شبكة وتر- من منا لا يرغب في توفير الوقت والجهد والمال الضائع على المواصلات من المنزل إلى العمل أو الجامعة وبالعكس؟ ، هل تحلم بالانتقال بلمح البصر إلى مكان دراستك أو عملك والتخلص من مشاكل السير وزحمة الطرق؟ هل تحلم بكوكب نظيف بعيد عن مشاكل التلوث التي تسببها الغازات المنبعثة من وسائط النقل ، كم عدد الوفيات التي تسببها حوادث السير ؟ هل يقلقك هذا الأمر؟
إذا كانت أغلب إجاباتك نعم تابع قراءة المقال التالي فهو يتحدث عن تقنية علمية قد تحدث ثورة في عالم السفر والتنقل، ألا وهي تقنية الانتقال الآني.
بداية ، ما هو الانتقال الآني ؟
لا بد وأنك شاهدت حلقة واحدة على الأقل من مسلسل الخيال العلمي الشهير “ستار تراك” والذي يصور الحياة المستقبلية للبشر في محطات الفضاء، حيث يدخل أحد أفراد الطاقم إلى غرفة مخصصة موجودة في المحطة أو المركبة الفضائية ومن ثم يتم تسليط شعاع ضوئي من نوع خاص بحيث يغطي جسمه بالكامل ليتلاشى تماماً ويظهر في نفس اللحظة في غرفة مشابهة للغرفة السابقة ولكن في مكان آخر من هذا الكون قد يبعد آلاف السنين الضوئية عن مكانه السابق..
هذا هو التصور القديم للانتقال الآني والذي تم بناءه بالكامل من الخيال العلمي دون الاستنداد إلى أي معطيات علمية، ولكن ماهو موقف العلماء من هذه الفكرة الثورية؟ وما هي النظريات التي قدموها؟
التصور الأوّلي للانتقال الآني
كان التفكير في تقنية الانتقال الآني محط أنظار الكثير من العلماء في خمسينات القرن الماضى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 خاصة بعد مشاهدة التطورات الكبيرة في وسائط النقل (كالطائرة) وما أحدثته من أثر اقتصادي واجتماعي و حتى عسكري.
كان التصور السائد لهذه التقنية في هذه الفترة هو عبارة عن جهازين اثنين أحدهما لقراءة وتصوير وقياس جميع مكونات الجسم المراد نقله والآخر جهاز تجميع وتركيب، يقوم الجهاز الأول بعملية مسح لجميع الذرات المكونة للجسم ويحفظها على شكل شيفرة معلومات وفق الترتيب نفسه ، ثم يقوم بتفكيك هذا الجسم وإتلافه ومن ثم يرسل شيفرة المعلومات إلى الجهاز الثاني والذي قد يبعد آلاف الكيلو مترات ليقوم بترجمتها ويعيد تشكيل نسخة مطابقة تماماً للجسم الأصلي ، بالاستعانة بمخزن يحتوي على جميع أنواع الذرات الموجودة على كوكب الأرض.
هذه العملية مشابهة لعملية نسخ المعلومات والبيانات على الحاسب الشخصي ، ولكن تخالفها بعملية إعادة التشكيل التي وضعت (نظرياً) لتقنية الانتقال الآني والتي وقفت عائقاً أمام علماء تلك الفترة ولمدة طويلة.
الفرق بين نقل المادة ، ونقل المعلومات
جميعنا يعرف الفرق بين العتاد الصلب للحاسوب والبيانات المُتموضعـة عليه (البرامج والملفات). تستطيع بضغطة زر واحدة صنع عدد كبير من النسخ لأي من البيانات المتوضعة على حاسوبك أو جوالك ونقلها عبر شبكة الانترنت إلى اي مكان في العالم دون أي تكلفة ودون إلغاء أي جزء من البيانات الأصلية في كل عملية نسخ، الأمر الذي يختلف عن العتاد الصلب والمتمثل في المادة التي تكوّن قطع جهازك وتشغل حيز حقيقي في الفراغ، كما يختلف عن جميع المكونات المادية المحيطة بنا والتي يحتاج صنع نسخة منها إلى استحضار جميع العناصر الأولية المكونة لها.
تجارب الإنتقال الآني
تمكن العلماء من القيام بأول تجربة نقل آني في عام 1969 حيث تم نقل صندوق صغير من غرفة إلى أخرى تبعد عنها مسافة ستة أمتار فقط، وبالفعل تم تفكيك جزيئات الصندوق في الغرفة الأولى وإعادة تركيبها في الغرفة الثانية عبر جهاز خاص باستخدام تقنية الألياف الكهرومغناطيسية، لكن الصدمة كانت عندما ترتبت جزيئات الصندوق بشكل عكسي وبدا الصندوق مقلوباً كأنك تنظر إليه عن طريق المرآة !
