شبكة وتر-"بقلم :سليم نصار"انتهت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرياض، التي قام بها بهدف محاورة زعماء مجلس التعاون الخليجي، والاطلاع على شؤونهم وشجونهم بعد مرور أكثر من سنة تقريباً على قمة «كامب ديفيد».
وحدث في مطلع شهر أيار (مايو) من السنة الماضية أن فاجأ أوباما المشتركين معه في القمة بإلقاء كلمة مرتجلة انحرف فيها عن موضوع أخطار الاتفاق النووي مع إيران.
ووصف الاتفاق المزمَع عقده معها بأنه أفضل الخيارات المتاحة. كما انتقد تقاعس المسؤولين العرب عن معالجة الملف السوري، ملمحاً إلى مسؤوليتهم عن دفع الشبان إلى الانضمام إلى تنظيم «داعش».
وكما واجه أوباما في حينه انتقادات مسؤولي مجلس التعاون الخليجي حول تبرير انحيازه لإيران، كذلك واجه داخل الجلسات المغلقة هذا الأسبوع أسئلة محرجة تتعلق بإحجامه عن ضرب سورية التي اخترقت كل «الخطوط الحمر» التي رسمها لها.
الوفد المرافق لأوباما كرر رواية جيفري غولدبرغ المنشورة في مجلة «اتلانتيك»، ليؤكد أن الرئيس الأميركي ليس مطلق اليد في خياراته الحربية. وتقول الرواية أن قلق أوباما اشتد وتعاظم عقب إطلاق النظام السوري كمية كبيرة من الغازات الكيماوية على الغوطة. وعلى الفور، طلب من «البنتاغون» إعداد قائمة بالأهداف المطلوب قصفها في سورية، رداً على استخدام الغازات.
علماً أن الكونغرس بدأ يلوح بالاستنكاف عن تفويض لا يستند إلى دعم دولي. وبدا في حينه أن المستشارة الألمانية انغيلا مركل - التي تحظى بتقدير الرئيس - رفضت مشاركة بلادها في الحملة ضد سورية. وفي آخر آب (اغسطس) من 2013، امتنع البرلمان البريطاني عن ضرب سورية.
ويعترف أوباما أن إنقاذه من ورطة ضرب سورية جاء على يد الرئيس فلاديمير بوتين.
ففي قمة العشرين التي عُقِدَت في بطرسبرغ، سأله الزعيم الروسي ما إذا كان التخلص من السلاح الكيماوي يلغي قرار الضربة العسكرية. وكان جوابه بالإيجاب، خصوصاً بعدما علم أن الأسد استخدم عدداً من المواطنين كدروع بشرية وزعها في القواعد العسكرية.
مقابل هذا الانكفاء المهين، اعتبر أصدقاء الولايات المتحدة أن تراجع أوباما عن تنفيذ تهديده أفقده الكثير من صدقية العمل السياسي.
كما جرّده بالتالي من أهمية الاعتماد على شراكة بلاده، واحترامها مبدأ التعاون والصداقة. ووصف خصوم أوباما هذا الموقف المتخاذل بأنه لحظة إفلات الشرق الأوسط من بين يدي أميركا، ليقع في أيدي روسيا وإيران و «داعش»!
وكان لافتاً في الاجتماعات الثنائية تحميل القصور الأميركي مسؤولية عودة الروس إلى المنطقة، على الرغم من انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفياتي.
وانتقد البعض تركيز الحوارات التي أجراها الرئيس أوباما مع جيفري غولدبرغ، على تحميل العرب كل تبعات الصراع المدمر في الشرق الأوسط. علماً أن سياسة واشنطن في العراق وفلسطين ساهمت في زعزعة الاستقرار في منطقة بالغة الأهمية، اقتصادياً وسياسياً ودينياً..
ويرى المراقبون أن سياسة التردد الأميركي في سورية أنتجت ملايين المشردين الذين تدفقوا على ألمانيا واليونان وتركيا ولبنان والأردن، علاوة على انتشار روسي - إيراني يحمل صورة الإنقاذ لمصلحة رئيس تتهمه المنظمات الإنسانية بالتسبب في مقتل 270 ألف نسمة.
