شبكة وتر-(بقلم:محمد صلاح)وقف اثنان من الفارين من مصر في ميدان تقسيم في إسطنبول وسط الجموع التي احتشدت استجابة لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد سقوط الانقلاب العسكري هناك أمام الكاميرا لإعداد فقرة جرى بثها عبر برنامج تلفزيوني لفضائية «إخوانية» تبث من هناك.
أحدهما ينتمي إلى «الإخوان» بينما الآخر ليس «إخوانياً» لكنه «يحترمهم». تبادل الاثنان تلاوة عبارات كان واضحاً أنها معدة سلفاً، ووجَّها الكلام إلى جمهور المشاهدين لتبشيره في النهاية بأن فشل الانقلاب التركي مقدمة لسقوط كل الانقلابات في العالم، بعدما شددا على أنهما ليسا فقط ضد العسكر في تركيا ولكنهما نذرا نفسيهما لمقاومة حكم العسكر في كل مكان.
ولم يفوتا الفرصة للتأكيد على أن الانقلاب «يترنح» في مصر، وأن «حكم الشرعية سيعود» كما عاد في تركيا!
اللافت هنا أن الاثنين وآخرين معهما من المصريين ممن لجأوا إلى تركيا ضمن موجة الزحف «الإخواني»، كانوا جميعاً يضربون أخماساً في أسداس قبل عملية الانقلاب بأيام إثر مؤشرات، قد تكون كاذبة أساساً، على تقارب تركي - مصري وشيك، على خلفية تراجعات أردوغان التي قربته مجدداً من روسيا وإسرائيل.
لكن الأهم أن المشهد التلفزيوني الركيك عكس إلى أي مدى كانت مصر حاضرة في عقول الكثيرين أثناء ساعات الانقلاب الفاشل، وبعدها لم تتوقف المقارنات بين الثورة المصرية في 30 حزيران (يونيو) 2013 وبين الانقلاب العسكري التركي المهترئ مساء الجمعة الماضي، حتى أن جدالاً عنيفاً جرى بين بعض «الإخوان» موضوعه فارق التعامل في موقف واحد بين أردوغان ومحمد مرسي! وخلص بعضهم إلى أن الأخير كان شخصاً ضعيفاً و «حسن النية» وتصرف بعفوية، ولذلك دفع الثمن وكان السبب في سقوط حكم «الشرعية»!
من دون الدخول في تفاصيل تتعلق بالانقلاب التركي الذي فتح المجال للمحللين والاستراتيجيين والاختصاصيين وأصحاب الحناجر القوية والعقول الفولاذية لتحليله وقراءة نتائجه، فإن مجرد المقارنة بين الحدثين المصري والتركي تعكس خللاً فكرياً أو فشلاً علمياً أو غرضاً «إخوانياً». فالشهور الماضية مرت على تركيا وكانت لدى أردوغان صراعات مع قوى عدة حاول رأب الصدع فيها، ومكانته تعرضت لخسائر فادحة.
صحيح أنه حقق ارتفاعاً للقاعدة الصناعية والسياحية والتشييد والتنمية عموماً، وكان على مشارف دولة متقدمة، لكنه بكل تأكيد فشل في الإدارة السياسية، إذ دخل في صدامات كثيرة وهو الذي كان يُصور للعالم أن شعبه حوله وجيشه كذلك.
مصر أسقطت «الإخوان» كجماعة فاشية وأبعدتها من الحكم بعد سنة واحدة من الحكم الإخواني. أما في تركيا فأردوغان يحكم منذ العام 2002 وحزبه منظم جداً وممول جيداً وعقائدي بالدرجة الأولى. الانقلاب هناك كان غير محسوب وغير مخطط له في شكل جيد ودقيق، حتى أن نظرية «التمثيلية» أصبحت تسيطر على كثيرين عند تحليله.
وعلى رغم الفشل، فإن الواقعة سيكون لها انعكاس على مستقبل أردوغان الذي عليه أن يتعامل بتواضع أكبر في محيطه الداخلي والإقليمي والدولي، خصوصاً أن انتخابات حزيران (يونيو) 2015 مثلت هزيمة كبيرة له، فبعد 12 سنة لحكومة من حزب واحد طالب الشعب التركي بحكومة إئتلافية وقال كفى.
من الواضح أن حزب «العدالة والتنمية» عيّن كثيرين من الموالين له في مفاصل الدولة تحت زعم الديموقراطية، فيما كان سلوكه ضدها كالإجراءات ضد الإعلام والصحافة التي طاولت أيضاً صحافيين أجانب. إنه «الكتالوغ الإخواني» في الحكم رغم الفوارق بين تجربة أردوغان وتجربة مرسي.
في كل الأحوال دخلت تركيا مشهداً جديداً. كان أردوغان يتصرف كرئيس دولة عظمى، وظهر أن حكمه هش والشعب منقسم، وبدا كحاكم تتملكه غريزة البقاء، يصالح ويخاصم حتى يحافظ على حكمه. وعلى خلفية مشاهد الإساءة إلى الجيش التركي بعد فشل الانقلاب والتنكيل المهين بالضباط والجنود، لا ننسى أن مؤسس الدولة التركية الحديثة عسكري، والجيش ظل له ثقل كبير، وأردوغان له مؤيدون وحزب منظم، وتجربة «الإخوان» في مصر ثم ما جرى في ساعات الانقلاب في تركيا أثبتت أنهم يتحولون إلى شخصيات عنيفة.
هم عقائديون ويناصرون أردوغان وكأنهم سيدخلون الجنة، إلى درجة أن فشل الانقلاب أدى إلى انقلاب الحكم على غالبية مؤسسات الدولة.
إنه «كتالوغ الإخوان» نفسه في مصر رغم الفوارق بين الحالتين. الجيش المصري لأكثر من شهرين ظل يقول لـ «الإخوان» وهم في الحكم: «راجعوا أنفسكم»، وهم يرفضون. وبعدما خرج الشعب المصري في ثورة عارمة ضد فاشية الجماعة وحكمها الفاشل، ناصره الجيش ولبى نداءه من دون مغامرات أو رهانات خاسرة.
الجيش المصري لم يدخل في صدام مع الشرطة بل حماها رغم كل سلبياتها، ولم يتصارع في حرب مع أجهزة الاستخبارات، ولم يُعلن أنه تولى المسؤولية، وإنما قدم خريطة طريق سياسية. الجيش المصري حافظ على بلده وشعبه، وحماهما من حرب أهلية. لذلك لم يجرؤ أي مواطن، حتى لو كان كائناً «إخوانياً»، على التنكيل بضابط من الجيش أو ذبح جندي.