شبكة وتر- نبيل عمرو- أنجز اشقاؤنا الأكراد الخطوة الأولى في مسيرتهم التاريخية والراشحة بالدم، نحو الاستقلال وتأسيس دولة قومية لهم على أرض العراق.
التصميم الكردي تغلّب على تهويل المحيط وتهديداته، فبينما كان الاكراد يصطفون طوابير طويلة أمام صناديق الاقتراع، كانت الدبابات التركية تنثر غباراً كثيفاً على الحدود، وعما قريب ستلتحم مع الدبابات الإيرانية.
أمّا العراق فإنه يواجه حرجاً من خلال السؤال المطروح الان ... هل نجح العراقيون في توحيد مجتمعهم حتى يعتبرون الاكراد هم التهديد الوحيد لهذه الوحدة الغائبة؟
وجد اشقاؤنا الأكراد حرجاً نثق بقدرتهم على التغلب عليه، وهو أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي أيدت الاستفتاء وأيدت قيام دولة كردية على أرض العراق.
الاكراد ليسوا سعداء بهذا التأييد، لأن الذين يقيمون علاقات استراتيجية من خلال الأطلسي مع إسرائيل، عايروا الاكراد بالتأييد الذي قدمته إسرائيل لأغراض خاصة بها للاستفتاء والاستقلال.
تسعون بالمائة من الكرد يريدون بلورة دولة قومية لهم، والعشرة بالمائة الذين قالو لا، انما فعلوا ذلك اعتراضا على التوقيت وليس رفضا للهدف، اذا فإن ملايين الكرد إن لم يحصلوا على استقلالهم فسيظلون أسرى لشعور بالظلم والحرمان، مما يعتبرونه حقا أساسيا لهم، فإذا كان الرفض العراقي لاستقلالهم يستند الى الحرص على وحدة البلد، فكيف سيكون الحال حين تشعر الملايين الكردية بمرارة الانكار والاجحاف، ثم إن الاكراد لا يخترعون حكاية جديدة فقبلهم فعلها السودانيون ، وقبلهم فعلها الباكستانيون، ولو فتشنا في وقائع التاريخ لوجدنا امثلة أكثر.
بعد الاستفتاء لا بد وان تبدأ او تتواصل حوارات مع الدولة المركزية في بغداد، وقد يسعى وسطاء دوليون الى فتح حوار بين الكرد ومحيطهم السوري والإيراني والتركي.
ستكون حوارات صعبة ومعقدة وربما طويلة الأمد ، وما ينبغي أن يفعل إقليمياً ودولياً، هو ضمان ان لا تتحول المناورات العسكرية الى حرب، وأن لا تتحول الإجراءات الانفعالية مثل غلق الحدود والأجواء الى حالة حصار رسمي ودائم، ذلك ان مضاعفات استخدام السلاح وادامة وتطوير الحصار، ربما تكون اكثر فداحة من حيث التداعيات من الاستفتاء والاستقلال/ اذا ما ولد من خلال تفاهمات واتفاقات ومعاهدات تضمن ان يكون الكيان الكردي العتيد منزوع الخطر وقابلا للتفاهم والتعايش والانسجام مع الشركاء التاريخيين في ارض العراق أولا وشركاء الجوار في المحيط الاوسع .
سيكون هذا هو الخيار الأسلم والأصوب، وتاريخ الكرد مع أبناء عمومتهم العرب، وأبناء دينهم المسلمين ينضح بما هو إيجابي وشديد الاشراق، فكل أواصر الوحدة مع الكرد إختبرت وسجلت وقائع تاريخية مجيدة، لم يكونوا مجرد رعايا او أقليات بل كانوا قادة وحكاما، وقد تستغربون ان العراقيين حتى في عهد صدام أعطوا الكرد أكثر مما أعطت تركيا وايران وسورية، ولم يندم العراقيون على ما أعطوا، فحرب الاستنزاف التي قادها الملا مصطفى البرزاني وضعت اوزارها واستبدلت بتفاهم تاريخي رآه الكرد ضروريا في حينه، الا انه ناقص وبحاجة الى استكمال.
لن اغفل هنا واقعة الكيماوي التي لم تكن الا امتدادا لمعاناة الشعب العراقي كله مع الديكتاتورية، فلنسجل هذه الواقعة المأساوية على حساب تجارب الماضي، ولنأخذ التعايش أساسا للمرحلة المقبلة ، ولن يكون مستحيلا إيجاد صيغة ترضي الاكراد ولا تهدد مصالح اشقائهم من باقي الاطياف العراقية ، واذا ما تجاوزنا قطوع الاستفتاء بتحكيم المصلحة العليا لأهل العراق أولا، فلن يكون مستحيلا تجاوز الامر مع الجوار .
أعود إلى العنوان...
الفلسطينيون يواجهون معضلة استقلالهم مع أن كل عوامل الاستقلال المنطقية موجودة على ارضهم وفي مجتمعهم وفي عدالة هدفهم، شعب بالملايين يعيش فوق ارضه، وارض لا ينكر احقيته فيها الا المحتل، الذي لا يخجل من مفارقة تأييده لدولة كردية ومحاربته لدولة فلسطينية ، واعتراف دولي ثمين وشامل، كل ذلك متوفر عندنا الا انه يقف امام جدار الرفض الإسرائيلي والمخاتلة الامريكية والعجز الدولي. اذاً ومن اجل ان لا يساء فهم الكفاح الوطني الفلسطيني، ومن أجل ان يتثبت في وعي العالم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، ومن ضمنها عاصمته المحددة الجغرافيا والمعالم والتاريخ القدس، لنقول للعالم .. هذا حقنا ولا تفتشوا عن صيغ مختلفة تسمونها حلاً او تسوية او تكيفاً مع الأمر الواقع.
لنفعلها اذا ولندخل الى زخم الاعتراف الدولي بحقنا في تقرير المصير عمقاً شعبياً متجدداً، لن نأتي بجديد فالشعب الفلسطيني عبر مؤسساته أكّد على ذلك بعطاء متواصل، الا ان استفتاءً شعبيا حول تقرير المصير، لا بد وان يكون محطة ورسالة على طريق الحرية والاستقلال.
خلاصة القول ... نحن كفلسطينيين مع صيغة تفاهم تاريخي جديد، بين الشقيقين الحميمين الكردي والعراقي، وفي زمن التسويات ، كل شيء جائز الا الانكار والحرب المدمرة.