شبكة وتر- راسم عبيدات- شعبنا الفلسطيني ملّ هذه اللازمة المشروخة، لقاءات واتفاقيات بشأن إنهاء الإنقسام، تكون نتيجتها صفر مئوي والمزيد من صب الزيت على النار في طاحونة الإنقسام وارتفاع نبرة ووتيرة التحريض والتحريض المضاد والمناكفات وتحميل المسؤوليات ومن ثم العودة بالأمور الى المربع الأول وما قبله.
ثلاثة حروب مدمرة شنت على قطاع غزة ولم يكن شلال الدم الفلسطيني المسكوب حافزاً لكم لكي تنهوا سجل هذه الصفحة السوداء من تاريخ شعبنا الفلسطيني،ومضى كل منكم الى نهجه وخياراته دون أن يلتفت الى المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني وبقيت المصالح الفئوية والحزبية والخاصة فوقها، وليستمر الإنقسام ليغدو مكرساً ومتعمقاً وكأنه قدر لا فكاك منه.
ومع مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة، المنحازة للاحتلال، توهم البعض بانها تختلف عن الإدارات الأمريكية السابقة، وبأنها ستعمل على طرح حل لقضيتنا الفلسطينية، فجاءت التطورات اللاحقة وخصوصاً بعد قمم الرياض الثلاث في العشرين من آيار الماضي، لتؤكد بأن ما يجري البحث عنه من حل للقضية الفلسطينية في إطار إقليمي ومشاركة عربية، هو مشروع لتصفية القضية الفلسطينية، عناوينه الرئيسية القدس خارج إطار أي تسوية، وكذلك حق العودة للاجئين، والضفة الغربية أرضها الزائدة عن حاجة الأمن الإسرائيلي يتم تقاسمها وظيفياً مع الأردن وقطاع غزة كونفدرالية مع مصر، حسب الكثير من المصادر.
حكومة «حماس» قالت بأن حكومة الوفاق الوطني لا تقوم بدورها ولا واجباتها تجاه قطاع غزة، وشكلت لجنتها الإدارية الخاصة للقطاع، والسلطة الفلسطينية ردت على ذلك بإجراءات عقابية طالت سكان غزة المثقلين بالحصار والجوع والفقر ودمار البنى التحتية قبل حركة حماس، تخفيضات لرواتب العاملين في السلطة الفلسطينية (30)% ، وتقاعد قسري واجباري لعدد كبير من العاملين في السلطة وأجهزتها، وقطع رواتب لأسرى محررين ووقف التحويلات الطبية للمرضى من أصحاب الأمراض الخطيرة والمستعصية، ووقف دفع ثمن فاتورة الكهرباء للشركة الإسرائيلية الموردة.
وبالمقابل كانت حماس تراهن على حلفائها العرب والإقليميين في استيعاب تداعيات تلك العقوبات، ولكن ما بعد قمة الرياض العربية - الإسلامية - الأمريكية وما تمخض عنها بإعتبار حماس حركة " إرهابية"، ومن ثم الأزمة القطرية مع التحالف الرباعي العربي (السعودية، الإمارات العربية ، البحرين ومصر)، وطلبه من قطر طرد قيادات حركة الإخوان المسلمين ورفع الغطاء عن احتضان حماس السياسي وتمويلها وإيوائها، باتت «حماس» امام وقائع جديدة، تلك الوقائع بدلاً من ان تدفع حماس نحو ضرورة البحث عن مخرج من اجل إنهاء الإنقسام، بحثت عن مخرج يحفظ لها سيطرتها على قطاع غزة، ويخرجها من ازمتها، وبما يمنع إنفجار الوضع في القطاع والتمرد على حكومتها وسلطتها، حيث عمدت الى عقد لقاءات مع القيادة المصرية بهدف تطبيع العلاقات معها، وكذلك عقدت لقاءات مع جماعة النائب في التشريعي محمد دحلان، وجرى التوصل الى تفاهمات ولقاءات، رعتها الحكومة المصرية، قالت حماس بان الهدف منها تحقيق المصالحة المجتمعية، و المساهمة في تحسين الظروف الإقتصادية لأهل القطاع، وهي لا تحمل أي بعد سياسي، ولتصل الأمور ما بعد هبة الأقصى الى عقد لقاء لأعضاء المجلس التشريعي من قطاع غزة، تحدث فيه النائب دحلان عبر "الفيديو كونفرنس"، وبما يوحي بأن الأمور ليست كما تقول حماس متعلقة بقضايا مصالحة مجتمعية وقضايا معيشية واقتصادية، فهي تعبر عن تحالف لكل طرف فيه اهداف ومصالح، وكلاهما متفقين على أن يشكل عامل ضاغط على الرئيس عباس والسلطة الوطنية.
