تقرير - شبكة وتر - لن نعود إلى الوراء كثيرا في سرد الاحداث، بل سنبدأ من النقطة التي أصبحت فيها اليونان غارقة في الديون وبحاجة إلى ديون جديدة لكي تسدّ هذه الديون القديمة.
لقد طالب الدائنون اليونان بالقيام "بإصلاحات"، وكلمة إصلاحات هي التسمية الرسمية المنمقة لكلمة "التقشف". ومعنى ذلك تجويع الناس باتخاذ اجراءات على غرار طرد الآف من موظفي الدولة مع خوصصة ممتلكاتها, رفع سن التقاعد إلى 67 سنة. حيث ينبغي على اليونان التي تعاني من نسبة بطالة تتجاوز 50% رفع سن التقاعد للعبيد المسنين للعمل في أعمال لا وجود لها حتى السن 67. ومقابل ذلك ستحصل على أرقام الكترونية يطبعها أحد الرجال في حساب إحدى البنوك لتجعل اليونان قادرة على دفع الأرقام الالكترونية القديمة التي تمت طباعتها في حساباتها في الماضي على شكل ديون.
أوروبا فرضت على اليونان بكل اختصار أن تزيد من معاناة المجتمع مقابل حفنة ديون جديدة لدفع ديون قديمة. و اليونان قالت "لا" للتقشف و تريد بالرغم من ذلك أن تحصل على ديون غير مشروطة، الشيء الذي يمثل مطلبا تعجيزيا للدائنين. لماذا ستدفع أوروبا نفقات دولة مفلسة غير قادرة على الدفع وغير مستعدة لتخفيض نفقاتها؟ و بالمقابل لماذا على اليونان تجويع مجتمعها لدفع ديون قديمة بواسطة ديون جديدة؟
ربما ليس من السهل فهم طلاسم هذه المشكلة لأنها في الحقيقة ليست مشكلة بل مسخرة، مسخرة المنظومة الرأسمالية التي تعيش عصر انحطاطها. كان الأوربيون في الماضي يقتلون الساحرات لإيقاف الحروب والحد من انتشار الأمراض في عصر انحطاط الإقطاعية، وها هم الآن يقومون بتجويع شعوب بأسرها من أجل أرقام إلكترونية تطبع في حسابات افتراضية.
ما الذي سيحصل الآن؟
اليونان تقول "أنا ومن بعدي الطوفان". فما يحصل الان سيكون اسوأ بكثير من التقشف الذي رفضته اليونان. فإذا لم تحصل البلاد على ما تريد فإن السيول النقدية ستختفي من الأسواق، كما ستغلق البنوك أبوابها -وقد بدأت بالفعل-. وبذلك لن تستطيع الشركات اليونانية دفع فواتيرها ولن تحصل على البضائع. ستصبح الصيدليات خالية من الأدوية، ستتوقف المستشفيات عن تقديم خدماتها، ستصبح السياحة والفنادق عاجزة عن تقديم الأغذية لزبائنها، ثم ستتوقف الدولة عن دفع رواتب موظفيها. وهكذا سينهار المجتمع، تدريجيا، في الفوضى السياسية والتي ستنقل عدواها إلى جيرانها بلا شك.
ما الذي سيحصل اوروبيا؟
لدى البنوك اليونانية ديون هائلة للبنوك الأوروبية، وإفلاس اليونان سيؤدي إلى بدء تساقط قطع الدومينو. يكفي أن يشهر بنك واحد إفلاسه لتنهار بقية البنوك. عام 2008 خلال أزمة ليمان براذر، قامت الولايات المتحدة بضخ تسعة تريليونات من الدولارات المخلوقة من العدم في حسابات البنوك لمنع انهيارها، لكن هذه المرة سيكون طبع اليورو من العدم لإنقاذ البنوك بمثابة سكب البنزين على منزل يحترق.
حاليا اليونان تلعب الروليت، وتقول للدائنين نحن على استعداد للذهاب إلى الجحيم ولكننا لن نذهب لوحدنا.. إنها خطوة جريئة وذكية لابتزاز الدائنين لكي يركعوا لها، والكرة الآن في ملعب الأوروبيين. فبتعنتهم سيدفعون بلا شك ثمن ذلك عشرات الأضعاف وسيكون إعالة اليونان ودفع نفقاتها أقل تكلفة بكثير من تركها تغرق. و لكن إلى متى ستستمر الإعالة وماذا سيحدث بعد ذلك؟ ماذا عن إسبانيا وإيطاليا والبرتغال التي تعاني حاليا من نفس مشاكل اليونان؟ ما الذي يجعل اليونان الطفلة المدللة لاوروبا؟
ما هو تأثير سقوط اليونان على الاقتصاد العالمي؟
إن أسواق الأسهم الصينية تدهورت بشكل لم يسبق له مثيل بمجرد ذهاب اليونانيين إلى التصويت، ويتحدث الناس عن انتحار رجال أعمال وتدخلات الدولة لوقف الانهيار. و اسواق آسيا أيضا شهدت انهيارات مشابهة, حيث أن مزارع العبيد هناك والتي أنتجت البضائع لأوروبا في صدد فقدان شريك أساسي لها. وهي تحبس أنفاسها خوفا من انهيار اليورو وكساد أسواق أوروبا.
من يدفع ثمن ما يجري؟
جميع سكان الأرض سيدفعون الثمن عدا حفنة من أصحاب الثروات والبنوك. سنشهد جولة جديدة من تدهور قيمة العملات و بالتالي ارتفاع الاسعار اي اننا سنصبح أكثر فقرا في كل شبر من الأرض، و هذا سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار أكثر مما هو عليه وانتشار الفوضى..
سنمر بأوقات عصيبة، و الازمات تشتد بوتائر متسارعة, و المستقبل القريب سيكون مليء بالاحداث, و ربما سيكون من بينها الإعلان رسميا عن فشل وانتهاء هذه المنظومة الفاسدة عندما يجتمع الناس في كل ميادين الارض ليقولوا "لا" للمنظومة بأسرها.