شبكة وتر-إذا كان هناك امتحان صعب سيواجه بدايات عهد الرئيس ميشال عون، فلن يكون هذا الامتحان في العرقلة الحاصلة في تشكيل الحكومة، ولا في مسألة إقرار قانون الانتخاب الذي ستُجرى الانتخابات المقبلة على أساسه. الامتحان الأصعب سيكون في قدرة هذا العهد على السير بين النيران المشتعلة حول لبنان، من دون أن تصل هذه النيران إليه، أو أن يصيبه شيء من شظاياها.
أعرف أن كلاماً كهذا قيل من قبل، وأعرف أيضاً أن عون نفسه التزم في خطاب القسم «ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية»، و»اتباع سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي». غير أن عون قادم الى الرئاسة من «بيئة حاضنة»، فرضته مرشحاً وحيداً، وشلّت عملية الانتخاب لأكثر من سنتين لتوفر له فرص الوصول. كما اعتبرت إيران أن فوز عون كان انتصاراً لها. ومن هنا، صعوبة المواقف «المحايدة» التي سيجد عون نفسه مضطراً لاتخاذها حيال صراعات المنطقة، وفي مقدّمها الآن الأزمة السورية، التي ينقسم اللبنانون في مواقفهم منها انقساماً حاداً.
في خطابه الأخير، تحدّث أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، عما اعتبرها مرحلة جديدة دخلتها المنطقة، وأضاف أن هناك مشاريع على مشارف الانهيار نهائياً. وكان يشير الى تطورات حلب لمصلحة النظام السوري وحلفائه، والى سقوط «المشروع» الذي يقول الحزب أنه يقاتله هناك. وهو ما يفترض، من وجهة نظر الحزب، ضرورة اعتراف مناصري هذا المشروع بهزيمتهم في لبنان أيضاً. ويلتقي كلام نصرالله مع حديث الرئيس بشار الأسد الأخير الى صحيفة «الوطن» السورية، والذي وصف فيه سياسة النأي بالنفس، التي يحاول لبنان الالتزام بها، بأنها «سياسة اللاسياسة»، معبراً بذلك عن أول مأخذ علني على ما قاله عون في خطاب القسم. ويمكن أن يتوقع المرء أن كلاماً واضحاً كهذا تم نقله مباشرة الى عون من الموفدين الذين بعثهم بشار الأسد، إما للتهنئة أو لإسداء النصائح، وآخرهم المفتي الشيخ أحمد حسون.
من دلائل «أزمة الانتماء»، إذا صح التعبير، التي تواجه عهد عون، ما أخذ يتردد علناً من انتقادات لطبيعة التحالفات التي قامت بينه وبين كل من «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» عشية انتخابه، بعد «تفاهمه» الموصوف بالاستراتيجي مع «حزب الله»، وما إذا كانت هذه التحالفات تمسّ الاصطفاف المنتظر من عون الى جانب النظام السوري. وإذا كان موقف كل من رئيس «القوات» سمير جعجع والرئيس سعد الحريري معروفاً وواضحاً من عدائهما لهذا النظام، فإن ما أثار قدراً أكبر من القلق ما نقل عن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، صهر عون والشخصية التي ستكون الأكثر نفوذاً في عهده، في حديث صحافي بعد انتخاب عون، دعا فيه إلى انسحاب جميع المقاتلين من سورية وترك البلد للسوريين لإنهاء الوضع العسكري القائم. وأضاف باسيل: إن الرئيس عون كان حليفاً لـ «حزب الله» عندما كان رئيساً لتكتل «التغيير والإصلاح» النيابي، لكنه بعدما أصبح رئيساً للبلاد أصبح حليفاً لكل اللبنانيين.
كيف سيتمكن عون من جمع هذه التناقضات لتخرج منها سياسة خارجية لبنانية ترضي كل أطراف الداخل، ولا تغضب الدول العربية المنقسمة في ما بينها في شأن الأزمة السورية؟ وكيف سيتصرف الرئيس اللبناني مثلاً، إذا جاءته دعوة من الأسد لزيارة دمشق، بالطريقة نفسها التي تم وضعه فيها أمام الأمر الواقع باستقبال موفدي النظام السوري في قصر بعبدا؟ خصوصاً أن الأسد لم يترك مجالاً للشك في توجيه هذه الدعوة في حديثه الأخير، عندما بدا كأنه هو الذي يحدد موعد زيارة عون بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، بطريقة تخلو من اللياقة والديبلوماسية ومن الأصول المتعارف عليها لترتيب الزيارات الرئاسية.
ما سيزيد من تعقيدات زيارة كهذه، إذا حصلت، أنه لا يستبعد أن يكون اللواء علي المملوك بين من سيلتقون الرئيس اللبناني في مكتب بشار الأسد. عندها، تكون السلطات اللبنانية قد اهتدت أخيراً الى مكان وجود المملوك لإبلاغه طلب مثوله أمام القضاء اللبناني في قضية ميشال سماحة!