شبكة وتر-ما جرى بالأمس الثلاثاء في ذكرى ما يعرف بـ"خراب الهيكل الأول"، على يد الملك البابلي نبوخذ نصر من حيث التوقيت وحجم الاقتحامات ونوعيتها، يؤشر إلى أن هناك تطوراً نوعياً وخطيراً ينتظر مصير المسجد الأقصى، يتعدى قضية التقسيمين الزماني والمكاني، ويُعبر عن سياسية إسرائيلية ممنهجة يجري توزيع الأدوار فيها، ولا يغُرنكم قول نتنياهو بأن الموضوع السياسي الخاص بالأقصى من صلاحيات رئيس الوزراء، وبأنه سيحافظ على "الاستاتيكو" القائم، ولا يوجد مشاريع خاصة لهذا الوزير أو ذاك في الأقصى، وليرد عليه بن غفير الذي قاد هذا الاقتحام، بأنه سيستمر في الاقتحامات، وبأن "شعب اسرائيل"، سيصلي في كل الأماكن، بما في ذلك "جبل الهيكل". نحن نعلم بأن بن غفير لا يأبه بتحذيرات وتهديدات نتنياهو، فهو وسموترتش كممثلين للصهيونية القومية والدينية، وشركاء في حكومة نتنياهو، يمسكان "بعنق" القرار السياسي لنتنياهو، فبن غفير اقتحم المسجد الأقصى منذ توليه لوزارة الأمن القومي الإسرائيلي ست مرات، وفي تبريرها لتلك الاقتحامات، قدمت اسرائيل نفس الحجج والذرائع، بأنها ستحافظ على الوضع القائم. التوقيت يأتي في ظل دعوة رئاسية أمريكية - مصرية - قطرية للتفاوض يوم غد الخميس، ونتنياهو الذي قال وزير حربه غالانت بأنه المسؤول عن تعطيل صفقة تبادل الأسرى، وتشاطره وجهة النظر هذه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، بأن نتنياهو يضع شروطاً جديدة للتفاوض، ولذلك هذا الاقتحام وبهذا الحجم وبهذا التوقيت مدروس، وجزء من سياسة نتنياهو للتصعيد وإفشال خطة الوصول إلى اتفاق يوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ويحقق إتمام صفقة تبادل الأسرى.
ولعل عنوان هذا الاقتحام "تجديد العهد لبناء الهيكل"، وشعاره "طوفان الهيكل"، يحمل دلالة عميقة، بالقول لقوى المقاومة وفي قلبها حماس، طوفان أقصاكم والذي قلتم بأن أحد أهدافه حماية الأقصى والقدس، نحن نقول لكم "بأنه لا سيادة ولا سيطرة على الأقصى خارج السيادة " الإسرائيلية".
هذا الاقتحام غير المسبوق، يدفع بالأمور نحو أعلى درجات التصعيد، وبن غفير يعتقد بأن حالة "الموات" العربي- الإسلامي، وعجز دول النظام الرسمي العربي المنهار، ليس فقط في عدم القدرة على تقديم الدعم لغزة وأطفالها، بل وللأقصى أيضاً، وصولاً إلى عدم القدرة على الكلام، بحيث باتت الدول العربية والإسلامية تستنكر وتشجب في سرها، وهذا يوفر له الفرصة، لكي يكرس وقائع جديدة في الأقصى دينية وقانونية.
هذا الاقتحام الواسع بأعداد كبيرة جداً من المتطرفين وصلت إلى 2958 متطرفاً، وإطلاق الشعارات العنصرية وشعارات "شعب إسرائيل حي"، والنفخ في البوق، ورفع أعلام الهيكل، وإسرائيل في ساحات المسجد الأقصى، وأداء الطقوس التلمودية والتوراتية من سجود ملحمي، وانبطاح المستوطنين على وجوههم كأعلى شكل من أشكال الطقوس التلمودية والتوراتية، وكذلك الصلوات العلنية، وحلقات الرقص والغناء، بمرافقة استفزازات واعتداءات على المواطنين الفلسطينيين، وأصحاب المحال التجارية، والاعتداء وبحماية الجيش والشرطة على من أتوا من المصلين لأداء صلاة الفجر، كله يؤشر إلى أن هذا الاقتحام وفي هذا الظرف بالذات، يراد له أن يوفر للصهيونية اليهودية بشقيها القومي والديني، الفرصة الكبيرة لفرض وقائع جديدة في الأقصى تغير من طابعه الديني والقانوني والتاريخي، بما يتجاوز قضيتي التقسيمين الزماني والمكاني، إلى توفير حياة وقدسية لليهود في المسجد الأقصى، أي الشراكة في المكان، وأن يصبح المسجد الأقصى، ليس مسجداً إسلامياً خالصاً خاصاً باتباع الديانة الإسلامية، بل ذا قدسية مشتركة إسلامية – يهودية على طريق الانتقال للخطوة الفعلية اللاحقة وهي العمل على بناء الهيكل الثالث مكان المسجد القبلي.
