عندما تصبح إسرائيل حليفاً ، و يتم رسم خطط التأمين الإستراتيجي للمنطقة ، للشرق الأوسط ، بمشاركتها و موافقتها و مراعاة " حقوقها " ، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة ، عندما يتم تقاسم المياه و الغاز و السياحة و المطارات و الموانئ و الأمن و الإستيراد و التصدير معها بمحاصصات و نسب و التفاوض معها بطرق مباشرة غالباً ، و غير مباشرة نادراً ، عندما يتم التوافق معها على أساليب المقاومة ، و أنواعها ، و التحالف مع حلفائها ، و التوقيع على إتفاقات أو تفاهمات أو دردشات في البيت الأبيض علانية ، أو في بيت الدرج أو " بير السلم " خفية و سراً .. فالنتيجة واحدة .. لا فرق بين أوسلو و أنقرة ، ولا واشنطون و موسكو ، و لا بين هدنة ووقف إطلاق نار أو وقف الأعمال العدائية .. كلها ألفاظ و مسميات ، و كل الطرق تؤدي إلى روما .
عندما يوكل زعيم ما ، كاتب مشهور ببلاغته ، أو أديب لا يشق لقلمه غبار ، بكتابة خطاباته ، و نصفق له و نتأثر بكلمات ليست له ، و لكننا نصفق له ، و نعجب به ، تماما كما نصفق لممثل على المسرح يقول كلمات ليست له ، و مغنى ينشد قصائد غيره ، و ألحان غيره ، فقط عليه أن يجيد التمثيل أو التمايل أو الرقص .. ليسلب عقولنا ، و يخدر فطنتنا و يكسب حبنا وولائنا . إنه عصر الهوى و الغيبوبة ، عصر أصبح الإدمان على أنواع المخدرات فيه شئ عادي ، بل و أصيل لازم ، المخدرات باشكالها المادية و المعنوية ، بدءاً من الحشيش و الأفيون و الهيروئين و الماريوانا و حقن الماكس و حبوب الترامادول ، و قصائد الشعر و منظوم الكلام نثراً أو بحثاً أو كتباً أو خطباً ، مخدرات وهم و خرافات تلبس لباس التدين و مخدرات النضال و الكفاح و المقاومة ، و مخدرات الحب و السلام .. كلها أوهام و كلها أقوال لا يتبعها إلا الغاوون ، تراهم في كل واد يهيمون ...
و بما أن لكل علّة و مرض سبب ، و لكل نتائج مقدمات ، حاول أن تنظر إلى الأوضاع بزاوية أكثر إتساعاً و شمولاً .. فعلى سبيل المثال ، تأمل في بعض الأوراق و المنشورات العتيقة ، كيف كان يتم إختيار العضو في حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح ، و كيف كان ينظر إلى شخصيته و صدقه و أمانته و إلتزامه الأخلاقي والوطني ، و تحصيله العلمي .. و كيف كان يتم التصنيف و التوجيه للشخص و أين يمكن أن يكون أكثر إفادة ، و كانت النتائج حتى أواخر السبعينات ، مُرضية إلى حدود بعيده ، على مستويات الأداء العسكري و السياسي بل و الأدبي و الثقافي و الإجتماعي و الإقتصادي، و كانت الأسباب و المقدمات الأولى منذ الخمسينات ، سبباً للنتائج المبهرة حتى أواخر السبعينات ، ثم ما تبعها من فوضى سواء لأسباب ذاتية أو موضوعية ، أدت إلى عشوائية الإختيار ، و بدايات الإنفلاش ، و محاولات مستمرة و مستميتة في كثير من الأحيان للإنقاذ ، أدت إلى ظهور ثغرات مكّنت جهات خارجية من النفاذ و التغلغل، و خلق الصراع و الإنشقاق و الشقاق ، ذابت كلها أو معظمها عملياً ولكنها تركت ندوباً و آثاراً يصعب إستئصالها أو التغاضي عنها ، فقد اثرت في جمال التكوين ، و شوهت الشكل العام بل و تسربت إلى المضمون ، و شهدت على مدى المسيرة تعرجات و صعود و هبوط ، خلق واقعاً تميز بتسلق بعض الصغار المستحدثين ، إلى الصف الأول أو الثاني ، و ما زالوا ، يؤثرون في القرار و التوجه ، و شكلوا حلقات ضغط على القيادة التاريخية ، بل و المؤسسة للحركة ذاتها ، تخطئ و تعدل عليها ، فإستحقوا ما قاله القائد الرمز ، أبو عمار ، لهم مباشرة ، في لقاء بعد قيام السلطة بوقت قصير حين إستعار مضمون و معنى كلمات الله عز و جل : ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) .(17) الحجرات .
