شبكة وتر - بيروت - في الثوابت الطبيعية، فان الجبل لا يلتقي جبلا، لكن المطرب والملحن اللبناني وديع الصافي كسر تضاريس كونية، وارتفع جبلا يلتقي سلسلة جبال لبنان الشرقية منها والغربية، ويغير عبرها معالم المرتفعات، داخلا التاريخ من باب الجغرافيا.
ووري جثمان وديع الصافي الثرى بمشاركة "عصافير حلفها" يوما بأغصانها ان تبقى حارسة للارض التي غنى لها، ورفع مجدها الى السماء.
السيدة ماجدة الروميولبنان الذي ألقى نظرة وداع اليوم الاثنين على أحد أهم اعمدته الفنية، بات يشعر ابناؤه انهم خسروا "قطعة سما ع الارض ثاني ما الا".
انطلق موكب التشييع منذ الصباح من منطقة الحازمية في بيروت، حيث منزل نجله، قبل ان يتجمع الحشد الشعبي والفني والسياسي في كاتدرائية القديس جرجس في وسط بيروت، وفي خلفية الحضور غير المنظورة طيور وحصادون وبحارة ومزارعون اغترفوا من تراثه الفني.
ومن ضمن الفنانين المشاركين في التشييع، المطرب السوري صباح فخري، والفنانون اللبنانيون، مرسيل خليفة، وماجدة الرومي، وعاصي الحلاني، والملحن والموزع الياس الرحباني، الذي غنى له وديع العديد من الاغاني، منها "قتلوني عيونا السود" و"يا قمر الدار" ووزع له اغنيته الشهيرة، التي لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب "عندك بحرية".
ومنذ اعلان وفاة وديع فرنسيس، الذي لقب بوديع الصافي، لصفاء صوته، افردت محطات التلفزيون المحلية، مقابلات مع فنانيين ونقاد، اجمعوا على تفرد خامة صوته.
ومنحه وزير الثقافة كابي ليون، ممثلا لرئيس الجمهورية، وساما مذهبا، تقديرا لعطاءاته قائلا: "أيها الفقيد الغالي تقديرا لعطاءاتك من اجل لبنان، قرر فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال سليمان، منحك وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الاولى المذهب، ليضاف الى وسام الارز الوطني، من رتبة ضابط اكبر، الذي استحقيت، وكلفني وشرفني ان اضعه على نعشك في يوم وداعك".
جنرلات لبنانحضر مراسم صلاة الجنازة، ممثلون عن رؤساء الجمهورية، ومجلس النواب، والحكومة، ووزراء، ونواب، وحشد كبير من الفنانين والاعلاميين.
ترأس مراسم الصلاة والجنازة بطريرك الموارنة، مار بشارة بطرس، الراعي الذي قال: "من عمر سنتين وعلى مدى تسعين سنة، ووديع الصافي، وديع القلب، وصافي الصوت، يعزف ويغني لله وللبنان بإيمان وحب وشغف. على المنابر والمسارح في قصور الفن غنى بحنجرته الذهبية، وعزف بعوده وعلى مذابح الكنائس، رتل وصلى بقلبه وإيمانه. واليوم وقد صمت الصوت وتقطعت أوتار العود، فإنه ينضم إلى أجواق الملائكة، والقديسين في السماء".
وعقب مراسم التشييع في الكاتدرائية، سار النعش محمولا على الاكف في شوارع وسط بيروت التي احب، وسط الزغاريد، ونثر الورود، وعلى وقع موسيقى احدى الاغاني الشهيرة للفنان الراحل "طلوا حبابنا طلوا" التي كتبها ولحنها الاخوين رحباني.
ونعت المطربة اللبنانية صباح، رفيق دربها، وتوأم روحها، وصوتها كما وصفته. وقالت لجريدة "الاخبار" اللبنانية انها فوجئت بخبر وفاته وبكت كثيرا.
أضافت: "راح كبير الغناء العربي والله خسارة. كان صوته أهم الأصوات وأخطرها في العالم، كنا أفضل من غنى الموال معا. نحن صنعنا الأغنية اللبنانية، والموال الجبلي الصعب في الشرق".
ومضت تقول: "أنا سجلت أول أغنية لبنانية في الخمسينيات (يا هويدلك)، وبعدها بسنة جاء وسجل (ع اللوما)...سبقني بالرحيل. بموت وديع خسرنا الكثير. كنت أقف ونتحدى بعضنا تحت أعمدة بعلبك. كان الغناء له قيمة كان قيمة كبيرة وديع الصافي توأم روحي الفني والوطني".
