كتب د .ياسر عبدالله
تنامي استخدام الشباب الفلسطيني لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصل عدد المستخدمين للفيس بوك العام 2015 إلى (1.7) مليون مستخدم مقارنة بالعام (2012) حيث كان عدد المستخدمين لا يتجاوز (700) ألف مستخدم، وهذا يعني أن تلك المواقع أصبحت جزءاً من حياة الشباب والأطفال وحتى كبار السن، والمعلم والوزير، السائق وعامل البناء، أصبحت جزءاً من حياة الفرد، عمله، جامعته، ومدرسته، فالفرد اليوم يملك عالمين: عالمه الافتراضي، والوقعي.
ويدور جدل حول تلك المواقع، فنجد في السعودية ما قام به روّاد مواقع التواصل الاجتماعي عندما أصدر المفتي الشيخ عبد العزيز ال الشيخ فتوى حرم فيها لعبة الشطرنج، والتي احدثت ضجة كبرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر لاعب الشطرنج الأسطوري الروسي غاري كاسباروف أنها "محاولة غبية" من الرياض "لحظر" اللعبة".
يردّ على ذلك قول الشيخ محمد اليدالي الدين، المستشار بإدارة الفتوى الشرعية في دائرة القضاء بأبوظبي "لقد شاع في هذه الآونة الجرأة على الفتوى، حيث أصبح كلّ من هبّ ودبّ يفتي ويقول على الله بلا علم، حتى أصبح يتجاسر على الفتوى عامة الناس من الذين لا يحفظون آية من القرآن لكريم، ولا حديثاً من أحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا يعتمد على دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا قول لأحد من أهل العلم، بل إن هذا المتجاسر قد يكون ممن لا يستطيع أن يقرأ نصاً من قرآن أو سنة قراءة صحيحة سليمة من الأخطاء. وتراه ينشر فتاواه وآراءه في الدين عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الحديثة بين العامة التي لا تميّز بين الصحيح والسقيم، ليضل الناس عن سبيل الله أو ليكتسب بذلك شهرة ومكانة علمية عند الناس".
وللخروج من هذا الجدل نحاول أن نبرز التجربة الرائعة التي قام بها خريجو فلسطين " خريجون بلا عمل" ، حين تمّ توظيف وسائل التواصل الاجتماعي عبر حسابتهم على الفيس بوك، ومن خلال إنشاء صفحة " قضايا الخرجين الفلسطينيين داخل الوطن"، وصل عدد المشتركين فيها( 5000 )عضو، حيث كانت البداية مجموعة من الخرجين الذين يعانون عقم امتحان التوظيف والمعايير التي يقام عليها . وبالرغم من معوقات الاحتلال وانتهاكاته ، إلا أنّهم تمكّنوا من التواصل، والتحوّل من عالمهم الافتراضي، لتعبير عن حقوقهم إلى طرق أبواب المسؤولين والجهات المعنية ، واستطاعوا أن يلتقوا مع وزير التربية والتعليم، وتقديم مقترح رائع لحل مشكلتهم، وطرق أبواب رئاسة الوزراء أيضا مستمرون في البحث عن حلول ، إلى أن تم عقد مؤتمرهم الأول حيث تم الإعلان عنه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على صفحة الخرجين وعلى حسابتهم على الفيس بوك وخرجوا بتوصيات رائعة قابلة للتطبيق في مقدمتها المطالبة بإنشاء "هيئة شؤون الخرجين"، وكذلك بتوصية لا تقل أهمية وهي تعديل الفقرة الأولى من المادة (22) من قانون الخدمة المدنية، والتي تنص على "يكون التعين في الوظائف بحسب الاسبقية الواردة بالترتيب النهائي لنتائج الامتحان، وعند التساوي في الترتيب يعين الأعلى مؤهلا فالأكثر خبرة فأن تساويا تقدم الأكبر سناً، وتسقط حقوق من لا يدركه الدور للتعيين بمضي سنة من تاريخ اعلان نتيجة الامتحان". وخرج المؤتمر بقرار رفع توصية إلى الأمين العام لرئاسة الوزراء حول تعديل هذه الفقرة من المادة (22) لقانون الخدمة المدنية التي تسببت بمعاناة الخرجين الذين يتنافسون فقط على 4% من أعداد الخرجين وهم يعرفون أن 96% منهم سوف يعودون الى منازلهم وهم مقتنعون بأن الامتحان ليس إلا يوما في السنة، يذكرهم بأنهم حملة شهادات علمية، ويذكرهم بأن عددهم ازداد بمعدل (5000) خريج بلا عمل.
يؤكّد الخريجون روّاد ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها(الفيس بوك) في فلسطين أنهم دائما أصحاب تجارب عملاقة ، فقد أكّد قبل ذلك الشباب الفلسطيني بطولاتهم في التضامن مع القضايا الوطنية وفي مقدمتها قضية الأسرى المحررين المضربين عن الطعام ،وهم الان يناصرون الأسير محمد القيق المضرب عن الطعام منذ أكثر من (90) يوما، وهم أيضا من وقفوا مع محمد عساف في منافسته على لقب " محبوب العرب ، وكذلك جسدوا معاني النضال عبر وسائل التواصل الاجتماعي في وعيهم من مخاطر الوحدة (8200) وحدة التجسس الالكتروني الإسرائيلي ونشرهم لمفاهيم الانتماء والولاء للوطن .
تلك التجارب تؤكد ان التكنولوجيا في حد ذاتها هي نعمة من الله وأنها ذات منفعة وفائدة للفرد والمجتمع في حال تم استخدامها بشكل إيجابي بما يخدم القضايا الوطنية وتعزيز الروابط الاجتماعية، ونشر الثقافة والتراث من خلالها، وتجسيد مفاهيم الصمود والتصدي، وهي وسيلة فاعلة جدا للمساءلة الاجتماعية حول أي قضية يجد المواطن انها تتعارض مع كرامته وحريته وحقه في العيش بكرامة في وطنه. فالخطأ ليس في تكنولوجيا الانترنت ولا في مواقع التواصل الاجتماعي وانما الخطأ في الاستخدام والتطبيق.