شبكة وتر-"رجعولي وسيم، خذوا رجلي خذوا شراييني خذوا دمي وخذوني كلّي ورجعولي الوسيم"، رجاء أخير تردده والدة الجريح المقدسي وسيم حمدون "29 عامًا"، والذي أصابته مجموعة من قوات ما تسمى "المستعربين" قبل أن تقوم باختطافه في أبوديس شرقي مدينة القدس.
غدرُ المستعربين
بعد صلاة جمعة في الـ18 من شهر اغسطس الماضي تجمع شبان من بلدة أبو ديس والقرى المجاورة على مفرق الجبل الذي يعتبر نقطة تماس مع الاحتلال، لتبدأ موجة من المواجهات بينهما احتدت حيناً وهدأت أحياناً أخرى. عصراً -تحديداً عند 5 مساءً- توقفت مركبة على مفرق قبسة وسأل سائقها "من أين أبو ديس؟" فأجابه فتية تواجدوا في المكان، دون أن يعلموا أن المركبة تقل جنوداً اسرائيليين متخفين.
اقتحمت مركبة المستعربين محيط مفرق الجبل حيث المواجهات، وبكم كبير معتاد من العنف هاجمت الوحدة واعتقلت 5 شبان من المكان الذي يشهد دوماً نشاطاً للمواطنين، وبقيت قطرات دماء شاهدة على جريمة سيدفع ثمنها شاب أوجدته المصادفة في المكان.
البحث في كومة قش
صدمت عائلة حمدون بنبأ إصابة إبنها من قوات الاحتلال واختطافه، أثناء وجوده قرب المواجهات وسط أبوديس، ولكن لم تطق البقاء دون حراك، فانطلق أقاربه مساءً يبحثون عن ابنهم.
ويقول زوج شقيقة وسيم أيمن الكيلاني في حديثه لـ "فلسطين من الداخل": توجهنا مباشرة، لمركز شرطة "معالي أدوميم"، وأجابتنا الشرطة بأنه لاوجود لاسمه في سجلات المعتقلين ذلك اليوم، ولكن شاهدنا المختطفين الأربعة الآخرين في أحد ممرات المركز، وكانت حالتهم صعبة وآثار الضرب والتنكيل واضحة على أجسادهم، وأكدوا لنا بأن وسيم مصاب ونقل لمستشفى "هداسا".
ويضيف الكيلاني: انطلقنا لمستشفى "هداسا العيسوية" وسألنا عن وسيم ولم نجد له أثراً لا في السجلات ولا في مختلف الأقسام، وتوجهنا بعدها لمستشفى "هداسا عين كارم"، لنبدأ فصلًا جديدًا من المعاناة، والأكيد أن العثور على وسيم كان كما إيجاد إبرة في كومة قش.
ويوضح الكيلاني: لم نجد لوسيم اسمًا في سجلات المستشفى، ولكنّا لم نستسلم رغم تأخر الوقت، سألنا عشرات المرضى والموظفين وعمال النظافة، حتى وجدنا موظفًا في المستشفى شاهد مصابًا أوصلته قوات الاحتلال للمستشفى، وبخفّة اصطحبنا الموظفُ من ممر خاص بطاقم المستشفى وأوصلنا لقسم عمليات، وأثناء سيرنا تعرف أخوة وسيم على وجهه حيث شاهدوه من شق صغير بين ستائر غرفة العملية، وتأكدوا من هويته من خلال معلومات مكتوبة على شاشة معلقة على باب الغرفة".
وبعد انتظار ، خرج الطبيب المشرف على العملية وأفاد بأن وسيم أجرى عملية بقدمه اليسرى، ويعاني من اصابه بالشريان الرئيسي في قدمه وحالته خطرة. ونُقل حمدون لغرفة أخرى عليها حراسة من الاحتلال، وعند الوصول للغرفة، سارع جنود الاحتلال لتغطية وجوههم بالأقنعة وأمرونا بالمغادرة فورًا، وكانت الساعة حوالي السابعة صباحًا، حسب الكيلاني.
ظل الاحتلال يمنع زيارة وسيم 48 ساعة، وخلال تلك الفترة ماطل الاحتلال أهله في تسليم أغراضه الشخصية، وفي نفس اللحظة التي سلم الاحتلال أغراص وسيم لعائلته على حاجز "الزيتونة" أزال الحراسة.
حمدون في غيبوبة
منذ إصابة وسيم حتى اليوم الأربعاء، لم يصحوا من الغيبوبة، ويعاني بحسب قول الأطباء لذويه من التهاب حاد في قدميه بسبب شظايا الرصاص الكثيف المفتجر في قدميّه، وإصابة أخرى في دماغه، وكذلك إصابة ثالثة في الرئتيّن، وضربات وكدمات شديدة في جسده.
وأوضح الكيلاني، أنه في 18 من الشهر الجاري، أجرى وسيم عملية جراحية بَتر فيها الأطباء قدمه من أسفل الرمانة، بانتظار أن تتحسن حالته دون الحاجة لبتر أجزاء أخرى لوقف الإلتهاب.
إنه وسيم الشهم المقدسي
يجمع كل من عرف وسيم أن فيه شهامة ونخوة وجبروت المقدسي، مثبتين ذلك بكم المواقف الإنسانية التي قام بآخرها قبل أيام من الإصابة حين اقتحم ألسنة النيران في بيت بواد الجوز حوصر بداخله طفل عمره أشهر، وأنقذ الطفل بأقل الأضرار، وذلك أمام عجز طاقم الدفاع المدني الاسرائيلي عن فعل شيئ، ويتحدث أيمن عن موقف آخر بالقرب من مدخل العيزرية الشرقي عندما شاهد وسيم رجلًا مسن "مُحتاج" قدم له ما استطاع من المساعدة وأوصله لمنزله في عناتا رغم تأخر الوقت ليلًا وعودته لمنزله مع أمه وأخته وزوجته.
من المقرر أن تبصر طفلة وسيم النور قريبًا، وعائلته ترفع يديّها عاليًا راجيةً الله أن يعود إبنهم الأصغر بصحة وعافية مما أصابه، ويحتضن طفلته في الأيام القليلة القادمة مع زوجته التي يخنقها ما أصاب شريك حياتها من ألم، وأن يعود الوسيم ليضخ الأمل والسعادة والحياة في عائلته التي تراه عمود الدار.