هذه النتيجة المحبطة والتي توصل إليها العلماء بعد سنوات من الدراسات جعلتهم يتوقفون عن التفكير في هذه التقنية لفترة طويلة قبل أن يقوموا بالتجربة الثانية عام 1993 والتي شاركت بها شركة الحواسيب والبرمجيات الأمريكية (IBM) حيث تم نقل قطعة نقدية من معدن الفضة مسافة 90 سم فقط، بعد أن تم وضعها في وعاء زجاجي مفرّغ من الهواء يرتبط بوعاء مماثل له عن طريق قناة من الألياف الزجاجية والمحاطة بمجال كهرومغناطيسي قوي جداً..
وبالفعل نجح الامر واختفت القطعة النقدية من الوعاء الأول لتستقر في الوعاء الثاني ، ولكن بعد مرور ساعة وست دقائق على انتقال آخر ذرة من ذرات القطعة النقدية، لذلك لم يعتبر العلماء هذه التجربة نقلاً آنياً نظراً إلى الزمن الكبير التي استغرقته عملية الانتقال.
في عام 1998 قام فريق من الباحثين فى مؤسسة كاليفورنيا للتكنولوجيا بتجربة جديدة للانتقال الآني، ولكن ليس على جسم مادي هذه المرة وإنما أجريت على فوتون (وهو جسيم أولي عديم الشحنه والكتلة، وهو المكون الأساسي للضوء وكل الأشكال الأخرى للإشعاع الكهرومغنطيسي وهو ينتقل بسرعة الضوء)..
تم نقل الفوتون مسافة متر واحد بواسطة عملية مشابهة لعملية النسخ العادية فقد تم استخدام ثلاث فوتونات في هذه التجربة، الفوتون الأصلي الذي من المفروض أن ينتقل، وفوتون آخر في مرحلة الانتقال، وفوتون ثالث تم إنشاؤه في مكان آخر على بعد متر واحد من الفوتون الأصلي، وقد تم نسخ معلومات الفوتون الأصلي ونقلها إلى الفوتون الثاني فالثالث، بحيث يكون الفوتون الثالث نسخة طبق الأصل عن الفوتون الأصلي.
بعد سنوات طويلة من الدراسات والأبحاث تمكن العلماء عام 2002 من نقل أكثر من فوتون بنفس الطريقة، وتمت التجربة على شعاع ليزر(والذي يتكون من ملايين الفوتونات) وتم نقله آنياً.
بعد عدة سنوات وتحديداً في عام 2006 قام فريق العلماء في مؤسسة “Niels Bohr” الدنيماركية بإجراء التجربة على خليط من الفوتونات والذرات، حيث تمكنوا من نقل معلومات مخزنة على شعاع من الليزر الى سحابة من الذرات عبر مسافة 50 سم وكانت هذه المرة الأولى التى تتم فيها عملية النقل بين الضوء والمادة.
ولكن ماذا عن نقــل الإنسان؟
من المعروف أن الكائنات الحية عموماً والإنسان خاصة من أعقد مكونات الطبيعة تركيباً، فالإنسان مركب من عدد كبير من الخلايا يقدر بحوالي 60 ترليون خلية وكل خلية مؤلفة من عدد كبير من المكونات المختلفة أهمها البروتينات والتي تتكون بدورها من عدد كبير من الأحماض الأمينية وقد يزيد عدد الأحماض الأمينية التي تشارك في بناء بروتين واحد على الثلاثين ألف حمض أميني، ولك أن تتصور كم هو عدد الذرات التي يتكون منها الحمض الأميني الواحد!
يقدر عدد ذرات جسم الإنسان وسطياً بحوالي 10 مرفوعة إلى أس 28 ( واحد وأمامه 28 صفر) ولكي تقوم بإجراء عملية الأنتقال الآني على جسم بشري عليك تصميم جهاز يستطيع مسح هذا العدد الكبير من الذرات بنفس ترتيبها ضمن جسم الإنسان ومن ثم تضمينها بشيفرة معلومات وإرسالها إلى جهاز آخر يقوم بتركيب نسخة مطابقة عن جسم الإنسان الأصلي مع مراعاة أدق التفاصيل لأن أي تغيير أو إزاحة في مكان أي ذرة من الذرات قد تؤدي إلى ظهور إنسان معاق ذهنياً..
ناهيك عن جريمة القتل البشعة التي سيرتكبها الجهاز الأول عند تدمير جسم الإنسان الأصلي !
وبفرض نجاح هذه التقنية على الجنس البشري هنا يكمن السؤال:
هل ستنتقل المعلومات والذكريات المخزنة في دماغ جسم الإنسان الأصلي؟ ماذا عن مشاعره وعواطفه وأحلامه أيضاً؟ أم سيتم تركيب إنسان جديد بجسد مشابه للجسد الأصلي دوناً عن أفكاره؟ وماذا عن الروح التي ما زالت وستبقى لغزاً يحير العلماء؟ هل ستنتقل الروح أيضاً أم أننا سنحصل على إنسان منقول ولكنه ميت؟
برأيي الشخصي قد تتحقق هذه التقنية في المدى القريب ولكنها ستكون محصورة في نقل الأشياء المادية الغير حية كالأثاث والبضائع وغير ذلك !