في معرض الدفاع عن سياسة أوباما الخارجية، يدّعي الوزير جون كيري الذي رافقه إلى الرياض، بأن الولايات المتحدة تملك قوة جوية وبحرية وبرية تتجاوز القوة الروسية في المنطقة.
ويقدِّر وزير الدفاع أشتون كارتر أن عدد الطائرات الروسية الناشطة في الأجواء السورية لا يتعدى الستين طائرة في أفضل الأحوال.
في حين يصل عدد المقاتلات الأميركية إلى ألف طائرة موزعة فوق البوارج الحربية، بينها مئة طائرة في قاعدة «العـُديد» القطرية. أما عدد القوات البرية فيزيد على الأربعين ألف جندي موزعين بين العراق وسورية والأردن.
ولكن هذه القوة تبدو عاجزة ومشلولة، إذا بقيت أسيرة قرار سياسي يمتنع الرئيس أو الكونغرس عن اتخاذه.
وقد حاول جيفري غولدبرغ من خلال الكتيّب الذي أصدره عن الرئيس أوباما، تدبيج سيرة سياسية ربما تساعد على إبراز العوائق المحلية والخارجية، التي تحول دون إطلاق يده في مجالات مختلفة.
ولكنه، في الوقت ذاته، أثنى على منجزاته التي لخصها بالإصرار على منع إيران من حيازة القنبلة النووية... وفي استعداده لتوضيح وجهة نظره في شأن توقيت استعمال القوة العسكرية من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو أمنية.
وهذا ما لخّصه غولدبرغ في الكتيّب الذي وزعته مجلة «اتلانتيك» تحت عنوان: عقيدة أوباما.
التجديد الأول الذي أدخله باراك أوباما إلى البيت الأبيض كان انتقاءه لتمثالين نصفيين لأبراهام لينكولن ومارتن لوثر كينغ. وربما أراد من وراء ذلك الاختيار التدليل على إعجابه بلينكولن، بطل الالتزام بالحرية وحقوق الإنسان... وبلوثر كينغ، بطل الدعوة إلى المساواة بين البيض والسود. وقد اغتيل الاثنان من أجل معتقداتهما.
وفي الكتيّب الذي أصدره غولدبرغ عن أوباما، حرص على إبراز رؤيته العامة للمشاكل المثارة في مختلف القارات، وقد جمع تفاصيل هذه الرؤية خلال لقاءات مع أوباما، وفي أماكن مختلفة، بينها الزيارات الرسمية.
ومع أنه انتقد العرب في أكثر من مناسبة، إلا أنه تحاشى التعرض لإسرائيل، وامتنع عن ذكر دورها السلبي في تصديع سلام الشرق الأوسط. ولكنه انتقد بشدّة بنيامين نتانياهو لأنه فوَّت فرص التسوية لإنشاء دولتين بالتعاون مع رئيس فلسطيني معتدل ومسالم هو محمود عباس.
المعلقون في الولايات المتحدة اختلفوا حول الأسباب التي شجعت أوباما على القيام بزيارة رابعة للسعودية، خصوصاً أن الأمور التي بحثها في الرياض كان بالمستطاع تجييرها لوزير الخارجية جون كيري أو وزير الدفاع أشتون كارتر!
في محصلة الاستنتاجات، وقع الاختيار على تفسيرَيْن: الأول، يفترض أنه جاء إلى المملكة للاعتذار عمّا نُشِر على لسانه في كتيّب «عقيدة أوباما». والتفسير الثاني، يفترض أنه جاء ليعتذر عن منح بلاده أفضلية التعامل مع إيران، وليس مع الدولة التي بنت أسس علاقة وثيقة استمرت منذ لقاء الملك عبدالعزيز والرئيس فرانكلن روزفلت.
