شبكة وتر-"بقلم:سنية الحسني " من دون شك أن نكبة فلسطين ستبقى الظلم الأكبر الذي لحق بشعب كامل في التاريخ الحديث. فرغم أن هذا العصر شهد العديد من المآسي التي لحقت بشعوب مختلفة، إلا أن النكبة التي لحقت بالفلسطينيين عام 1948 تبقى الأكبر، وستظل العار الذي يشوه جبين الانسانية في هذا العالم.
فكثير من شعوب الارض إحتلت أراضيها وعانت من ظلم الاحتلال، والعديد من البلدان خاضت حروب داميه كلفت شعوبها الكثير من المعاناة، وحتى تلك الاثنيات التي اضطهدت لاعتبارات عرقية أو دينية أو مذهبية كالهنود الحمر أو الأرمن أو اليهود، عمل العالم أو الجهات التي ظلمتها على إنصافها فيما بعد أو تعويضها أو حتى الاعتراف بما ألحق بها من ظلم، إلا الشعب الفلسطيني.
لم يعان الفلسطينون ظلم الاحتلال فقط أو عانوا من إضطهاد على الهوية فقط، إنما عانى الفلسطينيون ظلم مجتمع دولي أقر بالإحتلال وحوله إلى واقع شرعي معترف به، وأنكر حق شعب إضطهد وهجر عن أرضه وأرض أبائه وأجداده والتي يشهد التاريخ على حقه فيها.
ورسخت القوى الاستعمارية الكبرى طوال أكثر من ستة عقود إما بصمتها أو بتواطئها المباشر وغير المباشر واقعاً قائماً على التضليل والافتراء والتزوير، وحكمت على شعب باكمله إما بالطرد من أرضه والعيش منفياً عنها في الملاجئ يعاني ذل البؤس والفقر والعوز، أو بالعيش تحت نير إحتلال لم ينته حتى اليوم.
فبعد كل هذه السنوات لازالت دول كبرى على رأسها القطب الاقوى في العالم يراوغ ويرفض الاقرار بحق الشعب الفلسطيني في إعلان دولته على جزء من أرضه التي سلبت ما بين عامي 1948 و1967 وبما لا يتعدى الـ 22 % من مجمل أراض فلسطين التاريخية.
كان الفلسطينيون قبل حرب عام 1948 يعيشون على أرضهم مثلهم مثل باقي شعوب الارض. وكانت فلسطين تعد إمتداداً طبيعياً لسوريا ولبنان مصر وباقي الدول العربية، فهي جزء من هذه الامة التي تشترك معها بالتاريخ واللغة والثقافة.
وذاع صيت المدن الفلسطينبة في وسطها العربي، فشكلت القدس منبراً دينياً وثقافياً مهماً، كما شكل ميناء حيفا منافس قوي لأكبر الموانئ العربية في ذلك الحين.
كما كان لفسطين ميناء جوي مميز وشكل نقطة إتصال هامة مع مجمل الدول العربية، فكان مطار اللد مركز نقل وتجارة معروفاً عربياً ودولياً. وكان لفلسطين عملتها كما كان لها حضور تجاري بين الدول العربية الاخرى.
وشكلت فلسطين ساحة للتفاعل الثقافي والفنى والرياضي في محيطها العربي، نظراً لموقعها المركزي. وشهدت البلاد إنشاء أول إذاعة فلسطينية "هنا القدس" عام 1936، والتي اعتبرت ثاني إذاعة عربية بعد إذاعة القاهرة التي تأسست عام 1934.
وإشتهرت مدن حيفا ويافا والقدس بالحفلات الغنائية لفنانين كبار كحفلات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، كما عم فلسطين عدداً من المسارح كمسرح الحمراء في يافا. واهتمت فلسطين بالجانب الرياضي فضمت البلاد أكثر من سبعين نادياً رياضياً موزعاً في المدن والقرى، منها خمسة وخمسون ناد عضو في الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تأسس عام 1928.
وتتحمل الدول الاستعمارية الكبرى على رأسها بريطانيا مسئولية النكبة الفلسطينية. فبعد وعد بلفور الذي أعطته بريطانيا لليهود لضمان وطن لهم على أرض فلسطين، إرتفعت نسبة اليهود ما بين عامي 1914 ـ 1948 من 8 % إلى 31 % من نسبة مجمل عدد السكان في فلسطين، بفعل التسهيلات التي منحتها بريطانيا كدولة مستعمرة لليهود، إلتزاماً بتحقيق ذلك الوعد. فسمحت لهم بالهجرة إلى فلسطين بأعداد كبيرة، وعملت على تمكينهم ودعم بقائهم، على حساب السكان الاصليين.
وارتفعت نسبة السكان في فلسطين بفعل الهجرات اليهودية خلال تلك الفترة إلى أكثر من 37 % من مجمل الزيادة العامة في عدد السكان، مما غير من التركيبة الديمغرافية في البلاد لصالح اليهود.