وقال المطرب اللبناني وليد توفيق، لرويترز:"وداعا أبو فادي وداعا يا حبيبي يا معلم. اليوم يوم حزين وبنفس الوقت عرس. اليوم حداد وطني بكل معنى الكلمة لو الدولة ما عملتها. رحل الفنان الذي زرع المحبة علمنا كيف نغني".
وألقى العديد من الشخصيات والفنانيين عتبا على الدولة اللبنانية، كونها لم تعلن يوما للحداد الوطني، على رحيل مطرب كبير من البلاد.
الفنان مرسيل خليفةوقال المطرب اللبناني نيقولا الأسطى، الذي اشتهر بأدائه لاغاني الصافي: "نحن في لبنان وقعنا بفاجعة كبيرة. صحيح ان ...هذه هي حكمة ربنا، لكن استاذ وديع الصافي، حالة لا تتكرر ليس فقط على المستوى الفني اللبناني وانما على المستوى الفني العالم".
وقال جراح التجميل، الدكتور نادر صعب، لرويترز: "خسارتنا كبيرة كان عمودا اساسيا من اعمدة الفن، فهو سفير لبنان على مدى عمر الجمهورية، خلد بصوته لبنان. غنى لبنان يا قطعة سما فغادرنا مفضلا السماء كلها على قطعة السماء".
وتوفي وديع الصافي مساء الجمعة، عن عمر يناهز 92 عاما، قضى اكثر من نصفها في الغناء، واقترن اسمه بلبنان، فكان سفيرا لوطنه في العالم.
ولد في الاول من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1921، في قرية نيحا الشوف حيث ووري الثرى اليوم الاثنين.
كانت انطلاقته الفنية سنة 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحنا وغناء وعزفا، من بين أربعين متباريا في مباراة للإذاعة اللبنانية.
واتفقت لجنة التحكيم في حينه على اختيار اسم "وديع الصافي" كاسم فني له، نظرا لصفاء صوته. وكانت إذاعة الشرق الأدنى، تمثل معهد موسيقي تتلمذ وديع فيه.
في أواخر الخمسينات، بدأ العمل المشترك بين العديد من الموسيقيين، من أجل نهضة الأغنية اللبنانية، انطلاقا من أصولها الفولكلورية، من خلال مهرجانات بعلبك، التي جمعت وديع الصافي وفيلمون وهبي والأخوين رحباني وزكي ناصيف وغيرهم، فشارك في مسرحيات العرس في القرية، وموسم العز، وشكل ثنائيا غنائيا ناجحا مع المطربة صباح في العديد من الاغاني والاسكتشات.
شارك الصافي في أكثر من فيلم سينمائي من بينها "الخمسة جنيه" من اخراج حسن حلمي، وفيلم "موال" و"نار الشوق" مع صباح في عام 1973، مع بداية الحرب اللبنانية غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976، ومن ثم إلى بريطانيا ليستقر سنة 1978 في باريس.
مار بشارة بطرسيحمل الصافي ثلاث جنسيات، المصرية والفرنسية والبرازيلية، إلى جانب جنسيته اللبنانية، الا أنه يفتخر بلبنانيته، ويردد أن الأيام علمته بأن "ما أعز من الولد الا البلد".
غنى للعديد من الشعراء، خاصة أسعد السبعلي، وللعديد من الملحنين، أشهرهم الأخوان رحباني، وزكي ناصيف، وفيلمون وهبي ،وعفيف رضوان، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الاطرش، ورياض البندك، لكنه كان يفضل أن يلحن أغانيه بنفسه، لأنه كان الأدرى بصوته، ولأنه كان يدخل المواويل في أغانيه حتى أصبح مدرسة يحتذى بها.
غنى أكثر من خمسة آلاف اغنية وقصيدة، لحن معظمها، ومنها اغنية "طل الصباح وزقزق العصفور" و"لبنان يا قطعة سما" و"صرخة بطل" و"الليل يا ليلى يعاتبني" و"شاب الهوى وشبنا" و"مريت ع الدار" و"لوين يا مروان" و"عصفورة النهرين" و"الله يرضى عليك يا ابني" و"الله معك يا بيت صامد بالجنوب" و"موال يا مهاجرين ارجعوا".
كما غنى "طلوا احبابنا" من ألحان الاخوين رحباني ومع فيروز ونصري شمس الدين غنى "سهرة حب" و"يا شقيق الروح" و"عندك بحرية" من الحان محمد عبد الوهاب" و"على الله تعود على الله" من الحان فريد الاطرش.