حماس تريده للضغط على عباس من أجل التراجع عن اجراءاته بحق القطاع، وتيار دحلان يريد ان يشرعن ويعزز حضوره وجماهيريته في الشارع الفلسطيني، وداخل حركة فتح .
المهم جاءت هبة الأقصى لتتجاوز «فتح» و«حماس» وكل القوى والأحزاب الفلسطينية، ولتقول لهم إما ان تلتحقوا بالركب وتكونوا على قدر المسؤولية، وتلامسوا هموم الشارع ونبضه، او تستمروا في صراعاتكم وخلافاتكم ومناكفاتكم، وحينها سيلعنكم الشعب والتاريخ، عندما نخسر معارك القدس والأقصى، ونخسر قضيتنا ومشروعنا الوطني، على مذبح صراعاتكم ونزاعاتكم على سلطة منزوعة الدسم، سلطة تحت الإحتلال المباشر في الضفة واخرى تحت الإحتلال غير المباشر في القطاع.
عقد لقاء بالأمس في مقر المقاطعة برام الله قبل يومين بين الرئيس عباس ووفد من حركة «حماس» برئاسة النائب ناصر الدين الشاعر للبحث في كيفية الخروج من مأزق الإنقسام، وكأن المخرج والحل وآليات تنفيذه ليست معروفة، ولم تشبع نقاشاً وحواراً وجلسات ولقاءات، وحتى أكل "مناسف" وابتسامات ومجاملات على الشاشات والفضائيات.
عناوين الحل وإنهاء الإنقسام واضحه ولا داعي لإجترارها، وليبدأ العمل من عند حل حكومة حماس للجنتها الإدارية الخاصة بإدارة القطاع، وليلغي ويوقف الرئيس عباس إجراءاته وقراراته بحق قطاع غزة، وليطبقوا وثيقة الوفاق الوطني - «الأسرى»، وما جرى الإتفاق والتوافق حوله في قطاع غزة -اتفاق الشاطىء- واتفاق بيروت،وبما يسمح بدوران عجلة المصالحة على الأرض.
نحن ندرك جيداً ان عناوين المصالحة من يعطلها هم حملة المشاريع والبرامج والأجندات والأهداف المتعارضة مع المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، وكذلك إستعادة الوحدة، والبرنامج الموحد والإستراتيجية الموحدة، وإنهاء الإنقسام بحاجة الى مصالحة وطنية شاملة، تشارك فيها كل القوى والأحزاب والمؤسسات والفعاليات الشعبية، بما فيها القدس والداخل الفلسطيني والشتات ، وان تكون بعيدة عن لغة " المحاصصة" وإقتسام الكعكعة والصراع على جلد الدب قبل اصطياده، وبعيدة عن فرض رؤيا أو اجندة أو برنامج معين، أو تكون تكتيكية ومصلحية للخروج من ازمة او التخلص من جماعة معينة، وأن يكون ذلك مقروناً بتوفر وإمتلاك الإرادة والقرار، فبعد هبة الأقصى وما حققه المقدسيون من انتصار وبغض النظر عن حجمه فالعبرة في مغزاه ودلالاته الكبيرة، نقول المحتل ماض في مشاريعه ومخططاته لتهويد القدس والأقصى وما تبقى من الضفة الغربية، وقطاع غزة محاصر وعلى حافة الإنهيار ولا أفق لتطور الوضع نحو كيان يمهد لدولة فلسطينية، والمشاريع المطروحة لحل القضية الفلسطينية باتت معروفة وواضحة مشاريع تصفية وتفكيك، لا دولة ولا نص دولة ولا عودة لاجئين ولا قدس ولا حتى ضفة غربية، ولذلك الشعب معطاء ومضحّي والرهان عليه صائب والثقة فيه كبيرة، ولم يكن عنوان خذلان في أي يوم من الأيام، بل انتم دوماً كقيادات كنتم مصدر خذلان له ولم تكونوا على مستوى ما يطلبه منكم، فإما وحدة حقيقية وفعلية، وإما سيتجاوزكم الواقع، وشعبنا العظيم قادر على مواصلة نضاله وحماية حقوقه ومشروعه الوطني.