه في موعد تحديد الوضع النهائي، لا بد من أخذ الوقائع الجديدة على الأرض بالحسبان، لأنها تغيرت منذ العام 1967، لكن في مطلق الأحوال، وفي ظل الوقائع الجديدة على أرض الواقع – لا يُفترَض بأي طرف أن يتصرف بطريقة استباقية أو محددة سلفاً، لأنها مسائل مطروحة للتفاوض في مرحلة تحديد الوضع النهائي.     بيد أن هذا بالتحديد هو ما استمر نتانياهو وحكومته يقومان به. فبعد مرور خمسين سنة على احتلال إسرائيل للضفة الغربية، تُواصِل الحكومة الإسرائيلية القيام بتغييرات «استباقية ومحددة سلفاً» للأراضي، وتعتمد في الخفاء سياسة تطهير عرقي في ما أسمته اتفاقية أوسلو المنطقة (ج)، التي تضم أكثر من 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية.     أما الولايات المتحدة، فتواصل الادعاء بأنها تصدق مزاعم نتانياهو، عندما يؤكد سعيه للتوصل إلى حل دولتين، وتستمر في طمأنة إسرائيل بأنها لن تسمح لأي قرار صادر عن مجلس الأمن بالوقوف كعائق بين الولايات المتحدة وإسرائيل.     وفي حال أن الولايات المتحدة لم تعد فعلاً تصدق أكاذيب نتانياهو، فلا شك في أن ميلها إلى «موازنة» حتى أبسط اللوم الموجه لإسرائيل، على خلفية احتلالها المستمر والمتواصل، بتنديدات للتحريض الفلسطيني، يستحق الشجب. وبغض النظر عن حجم التحريض الذي تُتهم به السلطات الفلسطينية، فإنه عديم الشأن بالمقارنة مع التحريض المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ نصف قرن.     في الآونة الأخيرة، أشار بن إيرنرايخ في مقالة بعنوان «كيف تحرض إسرائيل على العنف الفلسطيني»، كتبها في صحيفة «بوليتيكو»، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي هو آلية شاملة لتوليد عدم اليقين، وسلب الناس ممتلكاتهم، وإذلالهم بطريقة ممنهجة. وقال: ليس الاحتلال مجرد جنود وأسلحة، بل هو تركيبة بعيدة المدى، تنعكس على جميع جوانب حياة الفلسطينيين – وعبارة عن شبكة معقدة من نقاط التفتيش، وأوامر منع السفر، والتصاريح، والجدران والأسيجة، والمحاكم والسجون، والعرقلة اللامتناهية للفرص الاقتصادية، وتدمير البيوت، وخصخصة الأراضي، ومصادرة الموارد الطبيعية، واستعمال القوة القاتلة في الكثير من الأحيان. لن تتاح للولايات المتحدة، ولا لديبلوماسية اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط، ولو فرصة ضئيلة لتغيير الوضع الراهن الذي نجح نتانياهو في إرسائه، إن لم تمتلكا الشجاعة اللازمة للإفصاح عن الحقيقة مباشرةً – والإقرار بأن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ نصف قرن لا يكتفي بالتحريض على العنف، بل يجسد العنف الشامل بحد ذاته.     وقد ينجح ضخ مصداقية في المفاوضات في تنظيف القنوات الديبلوماسية التي طالما بقيت مسدودة بسبب الادعاءات الإسرائيلية الفارغة وغياب الصدق. * مدير مشروع الولايات المتحدة - الشرق الأوسط، وزميل سابق في مجلس العلاقات الخارجية.