شبكة وتر-"بقلم:شذى حماد" “لا نخاف من الحبوس ولا ذلينا ,,, حطينا موسنا بروسنا واحنا تعلينا” … “يا شبيب بلال يما قوم اركب ولاقينا ,,, واضرب بسيفك ولا تشمت حدا فينا”. هكذا كانت ستغني رهيبة في استقبال نجلها بلال بعد 15 عاما من تغييبه في سجون الاحتلال، كما حضَّرت قائمة من الأغاني الشعبية الفلسطينية التي تُغنَّى في استقبال الأسرى المحررين، وحرصت على ترديدها مرارا وتكرارا لتتأكد من أنها أتمت حفظها جيدا، واشترت أيضا ثوبا مطرزا جديدا.
وفي بلدته عصيرة الشمالية بمدينة نابلس، فقد نُظِّفت الأحياء، وعُلِّقت الأعلام واليافطات، ونُشِرت صور بلال، وخُطَّت على الجدران عبارات الاستقبال والتهنئة بكسر قيد الاحتلال، وبُدِأ بإعداد الولائم، فهو عيد ليس كأي عيد، إنه عيد الحرية.
أما في سجن “ريمون”، لم ينم بلال (35 عاما) منذ أيام، منتظرا لحظة نيله الحرية، فالترتيبات تجري على ما يرام، وفي صباح يوم 13 حزيران جرى نقله من عزل سجن ريمون ليفاجأ أنه تم نقله لمحكمة عوفر العسكرية وهناك سُلم بلال أمر اعتقال إداري لمدة 6 شهور، وبحسب ورقة أمر الاعتقال الإداري فإن القرار جرى توقيعه في تاريخ 7/6/2016 أي قبل أسبوع من تاريخ الإفراج عنه.
“توجه أفراد العائلة وأهالي البلدة والأصدقاء لاستقبال بلال قرب حاجز الظاهرية، وما إن وصلنا حتى تلقينا اتصالا يفيد بتمديد اعتقال بلال إداريا لستة شهور ونقله إلى سجن ريمون”، يقول محمود الذي لم يرَ شقيقه منذ ست سنوات.
أي خبر سيعود به المستقبلون الآن إلى والدة بلال التي تنتظر وصول نجلها على أحر من الجمر؟! وهي المسنة التي تعاني من رزمة أمراض، وقد لا تقوى على استقبال خبر كهذا. يجيب محمود: “أعددنا سيناريو خاص لنوصل الخبر لوالدتي، بداية قلنا لها، أنه يوجد سوء ترتيب من داخل السجن، وقد يفرج عنه بعد عدة أيام، ثم بدأنا بالتمهيد تدريجيا إلى أن أبلغناها بتمديد اعتقال بلال إداريا”.
منذ عام ورهيبة (74 عاما) لا تزور نجلها بلال في الاعتقال، حيث حولته إدارة سجون الاحتلال للعزل الانفرادي. “قبل عدة شهور، أبلغنا الصليب عن وجود تصريح زيارة لي، وعندما وصلت السجن، قالوا لي إن بلال ما زال في الحبس الانفرادي … طلبْتُ أن أراه من بعيد لدقيقة فقط إلا أنهم رفضوا”. تروي أم بلال، وتواصل دعائها: “يما أودعتك لمن لا يخون الودائع”.
في عام 2015، استقبل بلال نبأ وفاة والده الذي حرم من زيارته ورؤيته قبل عام منذ ذلك الموعد، بعد إبلاغه أنه ممنوع من الزيارة “لأسباب أمنية”.
وتروي أم بلال كيف كانت وزوجها يتلقيان مكالمات في فجر يوم الزيارة، يتم إبلاغهم فيها أن الزيارة ألغيت لنقل بلال إلى سجن آخر، ليتبين فيما بعد أنها ألعوبة من مخابرات الاحتلال التي كانت تجعل بلال يقف وحيدا خلال الزيارة منتظرا قدوم والديه.
ومنذ سنوات؛ وقع الخيار على بلال ليكون ممثلا للمعتقل ومتحدثا باسم الأسرى أمام إدارة سجون الاحتلال، إذ كان أحد قادة الحركة الأسيرة، يقف لينتزع حقوق الأسرى ويدافع عنهم، وعند كل انتصار، ينتقم الاحتلال منه بتحويله للحبس الانفرادي.
بلال ومذ تحويله إلى الاعتقال الإداري وهو يحارب بأمعائه الخاوية قرار الاحتلال، وقد أعلن الحرب التي لن يعود منها إلا منتصرا. ويبين محمود أن هذه ليست المرة الأولى التي يخوض فيها شقيقه الإضراب عن الطعام، فقد خاض هذه المعركة خمس مرات سابقا.
قوات الاحتلال ومنذ اللحظة الأولى لاعتقال بلال بتاريخ 14/كانون أول/2001، وهي تصب جام حقدها عليه، فيذكر محمود كيف جر جنود الاحتلال بلال عاريا من منزله ثم انهالوا عليه بالضرب وصبوا عليه الماء البارد.
ويضيف، “خضع بلال لتحقيق قاسٍ في المسكوبية والجلمة، ثم بدأت إدارة سجون الاحتلال بنقله تعسفيا من سجن لآخر، ومن عزل لآخر تحت بند الملفات السرية”.
وكانت إدارة سجون الاحتلال أصدرت في أيلول الماضي، أمرا بعزل بلال لمدة ستة شهور، بعد إلقائه خطابا في ذكرى استشهاد أبو علي مصطفى، حيث اتهم بتحريض الأسرى على الاحتلال. ويشير شقيقه إلى أن بلال وضع في زنازين لا يدخلها الهواء، ولا تتوفر فيها مقومات العيش الإنساني، كما صادرت إدارة سجون الاحتلال ملابسه وأغطيته وكتبه.
وفي سجن “مجدو” كان بلال مسؤولا عن قسم الأشبال، يتحدث باسمهم ويتزع حقوقهم، وما إن مرت شهور قليلة حتى لمست إدارة سجون الاحتلال تحسنا ملموسا على أحوال الأسرى، خاصة من الناحية النفسية والتعليمية، فقررت مجددا نقل بلال إلى سجن آخر بعيدا عنهم.
وتروي العائلة أنه كلما تحرر طفل من سجن “مجدو” كان يزورها ويحدثها عن بلال وإنجازاته، وما كانت تقابله به إدارة سجون الاحتلال.
حاول بلال خلال اعتقاله ورغم المسؤولية الملقاة عليه وتشديدات الاحتلال بحقه، أن يكمل دراسته الجامعية. ويوضح محمود أن بلال سجل في الجامعة المفتوحة، وأرسلت له العائلة الكتب التي طلبها، لكن سلطات الاحتلال أبلغته بمنعه من الدراسة. ثم حاول مرة أخرى التسجيل في الجامعة العبرية، وقد درس لعام قبل أن تمنعه إدارة سجون الاحتلال مجددا.
عائلة بلال كما نجلها لم يكسرها قرار الاعتقال الإدراي، وهي حتى الآن تواصل استعداداتها لاستقبال بلال عائدا منتصرا إليها كما اعتادوا عليه دائما. وتردد أمه متمكسة بمعنوياتها العالية وابتسامتها الدائمة، وعيناها تقلبان صورة نجلها بلال المعلقة أمامها: “الحبس مهو حقرص ولا عين ولا عقارب تقرص ,,, الحبس حبس السلطان بوفي هالأيام وبخلص”.