تاريخ النشر: 2016-10-19 10:51:23

الدهيشة في المواجهة: تحطيم عظام من طرف واحد

الدهيشة في المواجهة: تحطيم عظام من طرف واحد
تسيطر الدهشة على ابناء مخيم الدهيشة وسط مدينة بيت لحم، فالرصاصة التي اطلقها الجنود على ركب الشبان. كانت تبدو بسيطة لكنها حطمتهم. منتصف النهار كان الوضع هادئا في المخيم باستثناء بعض الجلبة يحدثها الفتية العائدين من مدارسهم، لكن ثمة اشياء اخرى تتحرك وتحرك معها هاجسا يؤرق الشبان، الذين اعتادوا خلال السنتين الاخيرتين على اقتحامات جيش الاحتلال ووجدوا انفسهم بعدها على واقع لم يعتادوه. من هنا بدأ البحث وراء سر الركبة اليسرى التي اقعدت عشرات منهم وقلبت حياتهم رأسا على عقب. ووراء الرصاصة التي خسر بسببها الشابان مؤيد ونضال وكثيرون غيرهم اشياء كثيرة في الحياة. وبدا فيما بعد انها خرجت لا لتقتل انما لتكسر إلى الأبد. يقول مسؤول في وكالة "الاونروا": في اخر 3 مرات دخل فيها الجيش اصيب 20 شابا كلهم في الركبة وتحديدا اليسرى. وبجولة وسط المخيم نحو منزل احد المصابين اشار المصاب نضال عبيد من داخل السيارة الى شاب يمشي على عكاز مر بالصدفة في احد الزقاق: "هذا احد المصابين". في المخيم يرفض المصابون الظهور بمقابلات تلفزيونية خوفا من اكتشافهم من قبل مخابرات الاحتلال وبالتالي يصبحوا هدفا للاعتقال، لكن نضال عبيد يعرج بساق واحدة متكئا على عكازه، اخذ على عاتقه مهمة كشف ما يجري بالمخيم، يتحدث بابتسامة ساخرة: لم يتبقى شيء أخسره، بعد هذه الاعاقة في ساقي، ماذا سيفعلون اكثر". خسر عبيد الكثير بفعل الرصاصة التي صوبها جندي نحو ركبته في مواجهة بين الحجارة والرصاص خلال اقتحام للمخيم قبل حوالي عامين. كان يدرس في جامعة القدس المفتوحة بتخصص "خدمة اجتماعية" اما الان يحتاج هو لمن يخدمه. وفي احد منازل المصابين جلس عبيد مع والد طفل 14 عاما اصيب في ركبته واقعد عن مدرسته، يسيطر عليهم الحديث عن الرصاصة الغريبة التي تخترق ركبهم وتسبب اعاقة للمصاب، يقول عبيد لوالد الطفل: بعد الاصابة جلست في المنزل والواحد منا اصبح يشعر احيانا انه عالة.. حتى دخانه لا يستطيع توفير ثمنه". خلال السنتين الاخيرتين وجد شبان المخيم انفسهم امام اسلوب جديد من المواجهة مع رصاص الجنود. وعلى ما يبدو ان الاسلوب هذا نجح الى حد بعيد في تحطيم ركب 200 شاب وفق احصاءات المخيم، معظمهم اصيب باعاقة مستديمة. حطموا من الرصاصة في بادئ الامر ثم حطمت حياتهم اليومية في مرحلة ما بعد الرصاصة. هنا اليأس يخيم ويبني عشه في وكر احلام كانت سعيدة وصارت تعيسة لحد بعيد. مؤيد هو الاخر كان يعمل "شيف" في مطعم بالمدينة جنبا الى جنب مع دراسته بتخصص ادارة فنادق في جامعة بيت لحم، والان يجلس على سريره مرتديا "شورت" وفي باطن ركبته علامة كخيط اسود ومن الامام نقطة سوداء، "توقفت عن الدراسة .. ولا اعتقد انني ساكمل". اصيب مؤيد وهو في السنة الدراسية الاولى في جامعته بعمر 19 عاما، "كان هدفي العمل في احد فنادق