ويبدو أن هناك عاملاً ثالثاً شجع أوباما على تجاوز انحيازه، والقدوم إلى المملكة بهدف تصحيح المسار الذي اتخذه سابقاً. أي مسار الاتفاق النووي مع إيران.
ويُستَدَل من قلق الإدارة الأميركية أن إيران نجحت في إقناع موسكو بضرورة تعزيز ترسانتها الصاروخية، وتسليمها كميات كبيرة من النظام الصاروخي الروسي «إس 300». وهو نظام يعتبره الخبراء أكثر الأنظمة تقدماً.
وكانت واشنطن في سنة 2010 أقنعت موسكو بإلغاء الصفقة، لأنها تغري إيران باستئناف تصنيع القنبلة النووية. وبعدما وافق الرئيس فلاديمير بوتين على قرار الإلغاء، عاد في السنة الماضية ليستغل إنهاء العقوبات الدولية المفروضة على طهران، ويسلم الصواريخ التي ظهرت في احتفالات الجيش منتصف هذا الشهر.
ويقول خبراء السلاح أن هذه الصواريخ كسرت التوازن - من حيث النوعية والمدى - مع دول المنطقة. وربما أخلّت روسيا بوعدها للإدارة الأميركية بسبب الضائقة الاقتصادية الخطيرة التي تعانيها بعد هبوط أسعار النفط. والثابت أن قمة اسطنبول، زائداً الاتفاق الاستراتيجي بين السعودية ومصر، كانا في صلب المعادلة التي اعتمدها بوتين لتعزيز دور إيران العسكري مقابل التجمع السنّي.
لذلك أعلن أوباما أنه يأمل برؤية إيران والسعودية تتقاسمان النفوذ في الشرق الأوسط.
خلال اللقاءات التي جمعت أوباما بزعماء الشرق الأوسط، تبيَّن له أن الغالبية السنيّة في المنطقة والعالم الإسلامي (80 في المئة) لا تقبل بهذه المعادلة. خصوصاً أن الثورة الإيرانية لم تتوقف عن تصدير العنف إلى العراق والبحرين واليمن ودول أخرى.
وفي يوم الجيش (الأحد الماضي)، صرَّح نائب ممثل الولي الفقيه في «الحرس الثوري» الإيراني، عبدالله صادقي، بأن الثورة يجب ألا تتوقف، لأن السعودية لعبت دوراً محورياً لإصدار قرار الإدانة ضد إيران أثناء اجتماع منظمة التعاون الإسلامي.
ولا تنكر السعودية أنها لعبت هذا الدور، لأن إيران حاولت استغلال «الربيع العربي» لإشعال الفتنة في البحرين. ولولا تدخل القوة العسكرية السعودية لكانت الأحداث أخذت منحى آخر.
وتقدم السعودية مَثلاً آخر عن اندفاع الثورة الإيرانية في اليمن، في محاولة للسيطرة على مراكز القوى في الدولة، وتهديد الحدود الجنوبية للمملكة. ومثل هذا المَثل ينسحب على لبنان الذي حرمته إيران، بواسطة «حزب الله»، من رئاسة الجمهورية، بانتظار جلاء الأوضاع في العراق وسورية ومنطقة الخليج.
في ظل هذه التعقيدات، رأى الرئيس أوباما أنه من الأفضل له الانتقال إلى لندن وبرلين، بغرض مساعدتهما على حل المشاكل المتعلقة بمستقبل بريطانيا في الاتحاد الاوروبي... ومستقبل مركل بعد احتضان مليون لاجئ سوري.
وعندما سُئِل في الرياض عن دوره بعد انتهاء مدة حكمه في كانون الثاني (يناير) المقبل، قال أنه يتمنى استمرار التوازن الاستراتيجي بين السنّة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط.
أما في حال تعرض هذا التوازن للخلل، فإن سورية ستتحول بالنسبة إلى موسكو إلى أفغانستان ثانية.
وفي حال تعرضت دول الخليج لصواريخ «إس - 300»، فإن فيتنام ثانية تنتظر غرق الجنود الأميركيين!