شبكة وتر-لم يعد بإمكان أهالي بلدة عقربا رعي مواشيهم وزراعة أراضيهم الممتدة إلى الجنوب الشرقي من مدينة نابلس، بعد أن كانت أغنامهم تجوب، وبكل حرية، تلك الأراضي المطلة على الأغوار الفلسطينية وصولاً إلى نهر الأردن.
ولا يزال أهالي البلدة يعانون جراء ممارسات جيش الاحتلال المتمثلة في مصادرة الأراضي وتجريفها بين الحين والآخر، وذلك من أجل السيطرة عليها واستخدام تضاريسها لأغراض عسكرية، فيما يحوّلها إلى وحدات استيطانية جديدة.
بينما يمارس المستوطنون أنشطتهم الزراعية ويرعون الأغنام في تلك الأراضي، تمهيداً لسرقتها من أصحابها الأصليين وإقامة مزارع رعوية، في واحد من أخطر الأساليب الاستيطانية وأشدها شراسة للاستيلاء على الأرض والتوغل فيها.
وهذا ما يُعرف بـ "الاستيطان الرعوي" الذي ينتشر في الضفة الغربية بشكل متسارع، لاسيما في المناطق المصنفة (ج)، والتي تُشيّد عليها البؤر الاستيطانية الرعوية، ما يفصل عقربا عن امتدادها الشرقي باتجاه الأغوار، ويحرم المواطنين من رعي مواشيهم في هذه المناطق.
ويقول رئيس بلدية عقربا، صلاح الدين جابر، أن اعتداءات الاحتلال المتواصلة على أراضي بلدته الواقعة في منطقة شفا غورية باتت تضيق الخناق عليها، وتحد من أنشطة الأهالي الذين يعتمدون على تربية الثروة الحيوانية بشكل كبير.
ويضيف خلال حديثه مع "القدس" دوت كوم: "كما ينتشر المستوطنون وجيش الاحتلال في تلك الأراضي بشكل ممنهج، ويتبادلون الأدوار في عملية تهجير مُربي المواشي من بيوتهم وخيامهم بمناطق الاغوار، عدا عن عمليات الهدم المتكررة وسرقة ممتلكات الأهالي وحظائر الاغنام التابعة لهم".
وشيّدت العديد من البؤر الاستيطانية في أراضي عقربا على طريقة المستوطن الراعي، الذي ما أن تطأ قدماه أرضاً ما برفقة قطيع من الأغنام أو الأبقار حتى يعيث فيها خراباً، ويمنع أصحابها من الوصول لها، فيما يتفاجأ المواطنون بوجود "كرفانات" وحظائر لمواشي المستوطنين، ما يخدم مشاريع استيطانية جديدة تحت حراسة مشددة من جيش الاحتلال.
ويتعمد الاحتلال دوما استخدام كافة الوسائل التي تخدم مشروعه الاستيطاني، ومن بينها مصادرة أراضي عقربا بحجة أنها أملاك غائبين (الذين هُجروا من بيوتهم عام 1967 خشية من ارهاب المحتل)، فيما لجأ عام 1972 إلى استخدام وسيلة متطرفة من أجل تهجير أهالي البلدة، تمثلت بقيامه آنذاك بتسميم الأراضي عبر ارسال طائرة لرش مواد كيميائية قاتلة للإنسان والحيوان في المنطقة، وذلك وفق الوثائق التي كشفتها الصحف العبرية مؤخراً.
ويلفت جابر إلى أن جيش الاحتلال والمستوطنين يواصلون اعتداءاتهم على بلدته، حيث شرعت آلياتهم مؤخراً بتجريف الأراضي الواقعة ما بين عقربا ومجدل بني فاضل، وذلك تمهيداً لإنشاء بؤرة استيطانية جديدة، زاعمين بأن هذه الاراضي أملاك دولة، على حد قوله.
وتحاصر بلدة عقربا مستوطنة "جيتيت" إلى الجنوب الشرقي، ومستوطنة "ايتمار" شمالاً، كما تجثم على أراضيها أربع بؤر استيطانية رعوية –وفق جابر-، بالإضافة إلى سبعة قواعد عسكرية في محيطها، ما يحصر أراضي البلدة في مساحة تقدر بحوالي 17 ألف دونم تقع ضمن تصنيف (ب)، حيث يسمح للأهالي التوسع والبناء فيها، بالإضافة إلى ممارسة أنشطتهم الزراعية والرعوية التي اعتادوا عليها.
