شبكة وتر- نبيل عمرو- المؤشرات التي انتجتها الأعمال العسكرية في سورية، تقول ان النظام خرج من عنق الزجاجة، وأنه انتصر بعد سنوات طويلة دامية في حرب قتل فيها مئات الألوف من السوريين، وهجّر فيها عدد يحصى بالملايين داخل سورية وخارجها، وتغير الوضع الديموغرافي في البلد، وجاء التغيير في سياق مذهبي، واكتظت المدن السورية بالضيوف الإيرانيين الذين جاؤوا بعشرات الألوف لحماية المراقد والحليف، وتغير الوضع الاستراتيجي للدولة العربية الهامة التي تحاذي كل بؤر التوتر في المنطقة ، فوضع الروس أرجلهم في المياه الدافئة واستأجروا مساحات واسعة من الأرض، وأقاموا عليها قواعد عسكرية كانت محرمة عليهم في زمن الحرب الباردة.
كل ذلك حدث في سورية، وإذا كان المراقبون المتخصصون في الشؤون العسكرية يرون في الوضع الراهن انتصاراً، فقد يكون الامر صحيحاً لو ان الأمور توقفت عند هذا الحد وتجمدت عليه، غير أن ما هو قادم غدا وبعد غد، ينطوي على عوامل موضوعية تجعل من الحديث عن انتصار اضغاث أوهام.
فالمعارك العسكرية مهما اشتدت وأحدثت من الموت والدمار ، تنبىء نتائجها دائما بسنوات عجاف تحمل في ثناياها بذور حروب وصراعات قد تكون أوسع وأفدح وأعمق من كل الحروب التي سبقتها، وما أكثرها في منطقتنا العربية .
مؤشرات الخطر القادم تزداد ظهورا عبر وقائع تعرف بداياتها ولا تقدر خلاصاتها بدقة، صفقة حزب الله مع داعش ، والتعامل مع الإرهاب المنظم بنقله من مكان الى مكان آخر، حسب متطلبات الاجندات المضمرة ، ايقظ في العراق توجسات ومخاوف على المصير، فلماذا توضع على الحدود تشكيلات داعشية بدأت منذ اللحظة بالتسرب الى العديد من المحافظات العراقية ، اما لتعزيز تواجد في بعض المناطق، او لتأسيس خلايا نائمة تستيقظ في وقت قريب او بعيد .
والمناورات الضخمة التي تجريها إسرائيل بمساحة الجبهة الشمالية ، ليست مجرد تمرين روتيني فالمناورات الضخمة عادة هي نوع من أنواع الحرب ، لعلها تحقق نتائج هي ذات النتائج المرجوة من الحرب الفعلية .
وعودة الأمور الى ما هو أسوأ مما كانت عليه قبل الربيع السوري حيث يعود زوار الفجر الى العمل تحوطا وانتقاما، ما يشجع معظم اللاجئين على البقاء في أكواخ الغربة، فذلك أفضل من العودة الى اللا أمان الذي يوفره الوضع القديم المستجد.
كان الرعب من الموت هو العلامة الفارقة التي وحدت معظم الشعوب العربية، اما الان فان الذي يوحد هو الخوف على المصير.
قد تختفي دولة «داعش» عن الجغرافيا، وقد تنظم احتفالات تحت عنوان الانتصار عليها، وحين يستفيق الناس على اطلال ما حدث ، لا بدّ وان يدركوا بأن الاحتفالات لم تكن في محلها، وأن الانتصار ابتعد وأن الخطر سيظل واقفاً وراء الباب.