"لا تقدّرون النعم التي تعيشون فيها"، يقول المحاضر في كلية الإعلام في جامعة النجاح، مؤسس موقع "طقس فلسطين" أ. أيمن المصري، مخاطبًا طلبته من إعلاميي المستقبل، موضحًا: "فعندما كنت طالبًا في هذه الجامعة قبل سنين، كنت أضطر لألف الجامعة بعرضها وطولها كي أتمم عملية تسجيل موادي، وكنت اقضي أيامًا لإتمام عمليتي السحب والإضافة، التي كانت حينها يدوية".
مما لا شك فيه أن العالم بما فيه فلسطين تغيّر كثيرًا مع ظهور الشبكة العنكبوتية وانتشارها، ليس فقط على الصعيد الأكاديمي، بل على معظم مناحي حياتنا.
لم تعد مدننا تحتكر تواصلنا مع الغربة! مئات التغيرات طرأت على الواقع الفلسطيني مع انتشار الانترنت في الوطن، وتغلغله وسط المدن والمحافظات الفلسطينية، ليربطها ببعضها وبالعالم.
حيث بات المجتمع الفلسطيني أكثر وعيًا في الخدمات التي يمكن الاستفادة منها عندنا نتحدث عن الشبكة العنكبوتية، مثل التسوق أونلاين أو عبر الإنترنت، وحجز الفنادق، وإتمام بعض المعاملات البنكية، والاطلاع على مواعيد دوام الدوائر العامة والوزارات والمستشفيات، وعلى نتائج الثانوية العامة فور إعلانها، ودفع الفواتير المختلفة، وحجز تذاكر السفر، والحصول على المصادر العلمية، وغيرها الكثير.
"هذه الخدمات، وتوفرها أمام مستخدم الإنترنت طيلة أيام الشهر، خلق نسبة من الاستقلالية بين القرى والمدن والمحافظات الفلسطينية"، يقول أحمد عصام حج أسعد، خريج جامعة النجاح في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وصاحب محل "غرين أونلاين" للخدمات الإلكترونية، الذي يقع في في إحدى البلدات التابعة لمحافظة نابلس.
ويتابع: "ما أقصد هو أننا اعتدنا قبل دخول الإنترنت إلى محافظاتنا وقرانا، التوجه إلى أقرب مدينة علينا لإتمام المعاملات البنكية مثلاً، أو لحجز غرفة في إحدى الفنادق، أو لإجراء اتصال هاتفي خارج الوطن، أو للتواصل عبر الرسائل مع أقاربنا في الغربة عبر البريد الذي لم يكن متوفرًا لا في المدن، وهذه الأمور لم نعد نضطر لها في أيامنا، فعبر كبسة زر يمكننا إجراء كل ذلك بجهد وسرعة يكادان لا يذكران".
ويقول المدير التجاري في شركة "مدى لخدمات الإنترنت"، أن هناك تطورا تكنولوجيا نسبيا في فلسطين، مستوضحًا بتجربة جامعة القدس المفتوحة وصفوفها الافتراضية، التي تمكن الطلبة، بجهاز حاسوب واتصال مع الإنترنت، من حضور لقاءاتهم الصفية دون الحاجة للتنقل من حتى من سريرهم.
منافسات إلكترونية وبعد الانترنت، لم تعد المنافسة بين التجار وأصحاب المحال والمصالح التجارية، بالصورة المعتادة، حيث كان يجلس التجار على أبواب محالهم يراقبون أي من منافسيهم يحصل على زبائن أكثر.
ففي أيامنا هذه، حتى المنافسة باتت بلا طعم وحماس، يقول فراس الجماعيني، الذي يمتلك محلاً لمستحضرات التجميل في وسط مدينة نابلس: "أنشئت منذ أكثر من عامين صفحة إلكترونية وحسابات على "فيسبوك"، و"توتير"، و"إنستغرام"، لعرض كل جديد في محلي، وأتأكد من أن أغذي هذه الوسائل بشكل يومي، لأهميتها، فهي باتت "باترينتي" الثانية والأهم بعد ألواح العرض الزجاجية في محلي"، مضيفًا: "ما دفعني لذلك كان هو تجربة زملائي في المهنة، الذين باتوا يستقبلون زبائن من المدن الفلسطينية كلها بسبب ما كان ينشر على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي".
المشوار الذكي بعيد لكن، هل تكفي هذه التحولات ليطلق على فلسطين لقب "الدولة الذكية؟ يقول أشرف عتيق أن أمور كثيرة تقف أمام "فلسطين الذكية"، أهمها: "ضعف البنية التحتية التي تتيح إمكانية استغلال الإنترنت بكل إمكاناته، كما يوضح أن "الحكومة الفلسطينية لم تولي بعد الاهتمام الكافي لهذا العالم الافتراضي، لصعوبة تطبيق هذا النمط من العيش"، مضيفًا أن "الشعب الفلسطيني لم يصل بعد لمرحلة الثقة المطلقة بالإنترنت".
وتعقيبًا على ذلك يقول أحمد حج أسعد: "رغم أن أطفالنا باتوا يرضعون الإنترنت منذ الصغر، إلا أن استخدامنا للشبكة العنكبوتية محدودة إن لم تكن سطحية، فما زال الفلسطيني يفضّل التعامل مع الورق من الكبسات".