هذه الحالة كانت أحد أهم العوامل التي خلقت فراغاً ، و خلخلة في الصورة الذهنية الجمعية للثورة الفلسطينية ، و سمحت لأنواع أخرى من ( الأوهام ) أن تتسرب إلى المجتمع ، ليجد فيها و بها المواطن تعويضاً ، و يحاول أن يقنع نفسه بأن هناك بدائل ، أكثر صدقاً و أكثر قرباً من أصول كادت أن تضيع .. و كلما إستمرت فئات ( المَانُّون ) و تمادت في عنجهيتها و تحكمها و نفوذها ، كلما زاد إقتناع الشارع بضرورة التخلص منها ، باللجوء إلى الوهم الجديد ، حتى ظهرت النتائج ، ووجد الفلسطينيون أنفسهم يدخلون عصراً جديداً ، بعناوين جديدة ، و سلوكيات و ثقافة غريبة ، منهم و ليست منهم ، تشبههم و تتكلم لغتهم ، و لكنها خالية من ( الروح ) .. و بدأت الغيبوبة ، و فرَّ ( المَانُّون ) أو من بقى منهم من كل الساحات ، جماعات و فرادى ، فمنهم من قضى نحبه ، و منهم من إكتفى بما جمع و سكن و هدأ إلى جانب حساباته البنكية ، و عقاراته و تجارته ، و منهم من إستمر في المغالطة ، و ياليته إستمر بالتغليط ، فرق شاسع بين المغالطة و التغليط .. فالمغالطة هي فن إبتداع الحجج ، و البحث عن العيوب و الترصد للأخطاء ، لتبرير مواقف و أعمال و أقوال ، و تغليب الباطل على الحق ، أما التغليط ، فهي البحث عن الغلط ، و تأنيب الذات ، و محاولة تعديل المسار ، ولو أن هذا ما حدث ، منذ اللحظة الأولى التي إنتصر بها صناع الوهم على المَانُّون ، لما وجد صناع الوهم لهم مساحة ، و لإنحَسَرت و ضاقت شقوقهم ، و أصبحت هباءً منثوراً .. ولكن كيف يمكن للمَانُّون ، أن يُغلِّطوا أنفسهم و يُعدِّلوا مسيرتهم ؟؟ و يأتي الرد من الناس ، و على مدى عشر سنوات خلت ، بشكل واضح و متكرر ، على هذا التساؤل ، ردٌ بكل ما فيه من عفوية ، فيه منطقية ، رد الشارع ، الذي رفض أن يتخلص من تجار الوهم ، لعدم وجود البديل .. المَانُّون ما زالوا يُغالِطون ، و مازلوا في كل واد يَهيْمُون .. حتى الآن .. وعود على بدء " عندما تصبح إسرائيل حليفاً ، و يتم رسم خطط التأمين الإستراتيجي للمنطقة ، للشرق الأوسط ، بمشاركتها و موافقتها و مراعاة " حقوقها " ، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة ، عندما يتم تقاسم المياه و الغاز و السياحة و المطارات و الموانئ و الأمن و الإستيراد و التصدير معها بمحاصصات و نسب و التفاوض معها بطرق مباشرة غالباً ، و غير مباشرة نادراً ، عندما يتم التوافق معها على أساليب المقاومة ، و أنواعها ، و التحالف مع حلفائها ، و التوقيع على إتفاقات أو تفاهمات أو دردشات في البيت الأبيض علانية ، أو في بيت الدرج أو " بير السلم " خفية و سراً .. فالنتيجة واحدة .. لا فرق بين أوسلو و أنقرة ، ولا واشنطون و موسكو ، و لا بين هدنة ووقف إطلاق نار أو وقف الأعمال العدائية .. كلها ألفاظ و مسميات ، و كل الطرق تؤدي إلى روما ".