راديو أورينت - إن كنت من مستخدمي الشبكة الاجتماعية بكثرة، فلابد وأنك تستمتع بشكلٍ شبه يومي بالمنشورات غريبة الأطوار، والتي يقوم بكتابتها أشخاص مجهولون في معظم الأحيان، إلا في حال كنت من الشريحة القليلة التي تقوم بحساب كل نقرة إعجاب على أي منشور أو صفحة وتدرس نفسية كل شخص من أصدقائها لكي لا تقع في هذه المتاهات.
ولكن للأسف، مهما كنت حريصًا على ذلك، فإن وجودك ضمن المجتمع العربي ووجود أصدقائك وأقربائك وصاحب البقالة التي تشتري منها أغراض المنزل على فيس بوك، وإحراجك من قِبل البعض لقبول طلب الصداقة؛ وخاصةً الأقارب الذين يكبرونك بالعُمر، فإنك بدون شك ستُشاهد منشورات غريبة الأطوار لأن أحد الموجودين على قائمة أصدقائك قام بالإعجاب بها أو التعليق عليها أو ربما الكارثة الأكبر وهي مشاركتها.
ماهي المنشورات التي نتحدّث عنها؟
لقد ذكرت مثالًا واحدًا في عنوان المقال يلخّص الكثير من المنشورات، وربما هو المثال الأضخم الذي انتشر بشكلٍ فيروسي وحقّق الأهداف المرجوّة منه بامتياز، فمع كل صورة شجرة نَمَت بشكلٍ مختلف أو أثّرت الأحوال الجوّية على تكوينها، ستجد عبارات مثل الشجرة السّاجدة وآية قرآنية والختام يكون عبارات على شاكلة “لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله”!
أو قد تجد صورة لشخص مشوّه تقشعرّ لها الأبدان وتجد عبارات مماثلة على غرار “لا تخرج قبل أن تقول الحمدلله”، وربما صورة لأذن طفل صغير تشكّل اسم “الله” وإن لم تشاركها مع الآخرين فإن الشيطان قد منعك بالتأكيد، ولسوء الحظ قد تكون أنت من هؤلاء الآخرين الذين قاموا بقبول طلب صداقة من شخص ربما ليس بجاهل، وإنما بسيط ويصدّق كل ما يقرأه ويُشاهده.
منشورات أخرى درجت على الساحة مؤخرًا ربما لأن المنشورات التي تعتمد على التسليم بالدين الإسلامي لم تعد قويّة كفاية، وهناك العديد من الأشخاص والحملات الذين حاولوا مكافحة مثل هذه المنشورات والخرافات ولا يزالون، منهم لدوافع دينية عقلانية، ومنهم لدوافع علمية فقط؛ وربما تكون ساخرة من حال المؤمنين بهذه المنشورات، ومن هذه الحملات التي تحترم عقل المُتابع وتُحاول الدّفاع عن الإسلام بشكلٍ خاص ومحاربة الخرافات على الإنترنت بشكلٍ عام هي
حملة #فتبينوا، والذين يُشكرون على محاولتهم تخليصنا من هذه المنشورات الغريبة.
من المنشورات الجديدة إذن تلك التي تحاول اللعب على صعيدٍ آخر وهو الغريزة الجنسية، فهي من أقوى الغرائز منذ الأزل، وخاصةً عندما تكون الشريحة المستهدفة هي فئة الشباب التي قد تكون مكبوتة جنسيًا في مجتمعنا العربي بمعظم الحالات، وبالتالي ستجد ببساطة أن أحد الموجودين على قائمة الأصدقاء لديك قام بكتابة رقم 2 لكي تختفي القطّة من الصورة ويظهر ما يُشبع غرائزه، أو رقم 6 لكي يقفز الأرنب!
في الحقيقية من يقوم بإنتاج مثل هذه المنشورات لديه رؤية واضحة لأكثر ما يجذب المستخدم البسيط كونهم الشريحة الأكبر، فهو إما يستغلّ الجانب الإيماني والتسليمي في الدين، سواءً كان الدين الإسلامي أم غيره، فهناك منشورات لديانات أخرى بالفعل، إلا أنها أقل انتشارًا كون الشريحة الأكبر من الشعب العربي هم مسلمين، أو يستغلّ الجانب الغريزي الذي يشكّل هوسًا للكثير من الشباب.
ماذا يستفيد صاحب هذه المنشورات؟
ولكن لنصل إلى المغزى الرئيسي، ماذا يستفيد صاحب منشورات “لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله” أو منشورات “اكتب رقم 2 لأجل كذا وكذا”؟ الهدف الرئيسي بلا شك هو التّسويق، وهذا النوع من التّسويق للأسف “قذر” بحسب رأيي الشخصي، فهو يستغلّ نقاط ضعف الآخرين لعمل ضجّة تسويقية وزيادة الإقبال على المنشور، وبالتالي زيادة الإقبال على صفحة صاحب المنشور أو حسابه، ومنه زيادة متابعيه ومعجبيه بشكلٍ فيروسي.
بعد أن تعمل هذه المنشورات عملها بشكلٍ فعّال وتصل إلى مئات آلاف الإعجابات والمشاركات والتعليقات؛ وهو أمرٌ تشترك به معظم هذه المنشورات، سيصبح لصاحبها صفحات تحتوي على مئات آلاف المعجبين، وربما الملايين، وسيتحسّن كذلك “مستوى الوصول” Post Reach إلى منشورات هذه الصفحات، وكذلك “مستوى المشاركة” Post Engagement، وهي عناصر مهمّة جدًا لأي معلن يرغب بالإعلان في صفحة عبر فيس بوك بطريقة تقليدية، فعندما يُشاهد هذه الأرقام الكبيرة سيدفع أمولًا كثيرة من أجل إيصال إعلانه لهذا الجمهور العريض، المبني أساسًا على المستخدم البسيط.
إذن الهدف الرئيسي من هذه المنشورات يُفترض أن يكون واضحًا للجميع، ربما تكون هناك أهداف ثانوية أخرى أو ربما رئيسية ولكن عند شريحة ضيّقة من الناشرين، كأن يكون الهدف هو بالأساس تشويه صورة الدين الإسلامي بشكلٍ من الأشكال بحجّة أن الأشخاص المسلمين يصدّقون كل ما يُشاهدونه، أو ربما يكون الهدف هو إشباع رغبات نفسية في الحصول على عدد كبير من المعجبين بمنشور ما وكذلك مشاركات كثيرة، ولكن في معظم الحالات الهدف هو الأموال مقابل الإعلانات.
ما ورد أعلاه هو رأي وتحليل شخصي لهذه الظاهرة، والتي آمل أن تتلاشى بيومٍ من الأيام، وهي طريقة من طرق عديدة أخرى أقل إزعاجًا يحاول بها الناشرين استقطاب شريحة كبيرة من المتابعين بشكلٍ من الأشكال لإغراق جيوبهم بأموال المُعلنين الذين ينتمون أيضًا لشريحة المُعلنين البسيطة، فمن يُعلن بهذه الطرق البدائية وفيس بوك توفّر له طرق رسمية لهو شخصٌ ليس لديه أي فكرة عن التسويق والتّطور الذي وصل إليه، ولكن هذا موضوعٌ آخر قد يتم التّطرق إليه يومًا ما.
المهم الآن، لا تخرج قبل أن تقول رأيك في هذه الظاهرة!