راديو أورينت - كتب خضر برهم - عندما علمت أن مسرح الحارة يعمل على تقديم مسرحية بعنوان ”هيطلية“ مستوحاة من مذكرات الكاتب التلحمي جبرا إبراهيم جبرا، شعرتُ بالمفاجاة لان من قرأ ”البئر الاولى“ يدرك جيداً ان ما كتبه جبرا عن هذه الحادثة لم يتعدى اربعة صفحات فكيف سيتم تحويلها الى مسرحية للاطفال؟ سؤال راودني فترة، قبل أن أتمكن يوم أمس من متابعة عرض الافتتاح في ستوديو مسرح الحارة.
اول ما يلفت الانتباه عند دخولك الى المسرح، هي الازياء الجميلة التي ارتداها كل من كرستين الهودلي، شبلي الباو ورزق ابراهيم، ابطال العمل، التي اعتمدت على لونين ابيض واسود واتت مكملة للديكور المميز والبسيط في آن للمسرحية، لقد تعامل الممثلين مع الاطفال الذين ملؤا جنبات الاستوديو بطريقة طفولية جعلتهم يتفاعلون مع العرض ويحافظوا قدر الامكان على هدوئهم رغم صعوبة السيطرة عليهم في مثل هذه العروض.
عندما بدأ العرض، لم استطع ان اربط بين ما قرأت في المذكرات وبين ما شاهدت الا بعد مضي نصف العرض تقريباً، لقد تعمد مخرج العمل البولندي دانييل أرباسزسكي، الى جعل الطفل يتجول في بيت لحم القديمة، عبر قطع الديكور التي كانت تحمل برسومات جميلة المناطق والامكنة التي اغلبها لم يعد موجود او تحول بمرور الزمن الى اماكن اخرى، قبل ان يبدأ بسرد القصة الرئيسية وطريقة تحضير الهيطلية وما حدث مع ”يوسف“ وكيف تناول هو واصدقائه في الحارة الكمية كلها قبل ان يعود اهله الى المنزل، ان تعمد المخرج الى اشارك الاطفال في هذه العملية كانت نقلة نوعية في العرض لانه كان بحاجة الى هذا العدد كي يتمكن من سرد الحدث الرئيس ونقطة التحول في القصة.
خلال العرض وبطريقة سهلة قدم العمل مجموعة من المعلومات للاطفال، ورغم عدم اعتماده على النص الى انه استطاع نقل الطفل الى اجواء نفتقدها الان، الى الجذور القديمة التي بدأت تندثر، الى الحارات التي كانت تجمع الجميع بين ازقتها الى العلاقات الاجتماعية التي ظهرت من خلال البيوت التي رسمها الديكور وزارها الممثلين، والاهم هي المشاركة في عملية صنع الاحداث من خلال بيع الحليب وصنع وتناول الهيطلية المتخيلة.
من نقاط قوة مسرح الحارة والتي ظهرت جلية في عرض الامس، هي اعتماده على مخرج بولندي لتقديم عمل تلمحي بامتياز، وعبر المهرجان الذي اقامه في نيسان ابريل الماضي، رأى امكانية لتقديم عمل مختلف وبطريقة جديدة بالاستعانة بهذا المخرج للابتعاد عن نمطية الاعمال المقدمة للاطفال وقد نجح في ذلك. لا بد ايضاً من الاشادة بالمطبوعات التي وزعت على الاطفال والتي ستسمح لهم بسرد القصة للبقية الذين لم يتمكنوا من الحضور، ونقلها الى بيوتهم وهنا تكتمل العملية الابداعية.
مع عرض هيطيلة، عدنا جميعنا يوم أمس كباراً وصغاراً الى جذورنا، وعاداتنا وتقاليدنا، وبطريقة مميزة وحديثة، ومع سرد هذه النوعية من القصص للاطفال، نكون لا زلنا نزرع في داخلهم بذرة، نأمل ان تنمو كي تبقى بيت لحم التي نحب في داخلهم.