المدينة بعد التخرج، لكن حياتي انقلبت 90 درجة.. هدفي الان ان امشي فقط". في اول زيارة لوفد من الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين "الاونروا" قال مسؤول فيها مفضلا عدم ذكر اسمه إن استهداف الركب اليسرى لشبان المخيم من قبل جنود الاحتلال في كل اقتحام امر ملفت لإن غالب الاصابات في الركبة وتحديدا اليسرى، كما يوضح هذا المسؤول. وشكلت الوكالة "فريق حماية" للتعامل مع هكذا اصابات التي قال الاطباء والاخصائيين ان علاجها يكلف المجتمع مبالغ طائلة وجهد مضاعف، لإن الرصاصة من نوع متفجر وتحدث تمزق تحت الجلد وتدمر الاعصاب. وفي اول اجتماع للفريق، سجل 38 مصابا على استمارات للمشاركة لكن 28 فقط حضروا بينهم 3 اطفال فيما اعتقل الاحتلال الـ10 المتبقين من المصابين في الفترة ما بين تعبئة الاستمارات وعقد الاجتماع. يقول المسؤول بالاونروا: حالة المصابين من الشبان وموضع الاصابة لفتت انتباه جميع الفريق الطبي المشرف عليهم. حديثا شكلت الاونروا فريق الحماية، لكن نضال عبيد يعرف كل التفاصيل عن رفاقه المحطمة ركبهم، يقول إن 80 شابا اصيبوا في ركبهم في الفترة ما بين شهري حزيران وتشرين اول 2016. بعض الاصابات كانت في الفخذ لكن الغالبية في الركبة. كان منتصف النهار هو الوقت الانسب لمقابلة بعض الشبان المصابين لإنهم لا يستيقذون باكرا بسبب اوجاع تصيبهم في الليل وتحرمهم من النوم، "قبل مرافقتكم شربت حبتي دواء..لا استطيع تحمل المشي الكثير والوقوف"، يقول عبيد صاحب الجسد النحيل والابتسامة الباهتة التي تبدو على وجهه كلما تحدث. ويتخوف نضال من اجراء عملية "البلاتين" في ركبته لإنه لا يريد تدمير العلاج السابق والعملية غير مضمونة: "لا اريد تضييع 10 عمليات اجريتها في ركبتي منذ عامين". والامر ذاته مع مؤيد الذي يخاف من اجراء عملية العصب الممزق في ركبته. بينما كان يضع كوع ذراعه على سريره ويمد ارجله على السرير، تحدث شقيقه في الغرفة الاخرى: مؤيد يعيش الان على ترقب، هل اعود لمشي ام لا، هل يعود العصب ام لا .. نحاول ان نطمأنه قدر الامكان. من وسط بيت لحم الى شمال رام الله يقضي عدد من شبان من ابناء مخيم الجلزون ايامهم وساعات وقتهم في بيوتهم بعد اصابتهم بإعاقات جراء تلقيهم الرصاص في الركبة او الفخذ بمواجهات مع جنود الاحتلال. ووفق وزارة الصحة فإن ما يقارب 1600 فلسطيني اصيبوا بالرصاص الحي من بداية الهبة الشعبية مطلع اكتوبر 2015 حتى شهر ايلول في العام الجاري، اغلبهم في الاطراف السفلى وبينهم 422 طفلا. ومن بين هذا العدد من المصابين تقول وزارة الصحة ان عدد كبير منهم اصيب بإعاقة مستديمة واغلبهم تلقوا الرصاص في الاطراف السفلى خاصة موضع الركبة. من هم المعاقين، لا احد يدري، فظهور الاسم يعني ملاحقة الاحتلال والاعتقال. وكان مؤيد ونضال اسمين مختلفين من مخيم الدهيشة من بين اسماء كثيرة اختارت ان تتذوق حرقة الرصاص بعيدا عن الانظار، وبصمت.   https://www.youtube.com/watch?v=k9rhOHVg8ao