ويقع الجزء الأكبر من مساحتها التاريخية التي تبلغ حوالي 144 ألف دونم ضمن تصنيف (ج) والذي يخضع لسيطرة الاحتلال، ما يحد من امتداد البلدة إلى حدودها الشرقية حتى الأغوار.
ويقطن عقربا نحو 14 ألف نسمة –بحسب جابر- والذين يمارسون أنشطتهم الحياتية المختلفة فوق ما تبقى من مساحتها الجغرافية، ويتعرضون بشكل مستمر لمضايقات جيش الاحتلال الذي يمنع المزارعين من الوصول لأراضيهم، كما يقوم باعتقال الرعاة واحتجاز مواشيهم ويجبرهم على دفع غرامات مالية مقابل الافراج عنهم.
ويشهد التاريخ العريق لهذه البلدة الكنعانية على وجود الحضارات المختلفة التي توالت على فلسطين، فيما أصبحت تُعرف بـ "قلعة المشاريق"، حيث تحيط بها العديد من الآثار والبِرك والخِرب التاريخية، من أبرزها خربة يانون، وخربة الطويل، ما يجعلها محط أطماع جيش الاحتلال ومستوطنيه الذين يحاولون إلغاء الطابع التاريخي والثقافي لأي تجمع فلسطيني، عدا عن سرقتهم للأرض والسيطرة عليها.
ويوضح جابر: "أن هناك عملية استهداف واضحة لمناطق الخِرب وينابيع المياه والمناطق الأثرية المميزة في قرى جنوب نابلس وليس في عقربا فحسب، حيث يسعى الاحتلال من خلالها للسيطرة على تلك المناطق وتفريغها من محتواها التاريخي والثقافي، بهدف خلق طابع لهم منتزع من ثقافة شعبنا الفلسطيني".
ويلاحظ بأن انتهاكات المستوطنين لم تتوقف عند حدود سرقة الأرض أو تدمير واحراق ممتلكات المواطنين، إنما الأمر تجاوز ذلك، حيث أنهم يتصرفون كالفلسطينيين في هذه الأراضي المصادرة، في محاولة منهم لاستنساخ الواقع الفلسطيني من حيث العادات وأسلوب حياة اليومية.
ويقول رئيس البلدية: "إن المجلس البلدي يتخذ العديد من الاجراءات التي تساعد في تحصين البلدة من أي عدوان متوقع من قبل المستوطنين، خاصة في المناطق القريبة من الاراضي المصادرة والمصنفة (ج)، وذلك من خلال توصيل شبكة الطرق وشبكات الكهرباء والمياه إلى هذه المناطق، رغم تلقيه العديد من الاخطارات لإزالتها".
ويتابع بأنه يسعى قدر الإمكان إلى توفير مشاريع زراعية للمزارعين، ما يعزز صمودهم ويساندهم من أجل البقاء في أراضيهم والمحافظة عليها، كما يساهم في تعويض الأهالي التي تضررت ممتلكاتهم جراء اعتداءات المستوطنين على البلدة".
ويشير رئيس البلدية إلى أن عقربا أصبحت تتمتع بوحدة زراعية وبيطرية، رافقها تشكيل جمعية تعاونية، وذلك بهدف دعم وتمكين المزارعين ومربي الثروة الحيوانية في مناطق الأغوار، ما تساهم في تعويض المواطنين الذين تضرروا بفعل قيام الاحتلال بهدم خيامهم ومنشآتهم، مضيفاً بأنه سيتم تزويد تلك المناطق بوحدات للطاقة الشمسية.
وتتركز العديد من المشاريع الزراعية في الجزء الشرقي لبلدة عقربا، حيث السهول الزراعية الشاسعة والمناطق الرعوية الممتدة إلى الأغوار، وذلك للمساهمة في استصلاح هذه الأراضي المستهدفة من قبل الاحتلال الاسرائيلي –بحسب جابر-، والحفاظ عليها من خطر الاستيطان المتفشي بالمنطقة.
ويشار إلى أن عقربا من أكبر البلدات الفلسطينية مساحةً، كما أنها تبعد عن مدينة نابلس حوالي 18 كيلومتر، وتتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يتوسط المحافظات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية.
دلالات