وكان من أهم نتائج حرب عام 1948 تهجير أكثر من نصف عدد السكان الفلسطينيين المقيمين في الاراضي التي إحتلت، فبلغ عدد المهجرين ثمانمائة ألف فلسطيني من مجمل مليون وأربعمائة ألف مواطن كانوا يقيمون في تلك المنطقة. وبعد عام 1967 طرد بالقوة حوالي نصف مليون فلسطيني من أرضهم، وإستمرت عمليات الطرد والتهجير حتى عام 1979.
بعد حرب عام 1948 وإستيلاء اليهود على مساحات شاسعة من الاراضي الفلسطينية، اعترف قطبا العالم الاقوى في ذلك الوقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بشرعية الدولة المحتلة. ونالت إسرائيل قبول الامم المتحدة بها كعضو كامل العضوية رغم عدم إلتزامها بشروط قبولها حتى اليوم.
وبعد إستكمال إسرائيل لاحتلالها لباقي الاراضي الفلسطينية عام 1967، وقف العالم صامتاً أمام رفض إسرائيل تنفيذ قرارات الامم المتحدة التي تدعوها للانسحاب من الاراضي التي إحتلتها في عدوانها الاخير، فبقي الاحتلال جاثماً على قلوب الفلسطينيين دون أي حراك دولي فاعل ومؤثر.
وبقيت ولاتزال إسرائيل تحارب مقاومة الفلسطينيين للاحتلال وحشدت دعماً دولياً من قبل الدول الكبرى الحليفة على رأسها الولايات المتحدة لدعم موقفها، رغم أن المقاومة حق مشروع أقرته القوانين الدولية للشعوب المحتلة. فطاردت دولة الاحتلال م . ت . ف في لبنان، وإستمرت في سياسة الاعتقال والترحيل والاغتيال، وصبغت المقاومة الفلسطينية بصبغة الارهاب.
ورغم أن الفلسطينيين قبلوا بالدخول بعملية سلمية منذ عام 1993 على أساس قيام دولة فلسطينية في حدود الاراضي التي إحتلت عام 1967، إلا أن إسرائيل لاتزال تماطل وبعد أكثر من عشرين عاماً في إعطاء الفلسطينيين هذا الحق، وتستمر في ممارساتها الاحتلالية بالسيطرة الاقتصادية والامنية وضبطها للحدود والمعابر وإستمرارها في تمددها الاستيطاني في الضفة الغربية وحصارها لقطاع غزة، رغم إنسحابها أو إعادة إنتشارها من تلك الاراضي عملاً بإتفاقية أوسلو.
وتحصل إسرائيل على الدعم والحماية من الولايات المتحدة ومن قبل دول عظمى أخرى على رأسها بريطانيا وألمانيا، وتستند على تلك الحماية والدعم في تبجحها بعد الالتزام باتفاقياتها مع الفلسطينيين.
وتدعم الولايات المتحدة إسرائيل باموال خيالية قدرت بأكثر من ألف وستمائة بليون دولار ما بين عام 1973 و2011، فاسرائيل المتلقي الاول لمساعدات الولايات المتحدة الخارجية منذ عام 1948، وبلغ التمويل الامريكي العسكري الاجنبي الذي تلقته إسرائيل فقط حوالي 55 % من المجمل العام الدي تقدمه الولايات المتحدة لجميع الدول الحليفة. وبعيداً عن الدعم الامريكي المالي لاسرائيل، فلولا الدعم السياسي الامريكي لاسرائيل والدعم الامريكي العسكري لها، لما بقيت إسرائيل قائمة.
فلا تتردد الولايات المتحدة عن إعلان التزامها بأمن إسرائيل، كما تلتزم بالحفاظ على تفوقها العسكري بين دول المنطقة. ورغم عدم تردد دول كبرى مثل وبريطانيا وألمانيا في دعم إسرائيل على حساب الحق الفلسطيني، إلا أن الكثير من دول العالم اليوم تتعاطف مع عدالة قضيتنا.
فالشعب الفلسطيني رغم كل معاناته لازال باقياً وصامداً على أرضه. ويشكل الفلسطينيون اليوم 20 % من مجمل عدد السكان في إسرائيل، بما تعتبره الحكومة الاسرائيلية خطراً داهماً على مستقبلها. كما لم يدخر الفلسطينيون في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 جهداً في الدفاع عن قضيتهم ومستقبلها، ولم يتسلل اليأس إليهم يوماً، فبقيت القضية حاضرة طوال تلك العقود. وعلى العالم اليوم أن يتحمل مسئولياته تجاه القضية الفلسطينية أرضاً وشعباً، لأنه الشعب الفلسطيني أثبت عبر السنوات أن قضية ستبقى حية لا تموت.