عمليات الاقتحام للمسجد الأقصى من قبل الجماعات المتطرفة التلمودية والتوراتية والتي تتزايد بشكل كبير جداً، تريد العبور بالمسجد الأقصى من زمنه الإسلامي إلى زمنه اليهودي، ويجري توظيف كل الأعياد والمناسبات القومية اليهودية من أجل تحقيق هذا الغرض، ولعل البعض يتصور بأن ذلك متعلق بالجانب الديني فقط، وهذا يجافي الحقيقة، فعملية النفخ في البوق كواحدة من طقوس إحياء الهيكل المعنوي، ليس لها هدف ديني فقط، بل لها أهداف سياسية تتعلق بالهيمنة والسيادة والسيطرة، ودينياً يجري النفخ في البوق في مناسبتين، رأس السنة العبرية، وما يعرف بـ" يوم الغفران"، في حين في الجانب السياسي ينفخ في البوق، في ذكرى ما يعرف بيوم "الاستقلال"، ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، وعند تنصيب رئيس وزراء جديد لإسرائيل، دلالة على الهيمنة والسيادة والسيطرة، فرئيس الوزراء رأس الدولة وأعلى منصب سياسي في إسرائيل.
الجماعات التلمودية والتوراتية، ترى أنها استكملت كل طقوس، ومظاهر إحياء الهيكل المعنوي، من نفخ في البوق إلى محاكاة قرابين الهيكل الحيوانية، وذبحها في الأقصى وإلى إدخال قرابين الهيكل النباتية من سُعف نخيل وأوراق الصفصاف والحمضيات المجففة، ودخول الكهنة بلباسهم الأبيض، وإدخال شالات الصلاة واللفائف الخاصة بطقوسها واللفائف السوداء وأداء الطقوس والصلوات العلنية في الأقصى فردية وجماعية، وقراءة فقرات من التوراة وسفر إيستر.
وهي الآن تريد أن تنتقل لخطوة عملية في إقامة الهيكل الثالث بشكل عملي، وهذا يتطلب القيام بعملية ذبح لواحدة من البقرات الخمس الحمراء التي جرى استولادها جينياً في ولاية تكساس الأمريكية، خاصة أنها قد بلغت العمر الشرعي لها (عامين)، وعملية الذبح لتلك البقرة التي كانت ستجري على قمة جبل الطور المقابل للمسجد الأقصى على قطعة أرض استولى عليها المستوطنون هناك، في ظل التطورات الحاصلة، باتت تلك الجماعات تفكر في ذبحها في المسجد الأقصى، وبعد عملية الذبح يجري حرق جثة البقرة ونثر رمادها على أكبر عدد من الحاخامات، من أجل تجاوز قرار الحاخامية الكبرى، فتوى الحاخام السفاردي الأكبر عوفاديا يوسف بعدم اقتحام جبل الهيكل والصلاة فيه، بدون بند التطهر من نجاسة الموتى، ولذلك ستذبح البقرة وينثر رمادها على أكبر عدد من الحاخامات، وهذا يعني أننا سنقف في المستقبل، بعد تنفيذ تلك الخطوة أمام "طوفان" من الاقتحامات للأقصى، بحيث يصبح معدل الاقتحامات اليومية ما بين 1000 – 1500 متطرف، وهذا عملياً يضع المسجد الأقصى أمام مخاطر حقيقة، بأن اليهود سيكونوا شركاء في المكان، عبر السيطرة على ثلث مساحته، أي كامل المنطقة الشرقية، وبالتالي تصبح المعادلة في الأقصى، شيخ مسلم مقابله حاخام يهودي، وطفل فلسطيني مقابله طفل يهودي، ومصلٍ مسلم مقابله مصلٍ يهودي، والتمهيد لخطوة إقامة الهيكل الثالث، بدل مسجد قبة الصخرة، على اعتبار أن الأقصى، وفق روايتهم وأساطيرهم التلمودية والتوراتية، أقدس مكان ديني لليهود، وهو جبل الهيكل المزعوم.
إذن، بن غفير والذي يصفه البعض بأنه أهوج ومتطرف يقود المنطقة إلى صراع ديني واسع عنوانه الأقصى، وكما قال بأنه سيستمر في الاقتحامات للأقصى، وسيزيد من أعداد المقتحمين، ويمنحهم المزيد من التحكم والسيادة والسيطرة على الأقصى، دون أن يلتفت إلى انتقادات نتنياهو، وفي ظل سعي لبيد زعيم حزب "يش عتيد" ومحادثاته مع زعيم حركة "شاس" أرييه درعي، من أجل سن قانون يحظر القيام بعمليات الاقتحام للأقصى، فإن بن غفير وشركاءه من الصهيونية الدينية، وأحزاب اليمين، من أجل قطع الطريق على مثل هكذا تفكير، سيتجهون إلى تنفيذ فكرتهم بذبح البقرة الحمراء، لتجاوز قرار الحاخامية الكبرى، بعدم اقتحام الأقصى بدون بند التطهر من "نجاسة الموتى" .
هي خطوات تُسرع في عملية الانفجار في مدينة تقترب فيها الأوضاع من الانفجار، ليس فقط بسبب الاقتحامات للأقصى، بل بسبب الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على مدينة القدس وسكانها العرب، موظفة لذلك كل أجهزتها الأمنية والمدنية.
بن غفير الذي يصفه البعض بأنه أهوج ومتطرف يقود المنطقة إلى صراع ديني واسع عنوانه الأقصى، وكما قال بأنه سيستمر في الاقتحامات للأقصى، وسيزيد من أعداد المقتحمين، ويمنحهم المزيد من التحكم والسيادة والسيطرة على الأقصى.